مليكة أحمد 20 أغسطس 2019
من أطلق عليها أسطورة بلاد الهند لم يكذب، فحضارتها الممزوجة بأصالة الشرق وحداثة الغرب، وجمال طبيعتها الساحر، ما هو إلا دليل على أنها تستحق تبوؤ المراكز العليا على مستوى العالم في القطاعين الاقتصادي والسياحي بشكل خاص...هي كيرلا رمز حضارة بلاد الهند.
تقع ولاية كيرلا، في أقصى الجنوب الغربي لبلاد الهند، بمساحة تقدر بـ38 ألف كيلومتر مربع، وبعدد سكان يصل إلى 30 مليون نسمة، ما بين الهندوس واليهود الذين استقروا فيها منذ القرن السادس الميلادي، فضلاً عن المسلمين الذين يمثلون نسبة %24 من سكانها أي حوالي (8 ملايين نسمة)، يتداول أغلبهم لغة «المالايالام» الهندية، وهي اللغة الرسمية الأكثر تداولاً في المنطقة، وتتبعها اللغة الإنجليزية.
تجارة التوابل
بمجرد سماع اسم كيرلا، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك التوابل بالتأكيد؛ وذلك أن تاريخ هذه المدينة العريض يرتبط ارتباطاً وثيقاً، بتجارة التوابل مختلفة الأصناف والأشكال، وهذا تحديداً ما جعلها تحظى بلقب «مدينة التوابل»، فكان لهذه التجارة الفضل الكبير في تواصل المدينة مع العالم الخارجي، باعتبارها البوابة الرئيسية التي قام عليها اقتصاد بلاد الهند بمجملها، ويمتد تاريخها إلى 3000 سنة خلت، ففي الماضي كانت تجارة التوابل تقتصر على سكان كيرلا فحسب، لتنتقل بعد ذلك إلى التجار اليونانيين والرومان والعرب والصينيين والفرنسيين والإنجليز الذين وفدوا إليها منذ وصول الملاح البرتغالي فاسكو دي جاما إلى سواحلها في عام 1498، حيث سجل وصوله بداية الحضور الأوروبي، وكان له الفضل في اكتشاف الممرّ البحري لسواحل الهند، الأمر الذي جعل كيرلا تتميز ببصمات متنوعة من الآثار التاريخية والتراثية كانت قد تركتها قوافل التجار من أجناس وعرقيات مختلفة في كل شبر من المدينة حتى يومنا هذا. وسميت كيرلا سابقا بـ«ثيروفنانثابورام»، نسبة إلى أحد الثعابين السامة المشهورة في المنطقة، وفي لغة سكانها، يترجم اسمها إلى «مدينة السيد أنانثا»، وهو اسم يطلق على ثعبان يملك عدة رؤوس، وهو من المقدسات لديهم.
معالم سياحية
تزخر كيرلا بطابع معماري متنوع، يجمع بين الهندسة المعمارية الشرقية الإسلامية، وبين الهندسة الغربية الحديثة، مما جعلها تتمتع بسياحة وفيرة، يجد السواح فيها تنوعاً حضارياً فريداً من نوعه، يمكنهم من رؤية حضارات متعددة في الوقت ذاته، حيث تبرز الحضارة الشرقية الإسلامية من خلال المساجد المنتشرة في عاصمتها، والتي تحمل بين تفاصيلها طرازاً إسلامياً بحتاً، يظهر من خلال تلك القباب الذهبية التي تتوج أسقفها، والأبواب الخشبية الكبيرة المحيطة بمداخلها، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالتصميم الهندسي الذي بنيت عليه الكنائس التي يعود تاريخ وجودها إلى 587 ق م، والمعابد التي تحمل أسماء وشعارات غريبة، تدلّ على تعدد الثقافات والديانات وتنوعها في كيرلا.
