#ديكور
غانيا عزام 17 أكتوبر 2024
هيا ماهر راشد، مهندسة عمارة سورية - تركية، تخرجت في إحدى جامعات تركيا بالمرتبة الأولى، وبدأت حياتها العملية في تركيا، فشاركت في العديد من المشاريع، منها مشروع مجمع سكني ضخم، يحوي 7 بلوكات سكنية، إضافة إلى الديكور الداخلي للعديد من الشقق والمكاتب. وفي عام 2021، انتقلت للعمل في دبي، وشاركت في تصميم الواجهات الخارجية لأبراج وفلل ومشاريع تجارية، وتخصصت في التصميم الداخلي، وتضمنت أعمالها فللاً سكنية، إضافة إلى المشاريع التجارية، وتقديم استشارات التأثيث إلى العديد من العملاء حول العالم، في دول منها: كندا وألمانيا وتركيا ودول الخليج العربي.. نحاورها؛ لتُطلعنا على أساليب واتجاهات التصميم والعمارة الحديثة:
ما الذي ألهمك اختيار مهنة الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي؟
من بين الأمور، التي ألهمتني اختيار مهنة العمارة والتصميم الداخلي، العلاقة العميقة بين المساحة والإنسان، والقدرة على إنشاء بيئات توفر الجمال والراحة، وتحسن جودة الحياة، ونفسية المستخدمين. فرؤية تأثير تصاميمي في المستخدمين تلهمني متابعة العمل والابتكار فيه. إضافة إلى ذلك، تلهمني الطبيعة باستمرار، وأستمتع بالبحث عن طرق لدمج الأشكال والخامات الطبيعية في التصاميم الحديثة. كذلك، التكنولوجيا المتطورة تثير فضولي أيضاً، سواء باستخدام تقنيات بناء جديدة، أو مواد مبتكرة تتيح مرونة أكبر في التصميم.
كيف أثرت سوريا وتركيا في أسلوبك بالتصميم؟
تأثير سوريا وتركيا في أسلوبي بالتصميم يأتي من تاريخهما الغني، وثقافتهما المتنوعة؛ فكلا البلدين يمتلك تراثاً معمارياً رائعاً، يجمع بين العناصر التاريخية والجمالية الفريدة؛ فيلهمني باستمرار في أعمالي، وأبرز ما يلهمني: البيت الدمشقي، والزخارف، والأقواس الإسلامية، والمشربيات.
بين الجمال والوظيفية
ما التحديات الرئيسية، التي واجهتك عند بدء حياتك المهنية في تركيا، وبعد الانتقال إلى دبي؟
لكل بلد طابع خاص، وطراز تصميمي مختلف؛ بسبب طبيعة السكان، والمناخ، والتاريخ، والعادات والتقاليد، والبيئة الاقتصادية. تتمتع تركيا بتراث معماري غني، يعكس تاريخاً طويلاً من الحضارات المختلفة؛ والتحدي الأكبر في تركيا هو قدرة الحفاظ على هذه الهوية، وتحقيق التوازن بين التصاميم الحديثة والهوية المعمارية التقليدية. أما في الإمارات والخليج العربي عامة، فيجب على المهندسين المعماريين تصميم مبانٍ مقاومة للحرارة، تستوعب ظروف المناخ الصحراوي، وهذا يتطلب تقنيات تبريد سلبية، ومواد بناء متقدمة، وزجاجاً عازلاً. كما تسعى دولة الإمارات إلى أن تكون في طليعة الابتكار المعماري؛ ما يوجب على المهندسين المعماريين مواكبة التطورات التكنولوجية المعمارية، والتصاميم، ومواد البناء. كذلك، يتطلب تعدد الثقافات في الإمارات مرونة في التفكير والتصميم؛ لاستيعاب احتياجات وتوقعات العملاء المختلفين، محليين أو دوليين.
تجمع تصاميمك بين الجمال والوظيفية.. كيف توازنين بين هذين الجانبين؟
البساطة، غالباً، تحقق توازناً مثالياً بين الجمال والوظيفية؛ فالتصاميم البسيطة تتيح للمستخدم التفاعل بشكل طبيعي مع الفضاء، وتقلل العناصر التي قد تمنع الاستخدام العملي لهذه التصاميم؛ لذلك، حتى في التصاميم الكلاسيكية، أحرص على استخدام أثاث أقرب إلى الحديث والبسيط؛ ليكون عملياً وبعيداً عن البهرجة. كما أحرص، كذلك، على أن يكون التصميم مريحاً وجذاباً في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتداخل تصميم النوافذ الكبيرة لإدخال الإضاءة الطبيعية مع الجمال البصري، ويخدم وظيفة تحسين بيئة العمل أو المعيشة.
