آنو السرحان 14 يناير 2019
أكدت دراسة أجراها باحثون في النمسا تراجع في الحالة المزاجية لأشخاص عقب استخدامهم موقع «فيسبوك» لمدة 20 دقيقة، مقارنة بأشخاص تصفحوا فقط مواقع إنترنت في الفترة الزمنية نفسها.
وتقول الدراسة ذاتها إن الناس شعروا بهذه الحالة المزاجية المنخفضة لأنهم رأوا أنهم أهدروا وقتهم في استخدام «فيسبوك». لكن الشعور بمزاج جيد أو سيئ، يمكن أن ينتشر بين الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقاً لباحثين من جامعة كاليفورنيا، الذين قيموا المحتوى العاطفي لأكثر من مليار منشور كتبه أكثر من 100 مليون مستخدم على «فيسبوك». وتوصل الباحثون إلى أن منشوراً واحداً سلبياً عن حالة الطقس السيئ، من شخص يعيش في مدينة ممطرة على سبيل المثال، أثر في منشورات أخرى لأصدقاء له يعيشون في مدن جافة. فهل تتحكم بالفعل المنشورات السلبية في الحالة المزاجية لمستخدمي «السوشيال ميديا» فعلا؟ وكيف يمكن النأي عن الوقوع في الاكتئاب والإحباط، جراء متابعة منصات التواصل الاجتماعي المختلفة؟
المنشورات الإيجابية
يؤكد مُعِد برامج ومخرج أخبار في التلفزيون الأردني أحمد العضايلة، أن الغالبية العظمى من مستخدمي «الفيسبوك» يقارنون حياتهم مع لحظات السعادة التي ينشرها الآخرون من أصدقائهم على الشبكة. ويقول: «يُظهر لهم ذلك أنَّ حياتهم تبدو أقل جمالاً وأقل إثارة وأكثر رتابة من حياة الآخرين المثالية، وبالتالي يسبب لهم ذلك الاكتئاب والإحباط وحتى الغضب والغيرة». ويضيف: «أظهرت شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أنّ انفعالات البعض تؤثر في عواطف أصدقائهم. كما أن الأمزجة التي يتم التعبير عنها على الشبكات الاجتماعية ليست شرطاً أن تكون معدية ودافعاً للتفاؤل، فعلى سبيل المثال، لدى قراءة عدد من الرسائل الإيجابية من الأصدقاء، تولد مشاعر سلبية ويولد شعور لدى الشخص أنه يعاني وحده، وأن الجميع أفضل حالاً منه».
بينما يرى المحامي الدكتور لؤي يوسف الداوود أن منصات التواصل تحسِّن نوعية الحياة، وتمثل مصدراً للبهجة والإثارة، إذا استخدمت بالقدر المعقول، ويشرح: «يمكن أن تسبب مواقع التواصل تقليل اللقاءات الفعلية؛ مما يؤدي إلي ضعف العلاقات، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري والطلاق والقطيعة في نطاق الأسرة والمجتمع، مما يعني مزيداً من المشكلات النفسية والإحباطات».
فيما تقول الإعلامية لينا عساف: «عادة ما يتحدث الإعلام عن مواقع التواصل بشكل سلبي، خاصة حينما يتعلق الأمر بالشباب، إذ يجري ربطها بالقلق والاكتئاب لدى البعض، بينما يرجع الموضوع برمته إلى طريقة استعمال هذه المنصات». وتؤكد: «لهذه المواقع جوانبها الإيجابية، مثل بعض مجموعات الدعم المغلقة، خاصة التي تهتم بموضوعات مثل القلق والاكتئاب وعدم الإنجاب وغيرها من المشاكل النفسية والاجتماعية»، وتشدد على مسؤولية الآباء في متابعة أبنائهم في حال استخدامهم هذه المواقع. وتعتبر عساف أن التكنولوجيا عموماً قد تطورت تطوُّراً، يجعل الناس مجبرين على استخدامها، والمشكلة هي عدم التفكير في أفضل وسائل الاستخدام. وتقول: «لا بد من اختيار الوسيلة الأفضل وتقليل عدد المنصات».
