واسيني الأعرج 20 سبتمبر 2019
لقد اختزل بعض الكتّاب، قصة إيزابيل إبرهارت (1877-1904) ذات الأصول القيصرية الروسية النبيلة من أمها، بأنها كانت جاسوسة، وتعمل لصالح الجنرال لويس هوبير ليوتي، منذ استقرارها هي وأمها في الجزائر في 1897، في أحياء مدينة عنابة الشعبية. وأصبح كل عملها الصحافي، والثقافي، وأدبها، وحياتها الغنية والمعقدة، مجيرة لعلاقتها العسكرية بليوتي، إذ كانت تقريباً الصحافية الوحيدة التي تملك ترخيصاً للعبور نحو المناطق العسكرية الجنوبية، بمنطقة بشار. مع أنها كانت أكبر من ذلك. فقد أسلمت، واندمجت في المجتمع الجزائري. أحبت ضابطاً فرنسياً مسلماً، سليمان أهني، من أصول جزائرية، في مارسيليا في 1900، فتزوجت وعادت معه إلى الجزائر التي كانت قد نُفيت منها. وراحت تجوب الصحارى باسم مستعار، متنكرة في لباس ذكوري بعد أن سمت نفسها «محمود سعدي». كانت برفقة شيخ القادرية، الهاشمي، فهجم عليها شخص مناهض للقادرية، وكاد يقتلها بضربة سكين. اشتغلت بعدها مراسلة حربية في عين الصفراء.
في 1903 بدأت علاقتها بالجنرال ليوتي الذي وفر لها التراخيص العسكرية، للمرور نحو الجنوب الغربي الذي كان في حالة حرب. فقد أبهر ليوتي بثقافتها، وذكائها الحاد، وجرأتها وروح المغامرة. هذه العلاقة جلبت لها سخط الكثيرين في المنطقة. واتهمت بالجاسوسية لصالح الاستعمار. بالرجوع إلى وثائق ذلك الزمن، ومنها ما نشرته هي في كتابها «كتابات حميمية»، نكتشف بسهولة أن الإعجاب كان كبيراً. ليس بالجنرال العسكري، الذي كانت تنتقده بلا هوادة وتنتقد مؤسسته، ولكن بالمثقف المتخفي فيه، الذي كان يقضي وقتاً طويلاً وهو يدافع عن إميل زولا في مواجهته لمؤسسة عسكرية متآكلة، في قضية دريفوس التي فجرها بشجاعة في رسالته الخالدة «إني أتهم» وطورد من كبار الضباط الذين اتهمهم، حتى اضطر للهرب إلى لندن. أو وهو يناقشها عن فلوبير في مواجهته مجتمع البورجوازية الخائنة لمثلها والفاسدة، بعدما كتب: مدام بوفاري. لم يكن جنرالاً عادياً لهذا لم يكن حبهما عادياً. كانا يسهران طويلاً في معسكره، حتى آخر الليل يتناقشان في الأدب والموسيقى، الحياة. كان معجباً بها وبذكائها إلى درجة عالية: «كانت أهم ما يعجبني في هذا العالم... حرة مثل طائر في الفضاء». يكفي أن نعرف اليوم أنها مدفونة في المقبرة الإسلامية العامة لعين الصفراء، والفضل كله يعود لليوتي في بناء قبرها، بعد مأساة غرقها في فيضان عين الصفراء، بينما بقية القبور بجانبها، اندثرت. لم تتبق منها إلا حجارة متناثرة، بلا علامات.