#صحة
نوال نصر 8 فبراير 2021
تنظرُ في المرآة، تُدقق في عينيها وأنفها وشفتيها، وتعود لتستدير بجسدها إلى اليمين ثم إلى اليسار، تتأفف، تنظر مجدداً في المرآة، ثم تبدأ بتمتمة عبارات فيها كثير من القلق والتذمر وعلامات اللا رضا. فأنفها تراه (أفطس) وذقنها (نافر) ووزنها زاد في آخر ستة أشهر، وشعرها (أشعث باهت). تعود وتُدقق مجدداً في أنفها. تُمسك صورة «جوليا روبرتس» وتقارن أنف النجمة بأنفِها هي، وقامة الممثلة بقامتِها هي، وشعر الممثلة بشعرِها هي. ولا تلبث أن تهرع إلى غرفتها مرددة بصوتٍ عالٍ: (كم أنا قبيحة.. قبيحة جداً!). وعبثاً تحاول والدتها إقناعها بأنها جميلة، لكن بلا فائدة. فماذا تفعل معها؟ هل تذهب بها إلى طبيب تجميل أم إلى طبيب نفسي؟ هل تمرّ ابنتها بتوترات سن المراهقة أم بحالة تسمى اضطراب تشوه الجسد؟
حالة (اضطراب تشوّه الجسد) تصيب النساء بنسبٍ أعلى بكثير من الرجال، وتجعل المرأة ترى عيوباً غير موجودة غالباً، أو تُضخّم عيوباً، فتقسو على نفسِها وتمتنع عن الخروج من المنزل لأنها تبدو، على سبيل المثال، سمينة، أو لأن علامات (حبّ الشباب) ظاهرة، أو لأن شعرها مليء بالقشرة. هي علامات قد لا تكون موجودة في الأصل، لكن لكثرة ما تفكر فيها، تجعلها مهووسة بها.
والدة لانا قلقة جداً عليها. تراها تبتعد عن المجتمع، وتمتنع عن الذهاب إلى الكلية لأن حبة حمراء ظهرت على جبينها. حاولت أن تقنعها بالذهاب معها إلى طبيب نفسي لأخذ مشورته. ترفض لانا الفكرة لأنها ترى نفسها قبيحة ولن يفيدها الطبيب النفسي. وقصة لانا واحدة من قصص كثير من النساء وبعض الرجال، ممن يكوّنون أفكاراً خاطئة عن أجسادهم، فتلحّ عليهم أفكار يصدقونها، حتى إنهم يندفعون بشكلٍ أعمى إلى عيادات الطب التجميلي، من أجل تحسين أنف أو ذقن أو عمل تكميم للمعدة، أو إجراء تغيير مستمر في لون الشعر بحثاً عن رضا ذاتي لا يتوصلون إليه أبداً. وهؤلاء قد يخضعون لنفس العملية التجميلية مرات.
اضطراب نفسي
لعلّ الخطأ الأبرز الذي واجهته لانا، من القريبين منها، تمثل في اعتقادهم بأنها تعاني قلق سن المراهقة أو القلق الاجتماعي. لا، لانا مريضة (اضطراب تشوّه الجسد)، الدكتور سمير جاموس، اختصاصي الطب النفسي، يجيب عن السؤال ويوضح أن المرض وهو نوع من الاضطرابات النفسية الشائعة التي تجعل فكرة أو أكثر عن الجسد تلحّ على شخص ما معتقداً أنها عيب، وتجعله يشعر بالحرج والخجل والقلق، وتحدّ من قدرته على الانفتاح على الآخرين، الذين لا يكونون أصلاً مبالين بما يراه ولا يرون فيه أي عيب. هذا الاضطراب مكلف جداً مادياً ونفسياً. وكم من الأشخاص الذين يعانونه خضعوا لعمليات تجميلية شتى، وتكبدوا الكثير من المال، وخرجوا من الجراحات بأذى نفسي أكبر وأعمق. فلا شيء يرضيهم أو ينزع عنهم الفكرة التي كونوها عن أجسادهم، فهم يعيشون نوعاً من الوسواس القهري الملازم.
