إشراقة النور 2 أغسطس 2018
ترك الفنان السوداني محمد عوض ألوان «الأكريليك» و«الزيتية» و«المائية» وغيرها جانباً، وابتدع مهمة جديدة لأدوات المكياج، إذ اعتمد على البودرة و«الكونسيلر» و«البيوتي بلندر» في رسومات مدهشة لوجوه النساء، في سابقة فنية فريدة تعكس خيالاً لا مُتناهٍ في الإبداع.
بينما يستخدم الآخرون المكياج في إخفاء العيوب عن الوجوه الحقيقية، فإن البحث عن الجديد والمبتكر قاد الفنان السوداني محمد عوض (25) عاماً، والملقب بين معارفه بـ«دافنشي»، إلى استعمال أدوات المكياج في رسم الوجوه على الورق وإبراز جمالها، دون أن يتخلّى عن هوايته وموهبته الأخرى في تصميم الأزياء.
يقول عن شغفه بالفنون وبداياته: «أحببتُ الرسم من صغري، عشت طفولتي مع الألوان والأوراق، وقضيت أوقات اللعب في تصميم الفساتين لدمى «باربي»، وما إن كبرت حتى قررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، لتتويج حلمي في الاحتراف بهذا المجال».
لا تكمُن قصة محمد الفريدة فقط في طيّات الرسم على الورق بأدوات المكياج وتصاميم الأزياء التي يبتكرها، وإنما أيضاً إصراره على صقل موهبته بالدراسة، إذ لم تكن مسألة التحاقه بالكلية سهلة، بسبب مُعاناته مشاكل طبية في شَبكيّة عينه، لكنه تخطاها بإصراره: «رفضوا طلبي بحجّة عدم لياقتي، لكني دخلت إلى العميد في مكتبه ورسمت لوحة أمام ناظريه فلم يتردد في قبولي، واخترت في العام الثاني من الكلية التخصص في قسم الأزياء، وبين 25 طالبة من دفعتي كنت الرجل الوحيد».
كان محمد يقفز من تحدٍّ إلى آخَر: «لم يكن وجودي في قسم الأزياء مرغوباً فيه، خاصة وسط أسرتي ومجتمعي، لأن التفكير النّمَطي لا يُحبّذ عمل الرجال في هذا المجال، لكنّي واصلت وأثبت وجودي حتى حصلت على شهادة البكالوريوس».
ومنذ تخرجه عام 2014 وحتى عام 2017، أقام محمد أربعة مَعارض باسم سلسلة «حواء - Eve »، لاقت رواجاً كبيراً وجذبت إليه الأنظار، حيث أصبح مُتابعوه في وسائل التواصل الاجتماعي يُحْصَون بالآلاف، خاصة أنه رسم بمكياجه الكثير من وجوه المشاهير: «رسمت مارلين مونرو، والممثلة التركية «توبا بويوكستون»، والفنانة أروى، وبلقيس. لكن احتفاء هيفاء وهبي ومريام فارس برسوماتي، بعمل شير وريتويت لصورتيهما زاد من شهرتي ومن مُعجبي رسوماتي، فتلقيت الكثير من الإشادات، ومن ثم تلقّيت عروضاً عديدة من شركات مكياج ترغب في ترويج منتجاتها عن طريقي».
يلفت محمد إلى أن الوجوه العريضة والمستديرة هي الأسهل عند الرسم بأدوات المكياج من غيرها، ويكون في قمة إبداعه عندما يبتكر رسومات من وحيه: «أجد نفسي منطلقاً عندما أرسم بتلقائية، وحتى عند تنفيذي لوجوه معروفة من الصور، أضع لمساتي التي أراها بخيالي وليست بعيني، أخترق بها حجْب المنظور وأطلق لنفسي العنان في البحث عن جماليات الوجوه فأنا لست آلة نسخ».
ويؤكد أن مساحيق المكياج التي يرسم بها تُعتبر أغلى ثمناً من ألوان الرسم، لكنه يعترف: «في الغالب أنا لا أشتريها، فانا أتحصّل على أنواع مختلفة منها كهدايا من المعجبين بفنوني، ولا يوجد فرق عندي سواء أكانت رخيصة أم غالية، فهي على الورق تعطي النتيجة نفسها».
غياب الوجوه الرجالية في رسومات محمد وموضوعاته له ما يُبرّره، إذ يَعتبر أن المرأة مُلهمته الأولى ومحوراً أساسياً في إبداعاته، يشرح بالقول: «علاقتي الحميمية مع والدتي شكلت لي الخريطة في ذهني عن النساء، فهنّ العاطفة والعطاء وأساس الكون ومن رحمهنّ أتى الرّجُل، وتجذب ريشتي ملامحهن الزاخرة بالحياة والقيَم الإنسانية، الحب والخير والجمال، وهذا يُلهمني، وإن كان المكياج يعطي صورة غير حقيقية للمظهر، فأنا أستنطقه لإبراز الجوهر الجميل».
لا يزال «دافنشي» مُتمسكّاً بحلمه في أن يصبح مُصمّماً مشهوراً في مجال الأزياء، وبقلق إبداعي لا يهدأ، ويختتم قائلاً: «أبحث بين ألوان المكياج عن محطة أخرى لمسيرتي الفنية، إذ يتحتّم عليّ المضي قُدماً للبحث عن ما رغبت فيه حقاً «مصمماً للأزياء»، الذي لطالما أحببته، وشكل عالم طفولتي وشبابي».