ضحى السعفي 20 مايو 2019
على مرّ الحضارات استقر الأمازيغ جغرافياً بمنطقة المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا) وبعض دول جنوب الصحراء (مالي والنيجر) امتداداً إلى سواحل المحيط الأطلسي للقارة الأفريقية مروراً بواحة سيوة في مصر. وأثبتت دراسات عديدة أنّ حوالي 100 مليون من سكّان هذه المناطق من أصول عرقية أمازيغية، ورغم اختلاف المؤرّخين في أصل تسمية الأمازيغ، إلاّ أنّ التعريف السائد يعود بأصل التسمية إلى معنى الرجال الأحرار حسب لهجة الطوارق، وهم أمازيغ الصحراء الموجودون إلى اليوم في تونس.
ويسكن في تونس قرابة 13مليون نسمة، تقول الإحصاءات الرسمية إن عدد الأمازيغ بينهم يبلغ نحو 500 ألف، ولا يتحدث اللغة الأمازيغية سوى 2% منهم، فيما يعيش أغلبهم بين قبائل الجنوب التونسي بمدن (مطماطة وتمزرط وزراوة وتاجوت وجربة). ويعتمد الأمازيغ على تقويم زمني مستلهم من الفصول والعمل في الزراعة، وقد تمّ اختيار تاريخ انتصار الملك الأمازيغي «شيشنق الأوّل» على فرعون مصر سنة 950 قبل الميلاد للبدء بذلك التقويم. ويُوافق عام 2019 في التقويم الميلادي الحالي عام 2969 في التقويم الأمازيغي، أي بإضافة 950 سنة.
عادات متفرّدة
في تونس يحافظ الأمازيغ إلى اليوم على عاداتهم وتقاليدهم الضاربة في القدم، وهي متفرّدة عن باقي الحضارات في جوانب عديدة، ومنها تشبّثهم بلغتهم «الشلحة» التي ترسخ استعمالها حتى في اللهجة الدّارجة للتونسيين، إضافة إلى احتفائهم بصناعاتهم الحرفية التي توارثوها عبر الأجيال، من صناعة للفخار والحلي بالإضافة إلى اللباس التقليدي والأكلات الخاصة بهم ،التي تعتبر اليوم من أشهر الأكلات في تونس، بالإضافة إلى تمثلات ثقافية وطقوس لا تجدها إلا لدى الأمازيغ، انصهرت تدريجياً في الثقافة التونسية، كما لا تزال قصورهم التي تحصّنوا بها ذات زمن من الأعداء وغزواتهم، شامخة فوق قمم الجبال وعلى تخوم الصحراء حارسة لهذا الموروث وشاهدة عليه.
لغة الحياة
اللغة الأمازيغية التي يسميها أهلها «أوال أمازيغ» أي الكلام النبيل، من اللغات الأفروآسيوية من العائلة الحامية التي تضم المصرية القديمة والنوبية والأمهرية الحبشية والكوشية الصومالية، والعائلة الحامية لها قرابة بالعائلة السّامية التي تضم العربية والعبرية والآرامية والكنعانية والبابلية والآشورية وغيرها. وتكتب الأمازيغية منذ القديم بحروف خاصة بها تسمى «تيفيناغ»، التي حافظ عليها أمازيغ الصحراء «إموهاغ» أي الطوارق، الذين استقروا في الصحراء التونسية، وتمّ اليوم إحياؤها ومعيرتها حسب الرئيس السابق للجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، الباحث محمّد خلف الله.
