آنو السرحان 11 نوفمبر 2019
بين «لايك» الإعجاب ولفت الانتباه، و«لايك» المصالحة والتأنيب، أو حتى النفاق، تعددت «اللايكات».. صحيح أن لكل «لايك» معنى مختلفاً، لكن تظل تلك العلامة وما تؤديه من وظيفة تجلب إلى الشخص سعادة تصل إلى حد الإدمان، خاصة وأن الإنسان يتكلم عن نفسه بنسبة 40% من مجموع ما يقوله يومياً، بينما ترتفع النسبة إلى 80% من مجمل ما يقوله عبر المنصات الاجتماعية.
أسباب مختلفة
تحوّلت الـ«لايك» لتكون السبيل الأفضل لمعظم مستخدمي «فيسبوك» للتعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم، إلا أنّ لكل «لايك» معنى مختلفاً قد يبعد تماماً عن فكرة الإعجاب التي ابتكرت في الأساس من أجله، فبين لفت الانتباه والمصالحة والتأنيب حتى النفاق تعددت «اللايكات» وتعددت أغراضها والأسباب التي استخدمت من أجلها. وفي دراسة عملية أجراها موقع «ستارت ديجيتال» المتخصص في تقنيات العالم الرقمي، كشفت أن الدماغ ينال جرعة من أنزيم دوبامين Dopamine، مع كل «لايك» أو ما يشبهه، وهي المادة المسببة للإدمان، وكلما زاد إفرازه، نمت الرغبة في الحصول على المزيد، فيعيش الناس في دوامة المتابعين و«اللايكات». وصحح العلماء نظريتهم عن الدوبامين نتيجة مراقبة سلوك ملايين المستخدمين لـ«فيسبوك»، فبعد أن كانوا يحسبونها مادة تبعث على البهجة، أكدوا أنها مسببة للإدمان.
ومن المفارقات أنّ مؤسس موقع «فيسبوك» مارك زوكربيرغ لم يكنّ أي إعجاب لإطلاق هذا الزر. لكنّ مدمني الموقع يرون أنّ صفحاتهم لا قيمة لها من دون زر جالب السعادة والرضا للنفوس، وأكدت الدراسة أنّ الشخص يتكلم عن نفسه بنسبة 40% من مجموع ما يقوله يومياً، بينما ترتفع النسبة إلى 80% من مجمل ما يقوله على المنصات الاجتماعية.
أصل الـ«لايك» وقيمته
ابتكر المبرمج الأميركي المهندس جاستن روزنشتاين زر الـ«لايك» (الإعجاب)، عندما انضم للعمل مع «فيسبوك» عام 2007، بعد ترك برنامجه للدراسات العليا في علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد، وعمله في جوجل.
ثم تم تطوير الفكرة الأصلية لزر الإعجاب من قبل ليا بيرلمان، عندما لاحظت أن Newsfeed الموقع، مزدحم بسبب التعليقات غير المفيدة التي عبّرت بصيغ مختلفة عن الإعجاب، وقام بعد ذلك روزنشتاين بتطوير الزر في ليلة واحدة. عرف الزر بداية باسم «المشروع الملعون» نظراً لعدم حصوله على موافقة الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج، الذي خشي من أن يطغى الزر على بعض ميزات «فيسبوك» الأخرى، مثل التعليق أو المشاركة، ولكنه اقتنع بالفكرة على مضض، وتم إطلاقه رسميا في فبراير 2009. وأثار روزنشتاين جدلاً العام الماضي، بعد حذف تطبيقي «فيسبوك» و«سناب شات» من هاتفه، بعد أن أعلن عن شعوره بالقلق الشديد من الآثار النفسية الناجمة عن استخدام تلك التطبيقات.
يحتاج المدون والمؤثر إلى امتلاك أعداد كبيرة من المتابعين، لأنه وبكل بساطة؛ كلما زاد عدد المتابعين، ارتفع سعر الإعلان لديه وأصبح من السهل بيع الإعلانات والحصول على متابعين جدد. وبالنسبة للمعلن، تعد الإعجابات والمشتركون المؤشر الأول، وأحياناً المؤشر الوحيد لتقييم قوة الحساب. وهناك بعض العلامات التجارية مستعدة لدفع مبالغ مالية طائلة، لمجرد ذكر اسمها على قناة أحد المدونين أو المؤثرين، وذلك لزيادة الوعي بالعلامة التجارية فقط، حيث يمكن ألا تحصل مباشرة على مبيعات أو حتى زيادة بالإعجابات والتفاعل عبر صفحاتها.
لذا، لا يمكن إنكار حقيقة أن الـ«لايك» فقد قيمته، إذ يمكن لأي شخص أن يشتري أي قدر يريد منه، وفي المتوسط يبلغ سعر 1000 لايك من البوستات الميتة لإعطاء المنشور أو المجموعة أو الصفحة ثقلاً أكبر حوالي دولار واحد، وبمبلغ أكثر يمكن لهذه البوستات أن تترك تعليقاً نصياً أو رسوماً ورموزاً تعبيرية. وهو ما جعل وسائل التواصل الاجتماعي تستعين على الحرب ضد هذه البوستات المتمردة، حيث سيتم إغلاق جميع الحسابات المشتبه بها، بالتفكير جدياً إلغاء زر الـ«لايك»، بحسب ما أعلنت منصات شهيرة للتواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«انستجرام».
