#منوعات
غانيا عزام السبت 8 مارس 11:45
يضم متحف زايد الوطني، وهو المتحف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، مجموعة استثنائية مذهلة من المجوهرات، التي تعكس التاريخ العميق، والحرفية، والأهمية الثقافية للزينة في المنطقة. وتعتبر - بالتالي - نافذة على تراث الإمارات، على مر العصور، بدءاً من العصر الحجري الحديث، وصولاً إلى العصر الحديث. وتروي هذه المجوهرات قصة التطور الثقافي للدولة، فكل قطعة منها تلقي نظرة ثاقبة على حياة الذين ارتدوها؛ ما يمنح الزوار فهماً أعمق للتراث الفني الغني، والتقاليد الدائمة في المنطقة. الأمينة المشاركة في متحف زايد الوطني، مي المنصوري، تلعب دوراً رئيسياً في التعامل مع القطع الأثرية، وتسجيلها، واقتنائها؛ بفضل شغفها العميق بالحفاظ على تاريخ الإمارات الغني، وتفسيره. وتتعمق المنصوري في البحث التنظيمي، وتصوير المجموعات، وتطوير المعارض. ومنذ انضمامها إلى قسم التنسيق في المتحف عام 2021، كانت لها مساهمات بارزة في مشاريع عدة.. نحاور مي المنصوري؛ لمزيدٍ من التفاصيل حول هذه الكنوز، التي يحافظ عليها المتحف، وأمناؤه، للأجيال القادمة:
-
«لؤلؤة أبوظبي»/ جزيرة مروح، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة/ 5600-5800 قبل الميلاد/ لؤلؤ طبيعي/ دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي
عبر العصور.. حدثينا عن الأهمية التاريخية للمجوهرات في دولة الإمارات؟
للمجوهرات في دولة الإمارات أهمية تاريخية عميقة وممتدة، فتعكس الحرف اليدوية، التي أتقن بها الأجداد صنع قطع متنوعة، مثل: الخواتم، والقلائد، ودبابيس الشعر، وأساور الكاحل، إضافة إلى الحُلي المصنوعة من الخرز، التي تُرتدى على الجسم. هذه القطع لم تكن مجرد زينة، بل عدسة محورية، تتيح لنا فهم المجتمعات وحياتها في الفترات الزمنية المختلفة. إن أقدم قطع المجوهرات التي عُثر عليها في دولة الإمارات تعود إلى العصر الحجري الحديث، بين 8000، و3000 قبل الميلاد، ما يدل على عمق جذور هذه الحرفة في تاريخ المنطقة. كما أن دراسة هذه القطع الأثرية تسلط الضوء على المواد التي كانت متاحة آنذاك، والتقنيات التي استخدمت في تصنيعها، وتفتح نافذة على تفاصيل الحياة اليومية لأبنائها، ومعتقداتهم، وعاداتهم. وبالتالي، تمثل المجوهرات أكثر من مجرد مظهر جمالي؛ فهي شاهد على تطور الثقافة الإماراتية وازدهارها، وتروي قصصاً عن الإبداع والتنوع اللذين ميزا تاريخ هذه الأرض.
دلالة تاريخية
تخبرنا المجوهرات بعادات المجتمعات الإماراتية، التي صنعتها أو ارتدتها.. كيف ذلك؟
تقدم المجوهرات، التي تم اكتشافها في المواقع الأثرية - خاصة في «مواقع الدفن»، التي لم يتم العبث بها - نافذة فريدة على العادات الاجتماعية والاقتصادية والدينية للمجتمعات الإماراتية القديمة. فمن خلال هذه القطع، نطلع ليس فقط على قطع المجوهرات المختلفة التي كان الناس يرتدونها يومياً، بل أيضاً على درجة احترامهم، وتقديرهم للموتى، ويظهر ذلك جلياً في طريقة وضع المجوهرات بالمدافن. في السنوات الأخيرة، أصبح استخدام المجوهرات شائعاً في الاحتفالات، مثل: حفلات الزفاف، والاحتفالات الوطنية، والدينية، و«التومينة» وهي احتفال يُقام عند إتمام الفتيات الصغيرات حفظ القرآن الكريم. وترتدي الفتيات، خلال هذا الاحتفال، أزياء تقليدية مع تسريحة شعر مميزة، تُعرف بـ«الشونقي»، ويتزينَّ بالمجوهرات.
