يتطور السفر الفاخر؛ ليصبح أكثر ارتباطاً بالشعور بالفخامة والروعة، وإيجاد معايير جديدة أكثر من مجرد الذهاب في رحلة.. ومن عامٍ إلى عام، تظهر اتجاهاتٌ جديدة. ويركز الناس على الكيفية التي يريدون الشعور بها أثناء الرحلة، مع الشعور بالرهبة والدهشة في الطبيعة كمصدر إلهام رئيسي، بدلاً من التحقق من العناصر أثناء الرحلة، وينطبق هذا على المسافرين المنفردين، أو الأزواج، أو حتى أجيال متعددة من العائلات، التي تجتمع معاً للسفر التراثي، وهو ذكريات يمكن الاستمتاع بها، وتوريثها.
هنا، نرصد قائمةً بأكبر اتجاهات السفر الفاخر في الأفق لعام 2025.
السفر المنفرد للنساء:
النساء، حالياً، يشكلن نسبة 71% من المسافرين المنفردين، ولم يعد الأمر مُقتصراً على الترفيه، بل تعداه إلى البحث عن تجارب مُثرية، تُساهم في النمو الشخصي، والتطوير الذاتي. وتتنوع دوافع هذه الشريحة من المسافرات، من الرحلات الاستكشافية والمغامرة، إلى برامج العافية المُصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجاتهن، لتُمكنهن من اكتساب مهارات ومعارف قابلة للتطبيق في مجتمعاتهن. وقد بدأت الشركات السياحية تستجيب لهذا الطلب المُتزايد، حيث أطلقت «شبكة السفر السويسرية» (A Small World) شركة «Solo Cruise Company»، التي تستهدف النساء فوق سن الـ55 عاماً. كما تُخطط شركة «Intrepid Travel» لإطلاق أولى رحلاتها النسائية إلى المملكة العربية السعودية أواخر عام 2024، بالتعاون مع مُشغّل محلي مملوك لسيدات، وستتضمن هذه الرحلات تجارب فريدة كزيارة منازل سعوديات، والاستمتاع بالشواطئ المُخصصة للنساء فقط. ويُشير هذا التوجه إلى تحوّل مفهوم السفر لدى النساء، حيث أصبح أداة للتمكين والاكتشاف الذاتي، مدعومة بتوفّر عروض وخدمات مُتخصصة، تلبي احتياجات هذه الشريحة المُتنامية.
الرحلات البحرية تكتسب زخماً أكبر:
يسجل قطاع الرحلات البحرية (Cruising) نمواً كبيراً، يفوق أي قطاع آخر في سوق السفر الفاخر. فبعد أن شهد قطاع الفنادق انتعاشاً كبيراً في أعقاب «الجائحة»، برزت الرحلات البحرية هذا العام كأحد أقوى محركات النمو في صناعة السفر، مدفوعةً بخطوط بحرية جديدة، وسفن حديثة ومسارات رحلات مبتكرة. وتُظهر الإحصاءات نمواً مذهلاً في مختلف أنواع الرحلات البحرية، حيث ارتفعت رحلات اليخوت الفاخرة بنسبة 52%، مقارنة بعام 2023، تلتها الرحلات النهرية بنسبة 23%، ثم الرحلات الاستكشافية بنسبة 19%. وأخيراً، الرحلات البحرية في المحيطات بنسبة 15%. ويقدّم هذا القطاع تجارب سفر مُتنوعة، تُرضي كافة الأذواق، من مطاردة الشفق القطبي في المناطق القطبية، إلى زيارة مزارع اللؤلؤ النائية في الجزر الاستوائية، مُؤكداً، بذلك، مكانته كخيار مفضّل للمسافرين الباحثين عن الرفاهية والتجارب الفريدة.
العطلات الصيفية الباردة.. أحدث صيحات الصيف:
ارتفاع درجة الحرارة، في وجهات البحر الأبيض المتوسط التقليدية، كإيطاليا واليونان وجنوب فرنسا، يعيد تشكيل خارطة السياحة الفاخرة، إذ يؤدي المناخ الحار إلى توجه المسافرين المترفين (Luxury Travelers) نحو وجهات بديلة ذات مناخ مُعتدل، بحثاً عن تجارب صيفية أكثر راحة، وانتعاشاً.
وقد برزت الوجهات الإسكندنافية بقوة كخيار مفضل، حيث سجلت زيادة ملحوظة في الحجوزات بلغت 25%، مقارنة بالصيف الماضي. وشهدت بعض الدول الإسكندنافية نمواً استثنائياً، مثل النرويج التي سجلت ارتفاعاً هائلاً بنسبة 89%، والسويد بنسبة 17%. كما جذبت كندا، أيضاً، أعداداً كبيرة من المسافرين، مُسجلةً زيادة قدرها 40%. ويرجح الخبراء استمرار هذا المنحنى التصاعدي في السنوات القادمة، حيث تعتبر التجارب الخارجية، التي تركّز على المغامرة والانغماس في الطبيعة الخلابة (Immersive Nature Experiences) من أهم محفزات السفر لدى هذه الشريحة من المسافرين.
الخروج من فخ السياحة المفرطة:
يشهد قطاع السفر تحولاً ملحوظاً، مدفوعاً بعوامل متعددة، تتجاوز مجرد التغيرات المناخية. فإلى جانب تأثير المناخ على مسارات الرحلات، يتنامى وعي المسافرين بتداعيات السياحة المفرطة (Overtourism)، التي باتت تُثقل كاهل وجهات شهيرة كإيطاليا، مُخلّفةً ازدحاماً خانقاً، وارتفاعاً جنونياً في الأسعار. هذا الواقع يدفع شريحة المسافرين المميزين، الذين يُقدّرون التجارب الحصرية والقيمة المُضافة، إلى البحث عن بدائل جذابة، تُقدّم لهم تجربة سفر راقية بتكلفة مُناسبة. ولم يعد الهدف مجرد زيارة وجهة مُعيّنة، بل الانغماس في تجربة أصيلة ومُثرية، بعيداً عن صخب الحشود. فبدلاً من الاكتفاء بإيطاليا، تتجه أنظار هؤلاء المسافرين إلى وجهات أوروبية واعدة، تُنافسها جمالاً وتاريخاً، ولا تزال تحتفظ بسحرها وهدوئها، مثل: البرتغال، وكرواتيا، وسلوفينيا.
مجال «الصحة والعافية» يعيد تعريف نفسه:
يشهد قطاع السياحة الفاخرة نمواً متسارعاً في مجال «الصحة والعافية» (Wellness Tourism)، حيث يُقدّر معدل النمو السنوي بأكثر من 16%، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة هذه الصناعة تريليونَيْ دولار بحلول عام 2027.
ولم يعد السفر الفاخر مجرد رفاهية، بل تحوّل إلى رحلة استشفاء، وتجديد للذات. وتتنافس المنتجعات الفاخرة في تقديم «تجارب استثنائية» (Beyond the Ordinary)، من علاجات مُستوحاة من الطب القديم، إلى برامج مُتخصصة مثل «Mindful Dream»؛ لتحسين جودة النوم.
ويعبّر المسافرون، اليوم، عن رغبة متزايدة في الهروب من ضغوط الحياة المعاصرة، والبحث عن ملاذات توفّر لهم الهدوء والاسترخاء والتواصل مع الذات. لذا، تركّز المنتجعات على توفير برامج عافية مصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم، لتقدّم تجارب فريدة تعيد التوازن إلى حياتهم.