مليكة أحمد 18 فبراير 2019
تختبئ خلف بلاد «تاج مَحل» الساحرة، مدينة على الرغم من أهميتها الكبيرة من حيث الاقتصاد والسياحة، غير أنها ضعيفة التسويق إعلامياً وحتى سياحياً. ولعل السبب في ذلك، يعود لكثرة الأماكن والمدن الجميلة التي تقدمها الهند للعالم، والكفيلة بإرضاء شغف المتطلّعين من السيّاح للحضارة الهندية واكتفائهم بها. هي مدينة «مونار» المعروفة بتلالها وأنهارها ووديانها التي تروي عطش آلاف الهكتارات من أراضي زراعة الشاي الخصبة. اتخذت «مونار» تسميتها من لغة الملايالم الهندية، ومعناها «الأنهار الثلاثة»، التي تمثل كلاً من نهر «مادوبيت»، «نالاثاني»، ونهر «كيندالي». جغرافياً تقع «مونار» جنوب غرب ولاية «كيرالا»، على ارتفاع يصل إلى 1600 متر عن سطح البحر، وسط سلسلة «جبال غاتس» الغربية في الهند.
زراعة الشاي
يُقال أن مدينة «مونار» كانت تُعتبر في الماضي محطة مهمة للكولومبيّين، الذين اتخذوها مَلاذاً صيفياً هرباً من أشعة الشمس الحارقة في الهند، حيث المساحات الخضراء الشاسعة من التلال والوديان إضافة إلى الأنهار، تجعلها في مُقدّمة المدن السياحية في آسيا، لا سيّما من حيث الطبيعة العذراء التي تحيط بالمدينة من كل صوب؛ ما جعلها أرضاً خصبة لزراعة الشاي والتوابل، حيث تتوزع هكتارات من الأراضي والحقول تُعتبر الأكثر ارتفاعاً في الهند عن سطح الأرض، وتغطي ما يقارب الـ24 ألف هكتار، وتنتج سنوياً نحو 50 ألف طن من الشاي، ما جعلها تتبوّأ مركزاً اقتصادياً مهماً في الهند وغيرها من البلدان الآسيوية المجاورة.
ويعتمد أغلب أهالي «مونار» في كسب قُوتهم على العمل بالقطاع الزراعي. في الماضي كانت نسبة 80% من حقول زراعة الشاي تعود لمالكها الخاص، عملاق الصناعة والاقتصاد في الهند شركة «تاتا»، قبل أن يقوم العاملون باسترداد جزء من الشركة لمصلحة أهالي المدينة الذين يُصبحون ويمسون في زراعة الشاي المتعبة، حيث لا تزال الزراعة في «مونار» تعتمد كثيراً على الطرق والوسائل التقليدية المجهدة، فاليد العاملة هناك تعتمد على جميع الفئات من الرجال والنساء وحتى الأطفال. والجميل في الموضوع، أن أهالي المدينة يستفيدون وبشكل خاص من ميزات اجتماعية واقتصادية عديدة بين المجتمع الهندي، لا سيّما التعليم والعلاج المجاني في المدارس، والمستشفيات، فضلاً عن منح سكنية للعاملين من الفلاحين.
من أبرز المعالم التي تستقطب الزائر لـ«مونار»، زيارة متحف الشاي «تاتا»، الذي يُعتبر من أكثر الزيارات المهمة التي يعتمد عليها السياح في اكتشاف ماهيّة المدينة وتاريخها العريق، فبمجرد دخولك المتحف ستُنعشك رائحة الشاي العطرة، وسيقوم الدليل السياحي بتعريفك إلى أنواع الشاي الموجودة في المخزن، وستجد جناحاً كبيراً تتوسطه آلات طحن أوراق الشاي، وكيفيّة حصادها من قبل الأهالي، وعن طريقة استخدامها أيضاً.
