ضحى السعفي 25 أغسطس 2019
قميص فضيلة أو «مريول فضيلة»، كما يطلق عليه باللهجة التونسية، هو عبارة عن قميص نسائي قطني أبيض، ومطرز بخطوط عمودية تكون عادة ذات لون واحد، إما بنفسجي أو أزرق أو أحمر، ويتميز بأكمام طويلة وبضعة أزرار تحت الرقبة، وقد كان اللباس الأساسي للتونسيات في ثلاثينات القرن الماضي، ثم سرعان ما قفز نحو أجساد عارضات الموضة العالمية في السنوات الأخيرة، بعد أن عمل عدد من مصممي الأزياء التونسيين على دمجه ضمن اللباس العصري من بينهم المصمم العالمي التونسي الراحل عز الدين علية.
ارتبط قميص فضيلة بثلاث قصص شعبية تُروى لكل من يتساءل حول تاريخ هذا القميص، تتحد جميعها في ربط القميص بالنضال لكن بتفاصيل مختلفة، ولعلّ أشهر ما يحكى عن هذا القميص هو أن أحد قادة جيش الاحتلال الفرنسي كان في جولة بجهة «عقلة شارن» بمنطقة الكاف شمال غرب تونس فانبهر بجمال إحدى الصبايا وقد كانت تُدعى «فضيلة الشارني».
ويضيف الباحث والكاتب التونسي في التاريخ محمد ذويب أن فضيلة كانت تمتلك جمالاً أخاذاً، بقد ممشوق وصاحبة خال على خدها ينسدل فوقه شعر أسود طويل، وذات يوم أرسل هذا القائد الفرنسي جنده لخطف فضيلة، وفور أن وقف أمامها القائد استبسلت في الدفاع عن شرفها، فتركت له ندوباً على وجهه ولم تجعله يمسها بسوء، وفرّت هاربة، فأطلق القائد الفرنسي النار بمسدّسه على فضيلة درءاً لفعلته وفضيحته لتهتز لهذه الحادثة المملكة التونسية بأسرها، كما كانت تسمى وقتها، وقد تضامنت معها كل نسوة البلاد في يوم مشهود بأن لبسن كلّهن ذلك اللباس.
ويؤكد أنه، ومنذ ذلك الوقت، أصبح يطلق في تونس على اسم هذا النوع من القميص الذي انتشر في كامل البلاد مسمى «مريول فضيلة» نسبة إلى الشابة التونسية التي دافعت عن شرفها.
وأشار ذويب إلى أن الرواية الثانية تعود بالقصة إلى القرن الـ18، حيث اختطف المستعمرون الأتراك لتونس حينها فتاة تونسية شابة وجميلة وأجبروها على الذهاب معهم عنوة، واقتادوها أسيرة للخلوة مع السلطان العثماني.
ويضيف: «كان اسم الفتاة «فضيلة الشارني»، وقد أخفت فضيلة خنجراً في ثيابها ولما اقترب منها السلطان قامت بضربه في عنقه فأصابته بجرح عميق وغائر في وجهه، فأمر السلطان العثماني بإعدامها أمام أهلها في ساحة السوق، وقطع رأسها لكي يكون عبرة لمن لا يخضع لأوامر ونزوات السلطان. كان يوماً أسود في بلدة «شارن» إحدى قرى مدينة الكاف، خاصة أنه وفي لحظة إعدام فضيلة جردها الجنود من ثيابها الفوقية، وكانت ترتدي القميص الذي بات يعرف باسمها، فقررت حينها نساء وفتيات البلدة والبلدات المجاورة شراء قمصان شبيهة بقميص البطلة «فضيلة» وارتداءه في رسالة للمستعمر أن نساء تونس كلهن «فضيلة».
علاقة الفنانة التونسية الراحلة فضيلة ختمي بالقميص؟
أما الرواية الثالثة فقد ربطت بين القميص والفن، حيث أشار أستاذ الحضارة العربية بجامعة تونس المنار نجيب عبد الرزاق إلى أن البعض يقرن تسمية اللباس باسم الفنانة التونسية الراحلة «فضيلة ختمي»، التي عاشت في بداية القرن الـ20 وكانت ذات صوت عذب، وكانت فضيلة ختمي تنجز مسرحيات وتسهم في برامج إذاعية شهيرة تعنى بقضايا المرأة، وقد تأثرت بها النساء التونسيات، إذ كانت رمزاً للأناقة بالنسبة إليهن فتأثّرن بلباسها الذي بات يعرف بـ«مريول فضيلة».
وأوضح الباحث أن الحقيقة العلمية تغيب تماماً في هذا الموضوع قائلاً: «ليست لدينا حجة على الوقائع المذكورة بخصوص مريول فضيلة لكن ترابطها الأسطوري جعل من القميص قيمة تقليدية حاضرة في أذهان المجموعة وهو ما أكسب القميص شهرة واسعة في تونس وحماه من الاندثار».
«مريول فضيلة» حاضر في جل المناسبات التونسية
مصممة الأزياء التونسية والباحثة في التراث التقليدي التونسي خولة مجدوب تقول: «في السابق كان مريول فضيلة يلبس مع اللباس التقليدي التونسي مثل الملية والسفساري والحولي والحايك وغيرها، وكان يلبس في الأعراس والمناسبات الرسمية، وقد حاولت منذ عام 2016 إخراج هذا اللباس من محتواه ليتناسب مع كل الأوقات وإعادة له مجده السابق».
وأوضحت مجدوب أن فتيات تونس يعتبرنه لباساً وطنياً، ولذلك يحرصن على لبسه في المناسبات العامة ليكون حاضراً بقوة كموقف ونهج مثله مثل ارتداء الفلسطينيات الكوفية الفلسطينية التي ترتبط بالوطنية.
وتضيف مصممة الأزياء التونسية أن قميص فضيلة الوحيد الذي استطاع أن يحافظ على وجوده في دواليب كل نساء تونس، خاصة بعد أن اصبح يقدم كلباس عصري وترتديه الفتيات مع البنطلونات الشبابية ومع التنانير العادية، وحالياً بدأ القميص يتحول إلى فساتين صيفية شبابية وحتى لباس للبحر، محافظاً على الخطوط والشكل والقيمة نفسها.
وتقول مجدوب إن ثمن القميص يتماشى مع كل الطبقات الاجتماعية، إذ لا يتعدى سعره 50 ديناراً تونسياً أي 17 دولاراً أميركياً.
من جانبها قالت مصممة الأزياء التونسية فدوى زعيتر إن «مريول فضيلة» بقى متوهجاً على الدوام ويغري كل المصممين التونسيين على حياكته وإدخاله في لائحة اللباس اليومي، مشيرة إلى أن هذا القميص انتصر في كل معارك الموضة التي خاضها على مر السنين ليبقى في النهاية رمزاً للأناقة والفن والنضال تعتز به التونسيات ولا يتنازلن عن وجوده في دواليبهن ولباسه في جل المناسبات أياً كانت.