#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 3 يوليو 2024
يضحكون مني؛ عندما أعترف بأنني قد فقدت أنفي!
يوماً ما، رسم لي أحدهم نافذة بالقلم الرصاص على ورقة صغيرة..
الغريب أن النافذة كانت شديدة الاتساع؛ حتى إنني كنت أرى منها حقلاً كبيراً من الياسمين، علقت رائحته بأنفي، وأبت أن تغادره..
والأغرب أن قلبي لم يغلق هذه النافــــذة حتى اليـــوم، رغم ذبول الياسمين!
والأغرب، والأغرب، أنني فقدت أنفي ذاك من وقتها!
وقع مني ذات مرة، ولازلت أبحث عنه!
احتفظت بعين خالية من الدموع مهما بكى القلب، وبشفاه تجيد اقتراض الضحك بربا الزيف.. وبجبين مرفوع، دوماً مرفوع لا ينخفض أبداً، مهما انحنى الظهر وجعاً، وبأذُنٍ تعرف كيف تتجاهل طنين الصمت؛ سعياً خلف نغمات الأمل..
لكن.. بقيت صورتي خالية من ذاك الأنف!
بقيت تلك الرائحة تدور حول رأسي كسحابة بيضاء كبيرة، أمدُّ لها كفين عاجزتين ملهوفتين، لكنها لا تمطر.. لا تمطر أبداً!
رائحة براءة كانت تلقي غلالتها على روحي.. رائحـــــة ابتســامة معجونة بزعفران الشجن.. رائحة ماضٍ يتباهى بأن قدمه تعرقل عقارب الساعات، يبطئها ويسرعها كيف شاء، هي عبق امرأة كانت يوماً أنا! وليتني بقيت هي! رائحة لم أفقدها فحسب، بل فقدت معها أنفي ذاته!
تظنون أنني لم أبحث عن أنفي؟! لم أفتش عنه تحت كل حجر، وخلف كل جدار؟! فعلت.. ولازلت أفعل، لكن من ذا الذي ضيّع يوماً أنفه، وعثر عليه وحده؟!
تســــألني طفـلــة صغـيــــرة، تجدل ضفيرتها، وتبتسم عبر سنَّيْن أماميتين مكسورتين: (لماذا وجهي بلا أنف؟!)؛ فأبتسم وأنا أجلس على صخرتي أمام موج الحياة المتلاطم.. أمسك أوراقي وأنتظر.. (يوماً ما سيأتيني هذا العابر، ويرسم لي النافذة من جديد... ربما كان خطئي أنني استأمنت القلم الرصاص المرة السابقة.. هذه المرة احتفظت له معي بقلم من الحبر الأزرق.. أنتظره وأعرف أنه سيأتي.. حتماً سيأتي.. ساعتها سيعود الياسمين ليزهر.. وستمطر السحابة البيضاء فوق رأسي.. ساعتها سأسترد إيماني بالعبق، وأرفع فوق أرضي الفيحاء رايته.. ساعتها سأجد أنفي.. سأجد أنفي حيث سكب هو قنينة عطره.. حيث خبأ هو قلبه وقلبي!