لاما عزت 11 يونيو 2018
هو باحث في التاريخ الشفهي للأرشيف الوطني التابع لوزارة شؤون الرئاسة وعضو في لجنة الموروث الشرطي، وحالم بتوثيق التراث الفني الإماراتي بطريقة مشرفة تليق بوطنه، فيظهر للمجتمع على مستوى حجمه. محمد الحوسني، انطلق من هواية تسللت بحماس إلى عروقه، فنبض قلبه بميول إلى فن قديم يعود إلى تاريخ غابر، زخر بأعمال موسيقية وفنية نادرة، فعقد العزم على أن يجمعها على مدار 15 عاماً ويخصص لها مكتبة تراثية، يجد فيها المتعطش إلى هذه الحقبة، تحفاً موسيقية اندثرت وأجهزة تشغيل صوتيات لفها الغبار ومحاها من الذاكرة. في الحوار التالي، يتحدث الحوسني عن الذاكرة الفنية التي يريد أن تعيش أبداً. • كيف بدأت حكايتك مع تجميع الأعمال الفنية القديمة؟ - بدأت بتجميع الأعمال الفنية منذ 15 عاماً، وكنت حينها شغوفاً بالفنون المحلية، أطرب للحن أو لمقطع من أغنية قديمة فأقصد استديوهات التسجيل لأحصل عليها، فلفت انتباهي أن هذه الاستديوهات أو المتاجر المتخصصة في هذا المجال، تغير نشاطها أو تقفل بسبب ظروف مختلفة وأهمها قلة الإقبال عليها، وعندها خطر ببالي أن أجمع الأعمال الفنية المتوافرة وأحفظها بنفسي وعلى طريقتي، كإرث فني محلي يظهر لاحقاً من خلال وزارة الثقافة أو إحدى مؤسساتها. • ما الذي قد يدفع شاباً بعمرك للبحث في التراث الفني؟ - «ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخراً لهذا الوطن وللأجيال القادمة»، - كلمات قالها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولا تزال راسخة في ذهني، ومنها انطلقت لأهتم بتراث بلادي مدفوعاً أيضاً بموهبتي في هذا المجال، لاسيما أنني ملم بمعرفة تاريخ وتفاصيل الأجهزة الفنية مجرد النظر إليها. • ماذا جمعت إلى اليوم، وكيف؟ - جمعت أعمالاً فنية تعود إلى بداية ظهور الفن الإماراتي مع مطلع الخمسينات حتى أوائل التسعينات. كنت أولاً أحصل عليها على أشرطة أو «كاسيت»، فأرسلها إلى مكان متخصص لأحولها إلى مادة رقمية، ومن ثم بدأت أؤرشف بنفسي، وعبر أجهزة تسجيل خاصة حصلت عليها، هذه الأعمال الفنية المسجل بعضها على أسطوانات متنوعة ومختلفة، أو على بكرات أو «ريل» الصوتيات الأصلية، الشبيهة بـ«ريل» الأفلام المعتمدة في السينما. • كم عدد المواد الصوتية التي تملك، ومن هم أهم نجومها؟ - أملك سبعة آلاف مادة صوتية وقد أرشفت بمفردي ثلثها إلى اليوم، وأبرزها هو للفنانين الإماراتيين، محمد عبد السلام، وحارب حسن، وسعيد الشراري، وسعيد سالم، وعلي زيد، والموسيقار عيد الفرح وغيرهم الكثير. ويمكنني القول إن المواد الصوتية العربية والخليجية تتجاوز الـ100 ألف كاسيت، وعدد الأسطوانات الحجرية والبلاستيكية، وأشرطة الكارتريدج (أشرطة كبيرة بحجم كف اليد) التي استخدمت من السبعينات إلى الثمانيات، يصل إلى الآلاف، بالإضافة إلى عدد كبير من بكرات الريل التي تعتبر أصول الماستر أو القوالب التي كانت تسجل عليها المادة الصوتية. كما أملك عملاً فنياً أجنبياً مسجلاً على أسطوانة «أم غلاس» أو «أم الكباية»، وقد سُمّيت كذلك لأنها تشبه الكوب تماماً. • ألا تخشى على مقتنياتك الفنية هذه من التلف؟ - في الحقيقة أخاف، وأعاني بحق من إيجاد المكان المناسب لتخزين مقتنياتي الغالية. حالياً أملك مخزنين مكيفين لحفظها بعيداً عن الرطوبة والأمطار، وهو أكثر ما أستطيع فعله، لأنني لا أملك القدرة المادية على إنجاز أكثر مما أنجزته إلى اليوم بمجهودي الشخصي. • أي قطعة فنية هي الأعزّ على قلبك بين ما تملكه من أعمال فنية؟ - أسطوانة مديح في الشيخ حمدان بن زايد الأول (وهو الشيخ زايد بن خليفة بن شخبوط آل نهيان (1836-1909) الذي حكم أبوظبي في عام 1855، وهي قصيدة طويلة قالها الشاعر العماني محمد بن شيخان السالمي في عام 1914، وكان الرعيل القديم حفظ سطورها. سُجلت هذه القصيدة على أسطوانة في أوائل الستينات بصوت فضيلة الشيخ أحمد بن حافظ. • هل سُجلت جميع الأعمال الفنية العائدة إلى فنانين إماراتيين محلياً؟ - هناك تسجيلات محلية نفذتها استديوهات معروفة في الإمارات، كما هناك أعمال أخرى كثيرة تم تسجيلها في أرجاء الوطن العربي مثل، مصر ولبنان والبحرين والكويت والعراق، وأيضاً الهند. إرث فني غال • لا بد وأنك وجدت صعوبة في جمع مثل هذه الأعمال الفنية القديمة، فكيف تم ذلك؟ - من الصعب جداً الوصول إلى هذه الأعمال الفنية، لذا اختصرت المسافة وعدت إلى مؤسسيها وأصحاب الإنتاج وجميع الذين عملوا في هذا الحقل قبل ظهور الإعلام. ولا أخفيكم أنني سعيت وراء مخزن يضم إرثاً فنياً كبيراً طيلة تسعة أعوام لأحصل على ما عنده، بالإضافة إلى رحلة طويلة ومستمرة في البحث والتقصّي في جميع أنحاء الدولة وخارجها، وصولاً إلى القارة الأميركية. وقد سافرت شخصياً لأكثر من بلد للحصول على أعمال فنية معينة، أو شحنت غيرها ودفعت الكثير لتشحن بطريقة سليمة ولا تتعرض للتلف. • أتفكر في بيع هذا الإرث الفني؟ - أبداً لا أبيعه بكنوز الدنيا، فأنا أعتبر هذه الأعمال الفنية تُحفاً نادرة أملكها ويستحيل أن أفرط فيها. هدفي الأوحد هو أن أفرزها كلها وأؤرشفها وأعرضها في مكان يليق بها ويكون متاحاً للجميع، كأن تتبناها جهة ثقافية وتؤسس لها متحفاً فنياً وطنياً. أجدني مصرّاً على توثيق الفن الإماراتي الأصيل لإيماني بأنه جزء لا يتجزأ من حضارة الإمارات.