ما العناصر الرئيسية، التي تعطينها الأولوية عند بدء مشروع جديد؟
أهم هذه العناصر احتياجات المستخدم، والتكلفة المرصودة للمشروع؛ لأحقق توازناً مثالياً بينها، إضافة إلى الجانبين الجمالي والإبداعي.
حداثة.. وكلاسيكية
كيف تدمجين الاتجاهات الحديثة في الديكور والأثاث والإكسسوارات بمبادئ التصميم الخالدة؟
أولاً، أبدأ بتأسيس التصميم حول عناصر كلاسيكية، مثل: التخطيط الجيد للمساحة، والمواد الطبيعية، والألوان المحايدة؛ فهذه العناصر تمنح التصميم قاعدة قوية وطويلة الأمد، وتسمح للاتجاهات الحديثة بالاندماج دون التأثير في أساسيات المشروع. ثانياً، أضيف الاتجاهات الحديثة من خلال التفاصيل؛ فبدلاً من إعادة تصميم المساحة بالكامل، أستخدم الاتجاهات الحديثة في الأثاث والإكسسوارات، مثل: الوسائد، والإضاءة، والقطع الفنية. ويمكن تغيير هذه العناصر مع مرور الوقت، ما يتيح تحديداً مستمراً، دون التأثير في الجوهر التصميمي. وأخيراً، أستلهم من الاتجاهات الكلاسيكية، وغالباً تكون الاتجاهات الحديثة مستوحاة من تصاميم كلاسيكية. على سبيل المثال، يمكن دمج أسلوب «الميد سينتشري مودرن» بعناصر حديثة؛ لإضفاء طابع عصري، تبقى جذوره في تصاميم خالدة.
كيف تضمنين أن تعكس تصاميمك شخصية عملائك؟
لضمان أن تعكس تصاميمي شخصية العملاء؛ أتبنى نهجاً يعتمد على فهم عميق لاحتياجاتهم، وأسلوب حياتهم، وتفضيلاتهم الجمالية. وهناك خطوات عدة أتبعها؛ لتحقيق ذلك، منها: التواصل المفتوح والمستمر، والاستماع للتفاصيل الدقيقة، ومراعاة الاحتياجات، وتقديم اقتراحات تعكس شخصيتهم أحياناً، فقد لا تكون لدى العميل رؤية واضحة؛ لذلك أقدم اقتراحات مبنية على معرفتي به بعد الجلسات الأولى. فمثلاً إذا كان العميل يحب السفر، فقد أقترح دمج قطع ديكور، مستوحاة من ثقافات مختلفة.
اتجاهات مستقبلية
ما أهم اتجاهات الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي، التي يتوقع لها أن تتصدر مستقبلاً؟
هناك اتجاهات عدة مهمة في الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي، يتوقع أن تؤثر - بشكل كبير - في هذه الصناعة، خاصة في الإمارات والخليج العربي، أهمها: الاستدامة البيئية باعتماد: أولاً: المباني الخضراء، فهناك اهتمام متزايد بتصميم مبانٍ صديقة للبيئة، تستخدم تقنيات توفر الطاقة والمياه؛ فالمباني التي تحقق تصنيف (LEED)، أو تتبع مبادئ الاستدامة البيئية ستكون أكثر طلباً. ثانياً: استخدام المواد المعاد تدويرها، فالمواد المستدامة والمعاد تدويرها ستصبح أكثر شيوعاً في التصميم الداخلي، ما يساهم في تقليل البصمة البيئية. ثالثاً: المرونة والتكيف، فالمساحات القابلة للتعديل والتكيف مع احتياجات المستخدمين المتغيرة ستكون أكثر أهمية، خاصة في الأماكن العامة، والمنازل. فالحدائق في دولة الإمارات بدأت استخدام المظلات المتكيفة الديناميكية، التي تتحرك وفقاً لحركة الشمس، كما بدأت الواجهات الديناميكية في الظهور. رابعاً: العودة إلى البساطة، فالتصاميم التي تركز على البساطة والتصميم الوظيفي ستظل محط اهتمام، فهي تعكس فلسفة «الأقل هو الأكثر»، وتوفر بيئة مريحة، وخالية من الفوضى.