وسط المدينة
يسود وسط مدينة «مونار» جوّ مُغاير، حيث تجدها مكتظة تعجّ بزحمة الناس والسياح، وعربات الـ«توك توك» التي تتوافر بشكل كبير، وهي وسيلة النقل المعتمدة بالدرجة الأولى هناك، فعلى الرغم من المساحة الصغيرة لوسط المدينة، إلا أنها لا تخلو من الحركة اليومية لسكانها، فضلاً عن ضمها مجموعة كبيرة من المعالم السياحية التاريخية، التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن متحف الشاي «تاتا»، وليس تلك المتعلقة بمحطة القطارات، حيث تجدها مُهمَلة وخالية من النظام. وتكثر في «مونار» مثلها مثل بقية المدن الهندية، مصانع الغزل والنسيج وحياكة قماش الحرير الفاخر، فتكاد لا تعبُر الشارع حتى ترى عدداً كبيراً من سلسلة الأسواق المرصوصة جنباً إلى جنب، أبرزها سوق الخضراوات حيث يتفنن الباعة في تنسيق منتجاتهم الطازجة من الفاكهة والخضراوات، يُجاوره سوق بيع التوابل الغنية بالألوان الساحرة من البهارات قوية الرائحة، وخاصة الكركم والزعفران والهال.
«توك توك»
يُعتبر الـ«توك توك» الوسيلة الوحيدة للتنقل في «مونار» إلى جانب عدد من شاحنات النقل الصغيرة، ونادراً جداً ما ترى مرور سيارة عادية هناك، وذلك لطبيعة العيش والبيئة الجبلية، حيث يعتمد السكان على التنقل في «مونار» بالدراجات الهوائية، أو الـ«توك توك» فيما إذا كانت المسافة مقتصرة على المدينة، أما الأماكن البعيدة فيُفضل الأهالي للوصول إليها التوجه إلى محطة القطار في المدينة.
أماّ بالنسبة إلى الجزء الثاني من المدينة، وبعيداً عن الأسواق ومحلات بيع الأقمشة، نجد معالم تاريخية قديمة تنتشر في منطقة يُطلق عليها اسم «مادوبي»، وهنا فقط ستجد مجموعة من المعابد الهندوسية الصغيرة، التي تضم بدورها تماثيل غريبة الأشكال ترمز إلى تقاليد معينة، تُصاحبها طقوس غريبة يقوم بها أهالي «مونار»، خاصة في المناسبات الدينية، الأعياد التقليدية وحفلات الزفاف. كما تجد أغلب مداخلها الرئيسية مفروشاً بشتى أنواع الورود من مختلف الألوان والأشكال.
الفندق الوحيد
إذا كنتم من نزلاء فندق «جرين فيو»، فأنتم محظوظون بلا شك، فهو الفندق الوحيد الموجود في مدينة «مونار»، والذي يوفر لكم برنامجاً سياحياً غنياً بالمفاجآت، بداية بتنظيم رحلة استكشافية لحقول الشاي وتلالها الخضراء، يرافقكم فيها دليل سياحي يتحدث اللغة الإنجليزية، وهناك فندق آخر يحمل اسم «جرين فيو» أيضاً، لكنه مختلف من حيث عدد الغرف، ونوع الخدمة التي يقدمها، فهو بمثابة كوخ صغير لا يتعدى الغرف الست، ويُطلق عليه اسم «جرين فيو كوتج»، لقربه الكبير من الطبيعة، يقع على بُعد 14 كيلومتراً من مركز المدينة، بمُحاذاة البيوت الملونة المنتشرة على إحدى تلال «مونار» المأهولة بالسكان. ويستغرق الوصول إليه عن طريق الـ«توك التوك» ما بين ساعة وساعتين، حسب سرعة السائق، ويكون أغلب نزلائه من السياح الباحثين عن الهدوء والاستجمام والراحة النفسية، إذ تطل غرفة مباشرة، على مساحات تخضرّ لها الأعين والقلوب فرحاً بذلك المشهد البانورامي الساحر من الطبيعة الجميلة. وستنعمون فيه براحة مضاعفة وأنتم تتناولون إفطاركم الصباحي، وأنتم تستنشقون رائحة أوراق الشاي المنعشة، وسط موسيقى زقزقة العصافير العذبة. هذا ويوفر الفندق الصغير برنامجاً فنياً مسائياً ممتعاً، تقدمه فرقة من الراقصات، وهنّ يتمايلن مرتديات الساري الحريري الجميل، متعدد الألوان والأشكال. أما فندق «سكايرج ريزورت»، فينتمي إلى سلسلة المنتجعات الأشهر في «مونار»، ويضم مجموعة 10«شاليهات»، ومركز «سبا» يقدم أجمل أنواع التدليك والمساج بالأحجار الساخنة، وزيوت خلاصة الشاي العطرة المشهورة في المدينة.