#تكنولوجيا
كارمن العسيلي 14 سبتمبر 2024
هل تساءلت يومًا عن سر تقدم الأمم وتطورها؟.. الجواب يكمن في التعليم، ذلك الكنز الذي يفتح أبواب المستقبل، ويطلق العنان للإبداع والابتكار. ومع تزايد التحديات العالمية، أصبح التعليم أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويعتبر حجر الأساس لبناء مجتمعات عادلة ومتساوية ومتقدمة. ولهذه الأسباب، خصصت الأمم المتحدة هدفًا كاملًا، ضمن أهداف التنمية المستدامة الـ17، وهو الهدف الرابع، الذي يركز على ضمان التعليم الجيد منصفًا وشاملًا للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة. وفي هذا المجال تحديداً، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة قفزات نوعية، ما جعلها تحتل عام 2021 المركز الأول عالمياً، في 3 من المؤشرات المرتبطة بالهدف الرابع، هي: الالتحاق بالتعليم الابتدائي، الإلمام بالقراءة والكتابة، وانتقال الطلبة الدوليين.
وقبل التحدث عن إسهام الإمارات في دعم التعليم، وتوفير حق التعليم للجميع على أراضيها؛ لا بد أولاً من معرفة الأهداف المرتبطة بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.
أهداف الهدف الرابع
يهدف الهدف الرابع، من أهداف التنمية المستدامة، إلى ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.. ويشمل هذا الهدف أبعاداً عدة، منها:
• ضمان حصول الجميع على تعليم ابتدائي وثانوي مجاني، عالي الجودة، بمعنى أن يصل جميع الأطفال إلى سن المراهقة، وهم قادرون على القراءة والكتابة، وإجراء العمليات الحسابية البسيطة.
• القضاء على الأمية لدى البالغين، وتحقيق المساواة في فرص التعلم، وتمكين جميع الأفراد - بغض النظر عن جنسهم أو خلفيتهم - من اكتساب المهارات الأساسية للقراءة والكتابة والحساب.
• جعل التعليم التقني والمهني أكثر صلة بسوق العمل، واحتياجات المجتمع.
• ضمان حصول جميع الأطفال على رعاية وتربية عاليتَي الجودة في مرحلة الطفولة المبكرة.
• بناء مدارس آمنة، ومجهزة تجهيزاً جيداً.
• زيادة عدد الشباب والبالغين، الحاصلين على المهارات اللازمة للعمل، والتشغيل الذاتي.
• توفير فرص تعليمية منصفة وعادلة للجميع، بمن في ذلك: ذوو الإعاقات، والفقراء والأطفال اللاجئون والنازحون.
• تحسين نوعية التعليم، من خلال تطوير المناهج الدراسية، والمعلمين، والبنية التحتية للمدارس.
• تعزيز وتشجيع التعلم المستمر مدى الحياة، لجميع الفئات العمرية.
عالمياً.. أين نحن من تحقيق هذه الأهداف؟
رغم التقدم الملحوظ، الذي شهدناه في مجال التعليم على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة، إلا أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، فزيادة معدلات الالتحاق بالمدارس التي تحققت، تباطأت وتيرتها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يظل قرابة الـ300 مليون طفل وشاب، يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية.
ومن التحديات المستمرة، التي تقف عائقاً أمام تحقيق أهداف الهدف الرابع، وجود فوارق بين الدول، إذ تعاني الدول النامية، خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، نقصاً حاداً في الموارد التعليمية الأساسية، مثل: المياه والكهرباء وأجهزة الكمبيوتر. أضف إليها تأثير انخفاض مستوى مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل كبير في فرص التعلم، خاصة في المناطق النائية. كما لا تزال الفتيات والنساء، في العديد من البلدان، يعانين التمييز في الحصول على التعليم، ما يحدُّ من فرصهن في المستقبل، في حين يواجه العديد من الطلاب صعوبة في اكتساب المهارات الأساسية، اللازمة للنجاح في الحياة العملية.
ما مصدر هذه التحديات؟
تتعدد الأسباب، التي تقف وراء استمرار هذه التحديات، أبرزها:
• القيود الاقتصادية: تؤثر الأزمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية بشكل كبير في ميزانيات التعليم، ما يقلل الاستثمارات في البنية التحتية التعليمية، وتوفير الموارد اللازمة. كما أن انخفاض الدخل لدى الأسر يجعل من الصعب على العديد من الأطفال الالتحاق بالمدارس، أو الاستمرار فيها.
• الصراعات والنزاعات: تزيد النزاعات المسلحة حِدَّة الأزمات الإنسانية، وتؤدي إلى تدمير البنية التحتية التعليمية وتشريد الطلاب والمعلمين، ما يعيق عملية التعليم، ويؤدي إلى فقدان جيل كامل من المتعلمين.
• التغيرات الديموغرافية: يشكل النمو السكاني السريع ضغطًا كبيراً على الأنظمة التعليمية، ما يتطلب زيادة في الإنفاق على البنية التحتية، وتوفير الكوادر التعليمية.
• التغيرات التكنولوجية: تتطلب الثورة التكنولوجية تطوير المناهج الدراسية والمعلمين؛ لتلبية احتياجات سوق العمل المستقبلية، ما يتطلب استثمارات كبيرة في التدريب والتطوير.