عوامل جينية
يردّ الدكتور سمير جاموس، اختصاصي الطب النفسي، جزءاً من هذا الاضطراب إلى عوامل جينية، وإلى وجود خلل في كيمياء المخ أو عطب ما أو وجود سمات في بعض الأشخاص تدفعهم إلى التماس الكمال. ويبحث الطبيب النفسي دائماً حين يكتشف مثل هذه الحالة، عن حالات أخرى مماثلة في نفس العائلة، وثمة عامل آخر مجتمعي يتمثل في إدراك الجميع، الكبار والصغار، وجود مجتمعات تُقيّم المرأة بجمالِها أولاً، قبل العلم والفكر والثقافة. ومعرفة الكثيرين أن الناس يعاملون الأشخاص الجذابين في شكل مختلف. لكن، ما علامات الجاذبية؟ هنا يكمن كل الموضوع. فالشابة لانا، تريد أن تكون من هذا النوع من الناس موهمة نفسها بأنها، كما هي، قبيحة وأن الناس قد يحجبون نظرهم عنها، حين يرون أنفها وشعرها وجسدها غير المتناسق.
تجارب وثقافات
تمرّ النساء بتجارب وثقافات، تجعلهنّ غير راضيات عن أنفسهنّ وعن صورتهنّ في المرآة. وثمة تأكيد بين علماء النفس الاجتماعي، على أنه حين تتعارض الرسالة التي تسمعونها من الخارج مع ما تؤمنّ به، كأن يقول لكنّ أحدهم (أنتنّ جميلات)، فهذا يجعلكنّ تخلقن حججاً مضادة للردّ على مثل هذه الرسالة، لأنكن لا تردن تصديقها لأنكنّ سبق أن كونتنّ أفكاراً مسبقة عن أجسادكنّ. وهذا ما قد نسمعه في أيامنا العادية من فتاة نقول لها: (يبدو كأنكِ خسرتِ وزناً، فتجيب بسرعة لا ربحت وزناً). أو نقول لها: تبدين مشرقة فتجيب بالعكس، أنا جدّ متعبة وشعري غير مصفف ووجهي شاحب. وكأنها تريد أن تبرهن لنفسِها أن أفكارها هي الصحيحة. في كل حال، قد تبدو لانا ومثيلات لانا طبيعيات لكنهن يتوهمن، لكن هنّ، في الحقيقة، مريضات ويحتجن حتما إلى علاج.
إقرأ أيضاً: ماجد المسماري: الموضة طريقتي في التعبير
طريقة للعلاج
يجب ألا يغيب عن بال أحد، أن من مضاعفات هذا النوع من الأفكار الخاطئة عن الجسد حصول اضطرابات مزاجية واكتئاب شديد وسلوكيات، قد تؤدي عند البعض إلى التفكير حتى في الانتحار، وقد يعانون مشاكل صحية واضطرابات في الشهية. وهنا، يؤكد الدكتور سمير جاموس أهمية متابعة المريض، الذي يشعر بكل هذه الأعراض، في بداياته. وكلما حصل هذا مبكراً، أتت النتائج أفضل في سبيل إصلاح الأفكار المشوهة في ذهن المريض. ويجب على أطباء التجميل الذين يستقبلون الكثير ممن يعانون (اضطراب التشوه الجسدي) بأن يوجهوهم للذهاب إلى المعالجين النفسيين، خاصة إذا خضعوا لأكثر من عملية جراحية واستمروا يتذمرون، غير راضين، عن كل النتائج. العلاج إذاً موجود. وهو من نوع العلاجات التي يُحددها الطبيب النفسي في حالات الاكتئاب.
تعريفات الجمال
الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم قال ذات يوم: (كل عقل يُفكر في جمال مختلف). والعالم تشارلز داروين قال: (ليس صحيحاً وجود أي معايير عالمية للجمال في ذهن الإنسان فيما يتعلق بجسم الإنسان). إذاً، من أراه أنا جميلاً قد لا تراه أنت كذلك. وإن كان الفيلسوف أرسطو قد عرّف الجمال بخصائص ثلاث: (النظام والتناسق والوضوح).
الثابت إلى الطب النفسي، أن أمثال لانا يوجدون غالباً في عائلات (مسرسبة) وذات مضامين فارغة. بحيث يكبرون بين أم وأب يدللانهم بعبارة (يقبرني جمالكم) أو ينصحانهم بعبارة (سرحوا الشعر جيداً قبل الخروج وارتدوا القميص المكوي والحذاء اللامع)، أو يوبخونهم بعبارة (كيف ستخرجون من المنزل بعد أن أصبحتم بحجم البرميل؟).