#ثقافة وفنون
آنو السرحان 23 أكتوبر 2019
منذ أربعة عقود، تأسست فرقة (بلدنا)، وقدمت أغنياتها «الملتهبة»، في ظروف صعبة، وواجهت بالفنّ والإصرار العديد من المعوقات والتحديات الماديّة والمعنوية، مؤمنة بأن الفنّ بكافة أوجهه الثقافية هو الإرث الحقيقي ومقياس وعي ونهضة المجتمعات، ومن هذا المنطلق أنشأ الفنان كمال خليل، قائد الفرقة وأحد مؤسسيها، (بيت بلدنا)؛ ليكون الأيقونة الحيّة والباقية لكل فنّان ومبدع وموهوب، أو محبّ للفنّ.
اتخذت فرقة «بلدنا» المعروفة بخطّها الوطني وأغنياتها الملتزمة بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية لنفسها مساراً غنائياً مختلفاً، فصار لها كيان فني مستقل يحمل طابعاً وطنياً، على دندنات الولاء وطبول الشوق إلى الأرض، منذ تأسست في عام 1977 وبدأت بممارسة أنشطتها في عام 1978 كفرقة موسيقية.
وُلدت الفكرة على يد وضاح زقطان، وانطلقت من نادٍ للأطفال وجمعية سيدات الأعمال، وشهدت البداية حظاً وافراً من دعم المثقفين، وتحديداً رابطة الكتاب الأردنيين، لتبدأ بغناء قصائد للشاعرين إبراهيم نصر الله ورزق أبو زيد، بنصوص كان لها الأثر الكبير في إبراز هوية الفرقة والنمط الذي بدأت العمل فيه، لتحتوي على 20 طفلاً وثلاثة عازفين في تلك الفترة. وتبدّل أعضاء الفرقة على مر السنين، وبقي الفنان كمال خليل، وهو أحد مؤسسيها، مصرّاً على الوصول بصوت فرقته نحو السماء، برغم المصاعب، وبقيت معه فلسطين حاضرة بعتاد الحرب وعدتها.
بيئة حاضنة
عندما انطلق خليل بفرقته إلى العالمية، بعد أن كانت حفلاتها تقتصر على مخيمات اللجوء الفلسطينية في الأردن بإمكاناتها البسيطة، وصارت تقيم عروضاً في الولايات المتحدة والبرازيل وكولومبيا وأوروبا وعدد من الدول العربية، قرّر وبعد ثلاثة عقود، أن يؤسس بيتاً ثقافياً في عمّان يحمل اسمها، ليرتاده أهل الثقافة ومحبو الموسيقى، ويعرض من خلاله بشكل دوري المواهب والإبداعات الفنية والثقافية، وهكذا وُلِدَ (بيت بلدنا)؛ ليكون بيئة حاضنة لكل من أراد أن يغني ويعزف أو يستمع للغناء الأصيل، إضافة إلى الاهتمام بعرض اللوحات التشكيلية والأشغال اليدوية والمنحوتات والتعريف بأصحابها، ولعرض الأعمال المسرحية وإقامة الأمسيات الأدبية.
جهود ذاتيّة
بجهد ذاتي رمّم كمال خليل وأفراد أسرته بيتاً قديماً بجبل اللويبدة، لما له من ذاكرة ثقافية وعمرانية، هي الأبرز في تاريخ عمان الحديث، فاختاره صغيراً بمساحته عريقاً بتاريخه، ويوضح خليل: «في شارع نديم الملاح، في جبل اللويبدة حالياً، ومقابل دارة الفنون، وبين بنايات عديدة ترسم ظلها على الشارع، يأتي بيت قديم، بني جزء منه في عشرينات القرن الماضي، واستكمل الجزء الآخر في عام 1979، والجزء السفلي من البيت هو (بيت بلدنا)».
وبُني هذا البيت من الحجر الكبير القديم، الذي يتميز بقوته وصلابته، وله سقف عالٍ، كما الطراز العام لمنازل عمّان القديمة آنذاك.
الفخاريات والهوية الثقافية
لم تغيّر العائلة في هيكلية البيت، إلا أنه تم دمج غرفتين مع بعضهما، وإضافة ديكورات من الخشب والفخاريات، بعضها للإضاءة على الجدران، وأخرى للمزروعات المنتشرة في كل مكان، كما تمّ تعتيق الطلاء بما يحافظ ويتناسب مع روح البيت القديمة. وعن سبب اختيار الفخاريات يقول خليل: «صناعة الفخار من أقدم الصناعات التي عرفتها الحضارات القديمة، والفخار من أهم اللقى الآثارية التي يتم البحث عنها أثناء عملية التنقيب؛ فالأواني الفخارية لها خصائص تعكس هوية وثقافة الحضارة التي أنتجتها، فلكل حضارة فخارها المميز الذي قامت بتطويره، فمع بداية تشكيل الطين تم تشكيل هويات الحضارات القديمة؛ فالفخار، كمادة، يمثل المرحلة الإنتاجية النهائية للتفاعل ما بين المادة الخام والثقافة والتقنية».
منتدى للجميع
في عام 2011، بعد انتهاء خليل وأسرته من أعمال الترميم والصيانة والديكورات، تمّ الإعلان عن (بيت بلدنا) كمنتدى ثقافي، يجمع كافة الأعمار والمنابت والأصول، في مكان هو بيت أصلاً، يحيط مرتاديه بالألفة والحميمية، ويعقد معهم صداقة من الزيارة الأولى. ويرتاده اليوم، بعد أن صار واحداً من أهم المنتديات الثقافية والفنية التابعة لوزارة الثقافة، عدد كبير من الأشخاص المختلفين إلا على الفن والجمال والثقافة، في أجواء لها عراقة الماضي ورائحة الأصالة، بطابع عائلي حميم، ويقصده حتى السياح لمنطقة اللويبدة التي تحكي تاريخاً طويلاً للمدينة.وفي كنف بيت هذه العائلة الفنية الملتزمة، نشأ العديد من الصداقات، وانطلق الكثير من المواهب، وانتصف الليل وربما زاد، في مناقشات فكرية وأمسيات شعرية وموسيقية، جعلت منه مكاناً متفرداً، استطاع أن يجمع المثقفين والشعراء والموسيقيين وعامة الناس تحت سقف واحد.