-
قلادة من العقيق الأحمر من جنوب آسيا/ هيلي، العين، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة 2500 - 1000 ق.م./ دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي
ما المواد المستخدمة تقليدياً في صناعة المجوهرات بالإمارات، وما دلالة ذلك على تجارة المنطقة ومواردها؟
صناعة المجوهرات في الإمارات تحمل إرثاً تاريخياً، يعكس قدرة السكان على الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة. ففي العصر البرونزي، توسعت التجارة عبر الخليج العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي؛ ما أتاح الحصول على مواد فريدة، مثل خرز العقيق الأحمر المستورد من الهند. وهذه الفترة شهدت، أيضاً، بروز النحاس مصدراً رئيسياً للإمارات، حيث استُخرج من جبال الحجر، واستخدم في الحرف اليدوية. ومع ذلك، أدى انهيار الروابط التجارية، حوالي 2000 قبل الميلاد، إلى ظهور تصاميم جديدة، واستخدام المواد المحلية بطرق مبتكرة. أما العصر الحديدي، فقد كشف عن تطورات مهمة كاستخدام الذهب، وزخارف الأصداف المصنوعة بدقة؛ ما عكس التحولات السريعة في الاقتصاد والثقافة والمجتمع. إن هذه الحرفة لم تكن مجرد زينة؛ بل شكلت جزءاً من هوية المنطقة، وروحها التجارية التي أثرت في علاقاتها مع الحضارات المجاورة.
هل هناك رموز أو زخارف معينة شاع استخدامها في صنع المجوهرات الإماراتية التقليدية، وما المعاني التي حملتها؟
تُظهر الاكتشافات الأثرية، في الإمارات، تطور تصاميم المجوهرات عبر العصور، فالقطع القديمة تحمل رموزاً وزخارف ذات معانٍ ثقافية عميقة. فمنذ حقبة «أم النار»، ظهرت تصاميم تحمل نقوشاً لحيوانات، مثل قلائد الحيوانات التي تعد من أكثر العناصر الزخرفية تفرداً، خاصة خلال بداية الألفية الثانية قبل الميلاد. كما أن استخدام مواد نادرة وتصاميم متقنة، في هذه القلائد، يشير إلى قيمتها الثقافية. ويبرز في هذه التصاميم «مفهوم الثنائية»، الذي بدأ بالظهور مع نهاية حقبة «أم النار»، كما هو واضح في «مقبرة هيلي الكبرى». هذه الثنائية، التي يمكن أن ترمز إلى الحياة والموت، كانت حاضرة في القلائد، التي وُجدت داخل المدافن؛ ما يشير إلى وجود معانٍ رمزية عميقة، متصلة بالحياة التقليدية في الإمارات. ورغم صعوبة الجزم بتفسير معين، إلا أن فكرة الازدواجية كانت ذات دلالة قوية وحاضرة في الثقافة المحلية آنذاك.
-
قلادة على شكل حيوانات/ القطارة، العين، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة/ إلكتروم/ دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي
ما أبرز قطع المجوهرات الموجودة في «مجموعة المتحف»، وما الذي يميزها؟
تضم مجموعة متحف زايد الوطني تشكيلة واسعة ومذهلة من المجوهرات، التي تغطي فترات زمنية مختلفة، بدءاً من العصر الحجري الحديث، وصولاً إلى العصر الحديث. وتتميز هذه المجموعة بتنوعها، وارتباطها بثقافة المنطقة، وتاريخها العريق. ولدينا أمثلة رائعة من المجوهرات التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، والعصر الحديدي، بالإضافة إلى قطع فضية مميزة من ثلاثينيات القرن العشرين. ومن بين أبرز القطع، التي نفخر بوجودها في مجموعتنا «لؤلؤة أبوظبي»، وهي من أقدم اللآلئ الطبيعية في العالم، وتُعد قطعة استثنائية بكل المقاييس.
تقنيات قديمة
هل هناك قطع تم اكتشافها، خلال التنقيبات الأثرية الحديثة في دولة الإمارات؟
التنقيبات الأثرية مستمرة في دولة الإمارات منذ عام 1959، وجميع مجوهراتنا القديمة، من العصر الحجري إلى العصر الحديدي، تأتي من مواقع التنقيب المنتشرة في أنحاء الإمارات.
