د. عبدالله الغذامي 29 أغسطس 2019
للأفكار قدرات خاصة في الهيمنة الذهنية، ومتى ما وصلت إلى حد الاقتناع فإن اجتثاثها يصبح مهمة صعبة، وتزداد الأفكار ترسخاً كلما مارس الإنسان تسويقها على غيره، إذ تصبح وكأنها بضاعة قابلة للربح والخسارة، فيصر على دفعها للربحية وكسب الآخرين لصف فكرته، وستبدو هذه بمثابة النجاحات التي تصنع انتماء ذهنياً للفكرة بوصفها رأس مال رمزياً لمسوق الفكرة، وسيتصاعد الأمر لدرجات خطرة تصل إلى الحروب من أجل قناعات من نوع ما، وكل فكرة في الكون تبدأ بسيطة وتلقائية ثم تتعمق لتبلغ حد التصلب، وحينها سوف تهيمن على صاحبها، ولن يهون التخلي عنها لصالح فكرة جديدة، خاصة الفكرة التي تأتي من المنافس أو من مصدر مخالف، وهنا تنشأ النزاعات والتحزبات والاستقطابات، وكثيراً ما يتبدى للناظر المحايد أن الفرقاء يشتركون في عناصر وتفاصيل مهمة، لكن كل فريق يغض نظره عن المتوافقات ويركز على الاختلافات.
يحدث هذا للأفكار، ولكنه لا يحدث للماديات، فالمرء والمرأة يستطيعان التحول في الملبس والمأكل والمسكن والوسائل بأنواعها، ومن السهل إجراء تغييرات سريعة أو بطيئة في هذه الأمور، وهذا تغير ذهني وسلوكي لا يجد الناس فيه معرّة ولا تراجعاً ولا خسارة معنوية، ولذا يسهل تغيير المجتمعات وسائلياً ومادياً، لكن سيصعب تغيير التصورات والفكريات والرؤى، حتى وإن كان جديد الأفكار أكثر نجاعة من قديمها، وقد ترى شخصاً (ما بعد حداثي) في مادياته، ولكنه تقليدي في تفكيره، ولا يرى تناقضاً في ذلك، بل سيجنح لتسمية الفكريات بالأصول والثوابت، حتى وإن لم تكن كذلك، ويحتاج التغيير هنا إلى أسباب اقتصادية واضحة الفائدة، أو إلى نشوء جيل لم يلتصق بعمق مع الفكرة القديمة.