ريما كيروز 2 يناير 2019
أمثال شعبية كثيرة تناولت موضوع المال وارتباطه بالسعادة، فمنها ما يؤكد أن المال يستطيع شراء أشياء مهمة في مقدمتها السعادة، ومنها من يرى أن الأموال تجلب معها التعاسة.. وبين «القناعة كنز لا يفنى»، و«الدراهم مراهم»، تختلف نظرة الناس للأمر. فهل يحقق المال السعادة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته «زهرة الخليج» في هذا التحقيق:
هل يمكن أن يكون المال مصدر سعادتك؟ سؤال لم نكد نطرحه على مهندسة الديكور رودي حبيب، حتى بادرت بالإجابة: «هو ليس مصدر سعادة لي فقط، إنما لكل من هم حولي أيضاً. فالمال هو الوسيلة التي أشتري بها راحتي وطمأنينتي، وأعتبره الأداة التي تحرك كل شيء في هذه الدنيا، لا على صعيد النفوذ والسلطة وحسب بل على صعيد المشاعر، فحتى عندما تملك المال وتحقق للآخرين أمنياتهم ومتطلباتهم، يحبونك ويحترمونك ويكونون من الأوفياء لك». بهذه العبارات ترى حبيب مفهوم المال وأهميته في الحياة اليومية، وتضيف: «من دون المال لن أستطيع أن أعيش حياة رغيدة وكريمة، ولن أعلم أولادي في مدارس راقية، ولن أؤمن لهم ما يحلمون به، ولن أسافر وأرى العالم، ولن أستطيع لو أصابني المرض أن أتعالج عند أمهر الأطباء. وبالتالي لو افتقدت هذه الأمور فلن أكون سعيدة». وتؤكد حبيب: «جميعنا ندرك في الحقيقة أننا حين نملك المال سنملك ترف شراء ما يسعدنا». وتختتم ساخرة: «فلينعم الله عليّ بثروة ولتتركوا لي مسألة السعادة».
سأشتري الوقت
«من لا يجد السعادة في ماله فليعطه إليّ، فأنا أعرف كيف أحقق سعادتي به». بهذه العبارة يؤيد الدكتور الصيدلاني شاهين رأي كل من يميل إلى فكرة أن المال يمكنه أن يشتري السعادة، ويقول: «أعمل 10 ساعات يومياً وأعود منهكاً إلى بيتي، بعد أن تكون ابنتي الصغيرة قد نامت، وزوجتي دبّ بها التعب مع انقضاء يوم طويل من العمل ومتابعة مسؤولية المنزل. فنحن نعيش واقعاً يومياً مريراً ومحطماً للآمال وللعلاقة الأسرية، كنت لأتخلص منه لو أنني ثري، ولست ملزماً بالبقاء في الصيدلية التي أملكها، لأكسب قوت عيشي وأؤمن حياة كريمة لأسرتي».
ويشدد شاهين: «لو ملكت المال الوفير لاشتريت الوقت لأقضيه مع أسرتي وأوكلت مهامي إلى شخص آخر، وكنت اشتريته لزوجتي أيضاً لأريحها وأدللها، بدل أن تضيع وقتها في إنجاز أعمال البيت والتنظيف والطهو وغيرها من المسؤوليات». ويضيف: «لو ملكت المال لما عشت في المكان الذي أسكن فيه، وأدخلت ابنتي المدرسة التي أحلم بها، واشتريت بيتاً كبيراً لأهلي، وساعدت أخي ليتزوج خطيبته التي ارتبط بها منذ أربعة أعوام. كنت قد حققت سعادة كل من حولي لأحقق سعادتي».
وسيلة سعادة
يعلق استشاري الطب النفسي الدكتور محمد نحاس، بالقول: «تختلف مسألة تحقيق السعادة بالمال بين الناس، فهناك مجموعة منهم لم تقدر أن تصل إلى الذات الحقيقية، بل تعيش على الذات الوهمية التي تعتمد على الهوس أو الرغبة الجامحة في تملّك المال بأي طريقة، حتى لو بصراع مع الآخرين، أو ربما بإهمال نفسها أو علاقاتها، لأن قانونها الأساسي المصلحة فوق كل اعتبار». ويشرح: «في الأغلب يتمحور هؤلاء حول ذواتهم، ويكونون أنانيين بطبعهم ولا يهتمون بغيرهم، فإذا استعرضوا أموالهم فلأنهم يعانون نقصاً وإذا بخلوا به فلأنهم مرضى، وفي الحالتين هم يستحقون الشفقة».