متاحف
تحتل المتاحف في كيرلا نصيب الأسد، حيث تضمّ متحفاً رائعاً يحمل اسم «نابييه»، وهو بأرضية رخامية، تم بناؤه عام 1568م على يد الهولنديين، ويحوي مجموعة من المنمنمات العاجية، وبعضاً من الأدوات الموسيقية التقليدية، وعدداً من تماثيل، ومجلدات هندوسية قديمة. وغير بعيد منه، يتربع قصر كبير يدعى «قصر ماتانشيري»، الذي بناه البرتغاليون في عام 1555م، وقطنه حاكم الهندوس راجا دي كوشي، واستعمره الهولنديون بعدها، ويحوي القصر مجموعة بورتريهات ولوحات لأكبر وأبرز الشخصيات التاريخية التي سكنت فيه، كما يضم مجموعة من ثياب قديمة جداً، وقطع ثمينة أخرى، ورسومات جدارية تزيد من عراقة المكان حضارياً وتاريخياً.
أبرز المدن
إلى جانب عاصمتها، تضمّ كيرلا مجموعة من المدن الجميلة، واحدة منها تدعى «كوشيه»، وهو اسم أطلقه عليها الهولنديون في القرن الـ17 ميلادي، وتعتبر المدينة الأكثر تشبعاً بالتاريخ والحضارة الممزوجة بين الشرق والغرب، مرت عليها وفود من قدماء مصر، ورومانيين وبريطانيين، لاعتبارها ميناء تجارياً يحسب له ألف حساب في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أنها لفترات من الزمن، كانت موطناً للمسيحيين الأوائل، والصينيين واليهود والعرب، والأوروبيين والبرتغاليين والبريطانيين.
وتتميز هذه المدينة، بعوالمها، وأحيائها وشوارعها المتنوعة بين الطراز الأوروبي الحديث، مثل «شارع فوركوشين»، و«قصر ماتانشيري»، والطراز المسيحي القديم الذي يظهر على كنيسة «سان فرانسوا» التي بناها الفرنسيون في عام 1516م، وتعتبر من أقدم الكنائس الموجودة، ليس في كيرلا فحسب، بل في الهند قاطبة، ونجد كذلك كنيسة «إيرناكولام» المشيدة على جزيرة «ويلنجدون» الصناعية. هذا وتحتوي مدينة كوشي على مقبرة فيها جثة الملاح البرتغالي الذي اكتشف ولاية كيرلا وهو فاسكو دي جاما الذي توفي فيها عام 1524م، ودفن في أرضها، ولم ينقل جثمانه إلى موطنه الأصلي البرتغال، إلا بعد مرور 14 عاماً من وفاته، ومازال قبره الفارغ المبني في كنيسة «سان فرانسوا» شاهداً على تاريخ كيرلا والهند بأكملها.
احتفالات ومهرجانات
يعتبر الاحتفال بالمهرجانات والأعياد، جزءاً لا يتجزأ من تاريخ كيرلا العريض، حيث تنتشر بشكل كبير في المعابد الهندوسية، ومن أشهرها احتفالات «ترجوبورام»، التي تقام سنوياً في شهر أبريل ومايو، يحتفي فيها جميع السكان باختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، ويتم خلالها تزيين الفيلة، بسلاسل مشغولة من الورود العطرة بألوانها وأشكالها المختلفة، وتتوج رأس الفيلة التي يتقدمها فيل ضخم يركبه كاهن المنطقة ويجوب الشوارع، في جو تتخلله هتافات وموسيقى شعبية، ترميه النساء بوابل من الورود والياسمين والتوابل احتفاء به، ويستمر الاحتفال حتى الليل، وهنا يحمل شباب المنطقة مجموعة من الشموع والألعاب النارية، ويرقصون وسط أهازيج قرع الطبول الصاخبة.
الفنادق
يوجد في كيرلا، ما يقارب الـ10 فنادق، تتنوع ما بين ثلاث وأربع وخمس نجوم، وأشهرها على الإطلاق فندق «كاليكوت كوزهيكود»، وأسعار الإقامة فيه مقبولة جداً وفي متناول جميع الراغبين في زيارته، حيث لا تتعدى غرفه سعر الـ50 دولار لليلة الواحدة. بالإضافة إلى فندق «هيلتون» الدولي، ويضم حوالي 200 غرفة، تقدم فيه خدمات فندقية مريحة وراقية للنازلين فيه، أما تكلفة الغرف لليلة الواحدة، فتصل إلى 200 دولار، ويحوي مطعماً تقليدياً يقدم أطباقاً شعبية لذيذة جداً، مشبعة بتوابل كيرلا العطرة، إلى جانب أطباق أخرى تتنوع بين الأكلات الشرقية والغربية.