الإمارات والتعليم
تحرص الإمارات على ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة لهم، حيث يكفل الدستور الإماراتي حق التعليم المجاني لكل مواطن إماراتي في المدارس ومؤسسات التعليم العالي الحكومية، كما يعتبر التعليم إلزامياً لكل من أكمل ست سنوات، حتى الصف الثاني عشر، أو بلوغ سن الـ18، أيهما أسبق، فيما يعتبر إلزامياً حتى المرحلة الابتدائية بالنسبة للمقيمين.
وتعتبر دولة الإمارات نموذجًا يحتذى به في المنطقة والعالم بمجال التعليم. ومع استمرار الجهود المبذولة، فإن الإمارات قادرة على تحقيق المزيد من التقدم في هذا المجال، وتوفير تعليم عالي الجودة لجميع أبنائها، والطلاب في العالم أجمع.
فالإمارات رائدة إقليمياً وعالمياً في مجال التعليم، حيث ساهمت بمبلغ تجاوز الـ1.55 مليار دولار؛ لدعم مشروعات التعليم حول العالم حتى عام 2020، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة. وهذا الاستثمار الضخم أسهم، بشكل مباشر، في تمكين ملايين الأطفال والشباب من الحصول على تعليم جيد، خاصة في المناطق المتضررة من النزاعات والكوارث. وتؤكد هذه الأرقام التزام الإمارات الراسخ بتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، الذي يهدف إلى ضمان حصول الجميع على تعليم جيد ومنصف وذي جودة. كما تلتزم الإمارات بتقديم مساهمة بقيمة 100 مليون دولار للشراكة العالمية من أجل التعليم؛ بهدف دعم الخطة الاستراتيجية للبرامج التعليمية في الدول النامية، خلال الفترة من 2021، وحتى 2025.
وكانت الإمارات قد تعهدت، عام 2018، بتقديم 100 مليون دولار؛ دعماً لهذا المشروع، وكانت الدولة الأولى من منطقة الشرق الأوسط، التي تنضم إلى الشراكة العالمية من أجل التعليم.
لماذا كل هذا الاهتمام بالتعليم؟
تكمن أهمية التعليم في اعتباره مفتاحاً لتطوير الذات والمجتمعات، إذ يمنح الأفراد القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة، ويحسن حياتهم وحياة مجتمعاتهم، كما يسهم في بناء اقتصادات قوية ومستدامة من خلال زيادة الإنتاجية، وتمكين الأفراد من التفكير النقدي والإبداع والتعاون، وابتكار حلول للمشكلات المعقدة؛ ما يدفع عجلة النمو الاقتصادي، فضلاً عن إيجاد حلول مبتكرة للتحديات العالمية. كذلك، يكافح التعليم الفقر، من خلال منح الأفراد المهارات، والمعرفة اللازمة؛ للحصول على وظائف جيدة، وتحسين مستوى معيشتهم، ويسهم في تمكين المرأة، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وزيادة الوعي الصحي، وتعزيز التسامح والتفاهم المتبادل بين الثقافات ما يقلل خطر الصراعات والعنف.
وانطلاقاً مما ذكر، نستشف أن التعليم ركيزة أساسية في تحقيق بقية أهداف التنمية المستدامة، وندرك الأهمية التي توليها دولة الإمارات لدعم التعليم، وتخصيص جزء كبير من ميزانيتها لتطوير البنية التحتية التعليمية، وبناء نظام تعليمي متميز، يواكب متطلبات العصر الرقمي، وهو ما تستند إليه الرؤية الاستراتيجية الطموحة لوزارة التربية والتعليم في الإمارات للسنوات المقبلة، التي تعتمد على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، تركز على تعزيز جودة التعليم، وتطوير مهارات الطلبة، وتبني أحدث التقنيات، وتعزيز الشراكة مع المجتمع، وتوفير أحدث التقنيات التعليمية، وتدريب الكوادر التعليمية، وتطوير المناهج الدراسية؛ لتصبح أكثر شمولية، ووضع استراتيجيات، وإطلاق مبادرات، تهدف جميعها إلى الارتقاء بالنظام التعليمي، وتوفير فرص متساوية للجميع في الحصول على تعليم جيد يواكب التطورات التكنولوجية الحاصلة، ويمنح الأفراد المهارات والقدرات التي تلبي احتياجات سوق العمل، وتوفير برامج تعليمية متنوعة للبالغين؛ لتشجيعهم على مواصلة التعلم.
ومن أبرز المبادرات، التي أطلقتها دولة الإمارات في مجال التعليم، استقطابها العديد من الجامعات الدولية؛ لإنشاء فروع لها بالدولة، ما ساهم في رفع مستوى التعليم العالي، وأيضاً دعمها برامج ابتعاث الطلاب؛ للدراسة في أفضل الجامعات العالمية، وإنشاء العديد من المراكز البحثية المتخصصة في مجال التعليم؛ لدعم البحوث والتطوير في هذا المجال. ولم يقتصر اهتمامها على تعليم أبنائها، وإنما أطلقت أيضاً مبادرة «مدرسة»، وهي منصة تعليمية إلكترونية رائدة، توفر محتوى تعليمياً عالي الجودة للمؤسسات التعليمية في العالم العربي.