ماذا عن تقنيات صناعة المجوهرات القديمة، التي تظهر في «مجموعة المتحف»؟
تغطي المجوهرات الموجودة في مجموعة متحف زايد الوطني تقنيات عدة؛ ما يُبرز الابتكار والمهارة اللذين تميز بهما أسلافنا. فقد كانت المجوهرات تتكون من الخرز، والمعلقات المصنوعة من الحجارة، والعظام، واللؤلؤ، والأصداف. وغالباً، تم حفر هذه العناصر أو نحتها يدوياً؛ لصنع ثقوب لربطها بالقلائد أو الأساور. كما تم استخدام أدوات، مثل: شفرات الصوان، أو القطع المدببة للحفر. كانت الأصداف وأسنان القرش تستخدم عادة للزينة، وكان يتم ثقبها؛ لتربط مع مواد كالألياف النباتية، أو لتستخدم كقطع فردية في المجوهرات. أما في العصر البرونزي/ الحديدي، فكانت المجوهرات تُصنع باستخدام تقنيات العمل المعدنية، مثل: الصب، والطرق، والتحبيب. وكانت المجوهرات المصنوعة من الحديد، أو الذهب، أو الفضة، أبسط في البداية، وبمرور الوقت قام الحرفيون بتطوير أساليبهم؛ لتشمل: المينا الملون، والأنماط المعقدة، والأحجار الكريمة.
-
طبلة (قلادة) الإمارات العربية المتحدة، ثلاثينيات القرن العشرين/ خلائط النحاس، وخلائط الفضة، وأحجار الفيروز الكريمة/ إهداء من عفراء المنصوري/ دائرة ش والسياحة – أبوظبي، مقتنيات متحف زايد الوطني
كيف يتم عرض «المجموعة» أمام الزوار؟
في متحف زايد الوطني، تتبع قاعات العرض سرداً متسلسلاً، يعكس التاريخ البشري، الذي يمتد منذ 300 ألف عام، وحتى العصر الحديث. وسيُعرض العديد من قطع المجوهرات القديمة في صالات عرض المتحف، ومنها صالة «إلى أسلافنا»، التي تستكشف الأدلة على النشاط البشري، والتجارة المبكرة مع المجتمعات الأخرى في منطقة الخليج العربي. وأيضاً في صالة «ضمن روابطنا»، التي ستعرض الآفاق الواسعة لشعب الإمارات قديماً، وتأثير التقنيات والمواد والمعارف الجديدة، التي ساهمت في تطور اللغة العربية، وانتشار الإسلام. أما القطع الحديثة، فسيتم عرضها في صالة «من جذورنا»، التي تواصل استكشاف الهوية الإماراتية، عبر البحث في نمط الحياة التقليدية، والعادات، والممارسات الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت سائدة في المناطق الداخلية على أرض الإمارات.
-
حيول (أساور)/ العين، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة أربعينيات القرن العشرين/ فضة إهداء من عائشة الدرعي دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، مقتنيات متحف زايد الوطني.
ما التحديات التي تواجهكم في الحفاظ على هذه القطع الأثرية للأجيال؟
الحفاظ على القطع الأثرية الحساسة، في مجموعة متحف زايد الوطني، يشكل تحدياً كبيراً، يتطلب منها التزاماً واهتماماً خاصين. بالنسبة لأقدم قطع المجوهرات، مثل تلك التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، والعصر الحديدي، فإن الأدلة الأثرية، غالباً، تقتصر على المواد التي تمكنت من الصمود عبر الزمن، مثل: الصدف، والمعادن، والأحجار. وتتطلب عملية الحفاظ عليها إجراءات وتدابير خاصة؛ لضمان عدم تأثرها بعوامل الزمن والبيئة، والقطع الحديثة تتطلب المعاملة نفسها، التي تخصص للمجوهرات القديمة. ويكرس فريق أمناء «المتحف» جهوده للحفاظ على هذه القطع النادرة، ليس فقط من أجل البحث في تاريخنا ومجتمعنا، ولكن أيضاً لإلهام الأجيال، وتوفير تجربة استثنائية للاستمتاع بها؛ فهدفنا هو ضمان بقاء هذه الكنوز شاهدةً على غنى تراثنا الثقافي، والتاريخي.