الشعور بالذنب
يرى رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، أنه في ثقافات مختلفة وفي ظروف أخرى، قد يساعد استخدام منصات التواصل الاجتماعي الأفراد على تقليل التوتر وتوسيع المعارف. ويقول: «في مجتمعاتنا العربية يكون الاعتماد على هذه المواقع كبديل كلي عن عالم الواقع، مما يؤدي إلى أن يفقد الإنسان علاقاته الحقيقية، ويعتمد على علاقات افتراضية مضللة». ويشير محادين إلى أثر نشر أخبار وصور ضحايا النزاعات في العالم العربي، والتعرُّض لجرعة كبيرة من الأخبار السيئة على إحساس الناس بالسعادة والإنجاز. موضحاً: «ينتاب المتلقي شعور بالإحباط والذنب، وهو عكس ما يعتقده المستخدمون عندما يضغطون على زر ويشاركون أصدقاءهم هذه الصور لدعم هؤلاء الضحايا وتقديم قضيتهم». ويؤكد أن هذه المواقع غيّرت نمط تجمُّع أفراد الأسرة، «إذ يصبح كل فرد منهم غارقاً في عالمه الافتراضي، وعندما يحدث نقاش داخل الأسرة، فإنه عادة ما يكون عن موضوع اختارته إحدى المنصات أيضاً، ليتحدث كلٌّ منهم محاولاً ترجيح وجهة نظره، وهو ليس النمط الصحي الأمثل للتجمعات الأسرية».
تقليل المنصات
تؤكد استشارية الطب النفسي الدكتورة نسرين دباس، أن «استخدام الفرد لأكثر من سبعة مواقع للتواصل الاجتماعي، يضاعف ثلاث مرات من احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق، مقارنةً بمن يستخدم منصتين أو أقل، وفق باحثين في مجال الصحة النفسية». وتقول: «الإفراط في استخدام هذه المواقع يؤدي إلى تشتيت المخ بين مهام متعددة، وهو ما ينعكس سلباً على الصحة العقلية والقدرة على الإدراك والانتباه، وقد يتطور الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب وسوء الحالة المزاجية». وتضيف: «حتى لو انخفضت مدة المكوث على تلك المواقع، يظل الرابط السلبي بينها وبين الاكتئاب وثيقاً. ويتوجب على الأطباء النفسيين أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار أثناء فحص مرضى الاكتئاب».
كما تشير الدباس إلى أن ملايين السنين احتاجها البشر ليطوروا آليات التكيُّف مع البيئة الاجتماعية، مثل اللعب واللمس الحسي والتواصل الشخصي، وتقول: «صحيح أن التواصل الافتراضي شيء مهم، إلا أنه لا بد أن يظل مكملاً للعلاقات الحقيقية وليس بديلاً عنها». وتحذر الدباس من أن متابعة مواقع متعددة للتواصل الاجتماعي تخلق تصوراً غير واقعي عند المستخدم؛ موضحة: «لأنه يوحي بأن الآخرين ينعمون بأوضاع معيشية أفضل وأسعد، وهو ما يسبب شعوراً بالانعزال والإحباط وبالتالي الدخول في الكآبة».
العلاج بالذكريات
ارتباط منصات التواصل الاجتماعي بالاكتئاب ليس حتمياً، كما يقول استشاري الطب النفسي الدكتور زهير دباغ، ويوضح: «لقد طوّر باحثون بجامعة بورتسموث بالمملكة المتحدة تطبيقاً للهواتف المحمولة يُعرف بـ(my lovely things) بهدف علاج بعض الاضطرابات النفسية، إذ يقوم المستخدم بتحميل أجمل ذكرياته في مواقع التواصل الاجتماعي لمشاهدتها بعد ذلك؛ مما يحفز حالة من التسكين الذاتي في حالات المعاناة مع المزاج السيئ». ويضيف: «إن العلاج المعتمد على الذكريات من أهم الطرق للتعامل مع بعض حالات الاكتئاب والقلق، ومن هنا فالمشكلة تكمن في طريقة استخدام منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات، ولا يمكن أن ننكر أن الكثير من الأشخاص يشعرون بالتفاؤل والإيجابية والحماس عند متابعة الأشخاص الإيجابيين والناجحين».
الإنترنت من أسباب الاكتئاب
توصلت دراسة شملت أكثر من 700 طالب إلى أن أعراض الاكتئاب، مثل الحالة المزاجية السيئة والشعور بعدم قيمة الذات واليأس، كانت مرتبطة بطبيعة ونوع التفاعل على الإنترنت. ولاحظ الباحثون وجود مستويات عالية من أعراض الشعور بالاكتئاب بين هؤلاء الذين كانت لديهم تفاعلات أكثر سلبية على الإنترنت. وتوصلت دراسة مشابهة أجريت عام 2016، وشملت 1700 مستخدم، إلى أن هناك مخاطر بنحو ثلاثة أضعاف للتعرض للاكتئاب والقلق بين الأشخاص الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي. وتشمل الأسباب التي تقف وراء ذلك، بحسب الدراسة، أساليب التخويف أو التنمر التي يتعرض لها البعض، وتكوين رؤية مشوهة عن حياة الآخرين، والشعور بأن الوقت الذي يُقضى على مواقع التواصل الاجتماعي وقت مهدر.