كيف ترين تطور تكامل التصميم الداخلي والخارجي، خاصة مع تركيزك على تصميم الحدائق؟
هنالك أساليب عدة، أحرص - من خلالها - على تحقيق التكامل بين الداخل والخارج، هي: التدفق السلس بين المساحات، عن طريق استخدام تصاميم مفتوحة، تتيح انتقالاً سلساً بين المساحات الداخلية والخارجية، ومنها: الأبواب الزجاجية القابلة للطيّ، والنوافذ الكبيرة التي توفر رؤية واضحة للحدائق من الداخل. ودمج الحدائق الداخلية، مثل: الحدائق العمودية، والأحواض النباتية، في التصميم الداخلي؛ فهو يحقق انتقالاً سلساً بين الداخل والخارج، ويعزز الشعور بالطبيعة؛ فالجمع بين العناصر المائية في تصميم الحدائق يمكن أن يصنع تأثيراً مهدئاً ومتكاملاً مع المساحات الداخلية؛ ويمكن كذلك استخدام الأصوات للبرك والشلالات؛ لتعزيز تجربة الاسترخاء في الداخل. والتأثيث المتكامل، باختيار الأثاث الخارجي الذي يعكس تصميم الأثاث الداخلي، كاستخدام الألوان أو الأساليب نفسها، يمنح انسجاماً بين الفضاءين. وأخيراً، الإضاءة المتكاملة، وتكون بتطبيق أنظمة الإضاءة، التي تبرز المساحات الخارجية ليلاً، مثل: الإضاءة المنخفضة على مسارات الحدائق، أو الإضاءة القوية للمناطق المخصصة للجلوس.. هذه الأساليب كلها تساهم في تحسين التجربة البصرية، والتكامل بين التصميمين.
كيف تستفيدين من أدوات وتقنيات التصميم المتقدمة والتكنولوجيا، في إضفاء الحيوية على أفكارك؟
أستخدم برامج النمذجة ثلاثية الأبعاد؛ لتصور التصاميم بدقة، فهي تساعد في فهم كيفية تفاعل العناصر المختلفة معاً، وتوقع الشكل النهائي للمشروع. كذلك، أستخدم برامج، مثل: «V-Ray، وLumion، وcorona»، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)؛ لإنشاء تصورات بصرية واقعية للتصاميم، ما يساعد العميل على تخيل التصميم قبل تنفيذه، والتخطيط للمواد، والتشطيبات.
تصميم مستدام
ما الدور الذي تلعبه الاستدامة في تصاميمك، خاصة أنك تعملين بمناطق مختلفة؟
الاستدامة تلعب دوراً محورياً في تصاميمي، خاصةً عند العمل بمناطق مختلفة المناخ، والاحتياجات. فالاستدامة ليست فقط من مبادئ التصميم الحديث، لكنها ضرورية لتحقيق تأثير إيجابي طويل الأمد في البيئة والمجتمع. في التصميم الداخلي: أدمج تقنيات تصميم تقلل استهلاك الطاقة، ومنها: النوافذ ذات العزل الجيد، والإضاءة الطبيعية، وأنظمة التدفئة والتبريد الفعالة. كما أعتمد على الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية؛ لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية. وأحرص، كذلك، على أن تكون المباني متكيفة مع الظروف المناخية المحلية، باستخدام التقنيات المناسبة للتهوية والظل في المناطق الحارة، أو استخدام الأسطح العازلة في المناطق الباردة. وفي المناطق الساحلية، أراعي تأثير الرطوبة؛ فأستخدم المواد المقاومة للتآكل. بينما في المناطق الجافة، أركز على تقنيات توفير الماء. أما في تصميم الحدائق؛ فأدمج عناصر التصميم المستدام بتصميم الحدائق، باستخدام النباتات المحلية، والأنظمة الطبيعية للري، ما يعزز الاستدامة البيئية، ويجعل المساحات الخارجية أكثر توافقاً مع البيئة. كما أحرص على إضافة مظلات ديناميكية متكيفة مع حركة الشمس، في أماكن الجلوس ومواقف السيارات؛ لتوفير التظليل المناسب، وتخزين الطاقة الشمسية؛ لتحويلها إلى طاقة كهربائية، يمكن الاستفادة منها في عناصر الإضاءة الخارجية.
ما نصيحتك للمهندسين المعماريين، ومصممي الديكور الداخلي؟
أقول لكل مهندس معماري، ومصمم ديكور داخلي: في كل تصميم اسأل نفسك: ماذا أحتاج لأعيش براحة في هذا التصميم؟.. ومن هنا انطلق للتصميم؛ متخيلاً نفسك تعيش في هذا الفراغ. وحافظ على شغفك واهتمامك بالتصميم؛ فالاستمتاع بما تفعله يعزز إبداعك، ويساعد في تحقيق نتائج مميزة. ولا تتردد في الخروج عن المألوف، والتفكير خارج الصندوق. وتذكر، دائماً، أن التفاصيل الصغيرة تصنع فرقاً كبيراً، وتمنح بصمة تميزك عن المصممين الآخرين.