إهمال «الحياة»
يقضي الكثير من مستخدمي التواصل الاجتماعي وقتاً طويلاً في تصفح ما يجود به شريط أخبار صفحات «السوشيال ميديا» على اختلافها، منصرفين عن اهتمامات حياتية أخرى، ليصل الأمر في بعض الحالات إلى إدمان مفرط لا يمكن التخلص منه ويترك آثاراً على قراراتهم. ونقلاً عن الموقع الألماني شبيغل أونلاين، توصلت دراسة نشرت في المجلة الأكاديمية الوطنية للمعلومات (PNAS) أنّه من أصل 683 مشاركاً في البحث تم تشخيص حالة الاكتئاب لدى 114 شخصاً، كما تسجل من حين إلى آخر حالات انتحار أو محاولة انتحار لمستخدمي «فيسبوك»، سبق لهم التلميح بشكل مباشر أو غير مباشر للإقدام على تلك الخطوة، وتبين أن لعدد الإعجابات والتفاعل الدور الأكبر في هذا. كما كشفت دراسة أميركية أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها فيسبوك يسبب بعض الاختلالات السلوكية المشابهة للموجودة لدى مدمني الكوكايين والهيرويين، مما ينعكس على قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة.
الإعجاب الافتراضي
يغفل كثيرون أنّ ترجمة العدد الكبير من الإعجابات إلى فعل حقيقي ليست أمراً سهلاً، بمعنى أنّ عرض إعلان تجاري لحذاء رياضي شهير جميل، قد يحصد عشرات آلاف شارات الإعجاب، لكنّ هذا لا يعني أنّ عدداً كبيراً من المعجبين سيتحولون لشرائه، إذ أثبتت دراسة أنّ المعجبين بالإعلانات لا يقررون غالباً شراء ما يعجبهم من النظرة الأولى، بل يحتاجون إلى مراعاة عدة عناصر، منها الثقة بالمنتج، السعر، إمكانية وصوله بسرعة بالشكل المطلوب، عدم ثقتهم بأنّ الحذاء (في هذا المثال) سيناسب قياساتهم. وهكذا، فإنّ الإعجاب يبقى محصوراً في الفضاء ولا يتحول إلى تعامل مالي، وينطبق هذا إلى حدٍّ كبير على العلاقات التي تنمو سريعاً على فيسبوك، فلو حاول الناس نقلها إلى الحياة اليومية، فإنّ عدداً كبيراً من هذه العلاقات لن يحظى بـ«لايك» واحد من الطرفين في أحيان كثيرة، وهذا كله مجتمعاً يمكن أن يؤكد غياب التأثير الفعلي لإلغائه.
يقوم الكثيرون بالضغط على زر الـ«لايك» تلقائياً، على أي منشور للأصدقاء، حتى إذا كان من سبيل الإشارة إلى رؤيتنا له لا لإعجابنا به حقاً. الأمر الذي استغله مُجرمو الإنترنت لخِداع المُستخدمين واختراق حسابتهم، من خلال برمجية خبيثة تُدعى (زراعة الـ«لايك») أو like-farming. إذ يقوم المُحتالون ببثّ منشور حول قصة عادية، يمكن أن تكون حديث أغلب مُستخدمي الشبكات الاجتماعية، وما إن يحصل المنشور على عدد الـ«لايك» اللازم، يقوم المُحتال بتعديله وإضافة برمجية خبيثة عليه.
إلغاء الإعجاب
صرحت المتحدثة باسم فيسبوك لـ«بيزنس إنسايدر»، مؤخراً، بأن الشركة تدرس إلغاء ظهور عدد الإعجابات على المنشورات لعلاج حالة «إدمان» البعض الحصول على عدد أكبر من الإعجابات بمنشوراتهم.
وقالت ليا بيرلمان، المرأة التي ساعدت في تصميم زر LIKE، لصحيفة «رينجر» إنها لاحظت أن الإشعارات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي جعلتها تشعر بالسوء وأعلنت أسفها على تصميمه وتحوله إلى إدمان.
ماذا بعد اختفاء الـ«لايك»؟
تقول المهندسة هناء الرملي، الكاتبة والمحاضرة في مجال تكنولوجيا المعلومات وثقافة الإنترنت، إن الإعلانات باستخدام الحسابات الشهيرة والتي تمتلك متابعين كثيرين لن تتوقف أو تختفي، في حال ألغت تطبيقات «السوشيال ميديا» الـ«لايك» من منصاتها، إلا أن الرملي تستدرك قائلة: «سيتغير مبدأ اختيار المدونين ويمكنهم التأكد من أن جميع المتابعين هم أشخاص حقيقيين وستظهر لهم الإعلانات المدفوعة من قبلهم». وتلفت الرملي النظر إلى جانب آخر، بالقول: «بالنسبة للأفراد، فستتعزز ثقتهم الحقيقية بأنفسهم، ويشعر المستخدم بالاستقرار النفسي، والاتزان في علاقاته الحقيقية، وممارسة نشاطات مشتركة مع من حوله، واتخاذ قرارات صائبة بعيداً عن التشتت وغياب التركيز».