ويتطرق نحاس إلى الأشخاص الذين يرون في المال مدخلاً لتحقيق سعادتهم وسعادة غيرهم، فيقول: «عندما يؤثر الإنسان الآخرين على نفسه، ويُخرج ماله بدل كنزه، للخير والمساعدة وتحقيق الأمنيات، هو بالتأكيد يصل إلى قمة السعادة والطمأنينة والأمان، بل ينام قرير العين من دون أن يعاني التوتر أو القلق، وتزداد ثقته بنفسه وبالخالق». ويضيف: «أشارت أكثر من دراسة إلى أن فعل العطاء هو في حد ذاته علاج للاكتئاب. وبالتالي، إن الذين يعتبرون المال وسيلة سعادة أساسية تصل بهم وبغيرهم إلى السعادة، يحققون غايتهم المنشودة».
عنصر أساسي
من جانبه، يشير المفكر والباحث الدكتور علي الشعيبي إلى أن «السعادة عنوان عريض لمجموعة كبيرة من الأشياء التي يحاول المرء إما أن يقتنيها أو يمنحها للآخرين. ومن يشعر بأن سعادته تكمن في المال، فذلك يتوقف على قدرته في التصرف به وإنفاقه بإسعاد ذاته والآخرين». ويشدد بالقول: «لا تكمن السعادة في جمع المال بجشع لكنزه، وإنما بالقدرة على إنفاقه، فهو عنصر أساسي من عناصر تحقيق السعادة والآمال. والمطلوب إذاً أن يستثمره صاحبه في سبيل تحقيق أمنيات الآخرين العاجزين عن الوصول إلى السعادة».
ويتابع د.الشعيبي موضحاً: «لا ننكر أن في القناعة سعادة، ولكن أن يعيش المرء فقيراً مُعدماً، لن يشعر بالسعادة ولن يشعر بها من حوله». ويختتم: «لا أدعو للجشع على المال، إنما للحصول عليه من أجل تأمين حياة كريمة لصاحبه ولمن هم حوله».
درجة رضا مرتفعة بالحياة
أشارت دراسة علمية، نشرت في يونيو من العام الماضي، إلى أن المال يحقق السعادة شرط أن يتم إنفاقه بحكمة. وبحسب مجلة «نيوزويك» الأميركية، أجرى فريق من الباحثين من جامعة هارفارد استطلاعاً شمل 45 ألف شخص، بينهم أثرياء من الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وهولندا، وسألهم عن عاداتهم في الإنفاق ورضاهم بحياتهم وتعاملهم مع ما يسمونه «المجاعة الزمنية للحياة الحديثة». وخلص إلى أن هؤلاء الذين يعيشون بشعار «الوقت هو المال»، يشعرون فجأة بأنهم لا يملكون ما يكفي منه. إذاً كيف يعالج الإحساس بنقص الوقت الذي يؤدي إلى الضغوط والتوتر وعدم السعادة، وجاءت الإجابة «بالمال». وطرح الباحثون في بداية الاستطلاع سؤالاً على الناس، إذا كانوا يدفعون إلى آخرين للقيام بمهامهم اليومية غير الممتعة مثل الأعمال المنزلية ليتمكنوا من ربح الوقت، فأجاب 28% من المشاركين بأنهم ينفقون في المتوسط نحو 148 دولاراً شهرياً ليشتروا لأنفسهم وقتاً إضافياً، مسجلين مستوى أعلى من الرضا بحياتهم مقارنة بهؤلاء الذين لا ينفقون أموالاً. وسأل الباحثون في الجزء الثاني من الاستطلاع أكثر من 1800 أميركي، إذا كانوا ينفقون المال لشراء وقت حرّ، وجاءت الإجابة متساوية تقريباً بين «نعم» و«لا». بينما أكد الذين ينفقون بين 80 دولاراً و99 دولاراً شهرياً للحصول على وقت حر، على درجة رضا مرتفعة بالحياة.