مليكة أحمد 18 يونيو 2019
تحتلّ البلدان الإسكندنافية الواقعة في الشمال الأوروبي حيزاً مهماً من حيث المواقع الجغرافية الإستراتيجية، فتجدها غنية بمصادر الطبيعة وثرواتها من البرّ والبحر، ومملكة النرويج من ضمن أهمّ البلدان التي تحظى مدنها بمكانة سياحية بارزة، تتصدر قائمة أشهر المدن الأوروبية سياحة وثقافة، مثل مدينة «بيرجن» المحفوفة بالجبال السبعة.
تعتبر «بيرجن» المدينة النرويجية الثانية في الأهمية بعد العاصمة أوسلو، يقطنها زهاء خمسة ملايين شخص يتحدثون باللغة النرويجية التي هي مزيج من اللغتين السويدية والدنماركية، أو ما يطلق عليها «الجرمانية»، والعملة المتداولة بينهم هي الكرونة النرويجية. ويُجمع زوار المدينة على أن أهميتها لم تأتِ ولم تكن من فراغ، فـ«بيرجن» تمتلك أحد أكبر الموانئ البحرية في النرويج وأوروبا قاطبة، إذ أسهم اقتصاد سوق السمك في تعزيز أهمية المدينة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وأصبحت لها مكانة بالغة الأهمية من حيث الصادرات السمكية في النرويج وخارجها، ولعلّ العديد يجهلون أن المدينة كانت في الفترة التي تمتد ما بين القرنين الـ12 والـ13، العاصمة الرئيسة للبلاد، لكنها انتقلت بعد الحرب العالمية الثانية إلى أوسلو.
«إدوارد جريج»
تعتبر «بيرجن» العاصمة الثقافية للنرويج، بفضل ما تضمه من مجموعة معتبرة من المتاحف والنصب والأماكن، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ البلد الثقافي، فلا بد للزائرين لها من أن يعرّجوا على منزل «إدوارد جريج» الشاهد على ولادته عام 1843، وهو أبرز الملحنين في عصر الرومانسية، وأيقونة النرويج والدول الإسكندنافية الفنية والثقافية، هذا الملحن الموسيقي، وعازف البيانو الشهير ابن المدينة التي ألهمته إبداعاً، فابتكر أشهر المقطوعات والمعزوفات الموسيقية، ويقع بيت جريج على أطراف بحيرة «ليل لونجيجارسفانيت» وسط المدينة، وحُوِّل البيت في عام 1955، إلى متحف سُمي باسمه.
رحلة بحرية
إذا رغبتم في الإبحار واكتشاف مضيق الخلجان الإسكندنافية المجاورة، ما عليكم سوى التوجه إلى ميناء المدينة الضخم، الذي يعتبر البوابة الرئيسية نحو الجزر والخلجان الأوروبية، يمكنكم الذهاب في رحلة بحرية ممتنعة بإحدى سفنها السياحية، التي عادة ما تنظم برامج سياحية مختلفة ومتنوعة، غنية باستعراض تاريخ المدينة، وتقديمها على شكل عروض فلكلورية ترافقكم على متنها في سهرات بحرية جميلة، تتخللها معزوفات موسيقية ورومانسية حالمة. أنصحكم بسياحة بحرية ليلية، خاصة أولئك الذين يرغبون في تمضية شهر عسل مميز، عشاء رومانسي على متن الباخرة ليلاً، تحت أضواء خافتة تصاحبها أجواء موسيقية مفعمة بالرومانسية.
أما إذا كنتم من عشاق المغامرة والمرتفعات فما عليكم سوى الاختيار بين استخدام شبكة القطارات والتجول بين سهول الجبال السبعة، أو اكتشاف مرتفعات جبلي «فلويان» و«أورليكن» اللذين يحيطان بالمدينة من كلّ صوب في طريق متعرج، يؤدي إلى محطة التلفريك، ستشعرون بانقطاع أنفاسكم وأنتم في التلفريك، الذي يصعد بكم إلى ارتفاع يتجاوز 3000 متر عن سطح الأرض، حتى الوصول إلى قمة الجبل، حيث استراحات الشاي والمأكولات الخفيفة.
مركز المدينة
تتشابه المدن الأوروبية كثيراً، خاصة في ما يتعلق بالساحات التي تتوسطها، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى مدينة «بيرجن»، التي تزين ساحتها الشهيرة نصب وتماثيل تذكارية تحمل رموزاً لشخصيات تاريخية، صنعت الفارق في الحربين العالميتين الأولى والثانية، تنتشر في الساحة مطاعم ومقاهٍ تعجّ بالحركة والمعزوفات الموسيقية التي يعزفها شباب على قارعة أرصفتها حتى ساعات متأخرة من الليل على غرار بقية المدن الأوروبية الأخرى، وخاصة في فصل الصيف إذ تجدون مراكز التسوق والمحال التجارية مفتوحة لأوقات طويلة، وخاصة تلك الموجودة في شارع المشاة، حيث تكثر المحال المختصة ببيع التذكارات السياحية والمنسوجات من المشغولات اليدوية.
معالم ومتاحف
يؤدي رصيف منطقة الصيادين إلى أحياء وشوارع ضيقة، تنتهي إلى بيوت من نوع آخر ذات واجهات بيضاء اللون مميزة بطرازها الفيكتوري الساحر، متجاورة الواحدة تلو الأخرى، تعود بذاكرتك إلى العصور الوسطى، تلف جدرانها أزهار الزينة، وتنتهي إلى تل يستخدم منفذاً لبداية مغامرة جديدة في تسلق الجبال.
تعتبر كاتدرائية «فانتوفت ستيف»، من أهمّ المعالم الدينية والتاريخية في «بيرجن»، وتقع على أطراف ساحة المدينة، يمكنكم الوصول إليها عبر مجموعة من السلالم التي يصل عددها إلى 50، تضمّ مذبحاً له تاريخ طويل، تمّ العبث بجدرانها ومحتوياتها خلال الحرب العالمية الأولى، لكن سرعان ما تمّ ترميمها، واعتمادها صرحاً تاريخياً تم إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي في أواخر الثمانينات.
الحياة اليومية
إن رغبتم في اكتشاف الحياة اليومية لسكان مدينة «بيرجن» التي تحتضن في مساحتها نسبة كبيرة من الجاليات الأفريقية والعربية، ما أسهم في تشكيل مزيج جميل من الثقافة الشرقية والغربية، جربوا التغلغل في أحيائها الشعبية بمنطقة «نوردنوس» المطلة على منطقة الميناء، ستدهشون بسوق السمك شاسع المساحة، وبشكل أكبر بالكمية الوفيرة من السمك الطازج، وثمار البحر المتنوعة من الحبار وقنديل البحر، والأخطبوط، وأنواع مختلفة من المحار والجمبري واللوبستر، فالأغلبية في المدينة يعتمدون في مطبخهم على الثروة السمكية أكثر من اللحوم والدواجن، وبالنسبة إليهم تعد الأسماك من الأطباق اليومية ويتفننون في تحضيرها.