حرف متميّزة
يزخر الموروث الثقافي للأمازيغ بعادات وتقاليد فريدة ومتنوّعة، حافظ عليها أمازيغ تونس وطبعتها حرف متميّزة، من بينها فنّ صناعة الفخار وزخرفته بالنقوش والرموز، تجدها على أشكال هندسية مختلفة ومزركشة بأنامل محترفة، تخالها للوهلة الأولى لوحة فنّية تجريدية، ولكنّها في الحقيقة مزينة بالخط الأمازيغي «التيفيناغ» الذي يمثّل سر شهرة هذا النوع من الفخار خاصة في بعض القرى الأمازيغية كـ«قلالة» بجزيرة «جربة» من محافظة «مدنين» بالجنوب الشرقي لتونس، ومحافظة «نابل» بالساحل الشرقي التونسي. ويكتسي هذا النوع من الصناعات الحرفية أهمية كبرى لدى الأمازيغ القدامى، الذين كانوا يستخدمون الأواني الفخارية في وضع الأكلات المفضلة لديهم، خاصة «الكسكسي» و«البركوكش» في صحون تكون في الغالب بنية اللون تسمى «التبسي»، وتقديم الشراب في كؤوس دائرية تسمى «البقراج»، كما لا يستغني الأمازيع عن الفخار في حفظ «العولة» وهي مخزونهم من القمح والشعير والفلفل المجفف وزيت الزيتون في «القلة» أو القلال كبيرة الحجم التي تسمى لديهم «الزير».
طقوس أمازيغية
من العادات والتقاليد الأمازيغية الأخرى المترسخة في التونسيين، يذكر الباحث التراثي فتحي بن معمّر، أن طقوس طلب المطر والمعروفة في مناطق تونسية عديدة باسم «امك طنبو»، هي عبارة عن قطعة خشب في شكل قاطع ومقطوع، يُزينها الأطفال بقطع من القماش ويجوبون بها منازل قريتهم وهم يغنون طلباً لنزول المطر، إضافة إلى الطقوس الأخرى كطقوس الزواج، فالعروس تتجلى في لباسها التقليدي وهي مرصعة بالحلي الأمازيغي واضعة يديها على وجهها، لتكشفه تارة وتخفيه تارة أخرى تجسيداً للآلهة «تانيت» آلهة الخصب والرضاعة التي عبدها الأمازيغ قديماً، باعتبار أنّ العروس ستصبح امرأة مرضعة. ومن المظاهر الأخرى لهذه التمثلات الثقافية الموروثة إلى اليوم، قيم التآزر والتعاون بين الرجال «آريز» والنساء «تماطت» في القرى الأمازيغية التونسية، وهذا التشارك في الفعل الاجتماعي، وتقاسم أعباء الحياة والمهام يسمى لدى أمازيغ تونس «التويزة».
المرأة قيمة مجتمعية
ينظر المجتمع الأمازيغي إلى المرأة بكونها قيمة مجتمعية عالية، فلها مكانة كبيرة في الموروث الثقافي الأمازيغي، خاصة في علاقتها بعائلتها والمجتمع، فالمجتمع الأمازيغي كان مجتمعاً أمومياً بالأساس، فالسلطة الاجتماعية القيمية والأخلاقية، كانت مناطة بعهدة الأم خصيصاً، وهي معادلة أشار إليها الباحث في التراث محمّد خلف الله، تقوم على مبدأ أنّ المرأة حارسة التقاليد والرجل حارس الديار، وهو ما يُوضّح تاريخياً وجود نساء قائدات في المجتمعات الأمازيغية على غرار «الكاهنة». ومن مميزات أمازيغ تونس، مناداتهم الأبناء بأسماء أمهاتهم وينسبونهم إليها، فيقولون هذا ابن فلانة تقديراً لها واحتراماً لدورها في المجتمع.
اللباس التقليدي
دأب أمازيغ تونس إلى اليوم، على المحافظة على تقاليدهم، خاصّة فيما يتعلّق باللّباس الذي توارثه الأبناء عن آبائهم، فصناعة «البلغة» وهي حذاء رجالي صحراوي يتكوّن في جزئه العلوي من جلد الماعز، أمّا الجزء السفلي فغالباً ما يُصنع من نبتة الحلفاء. كما برعت الأمازيغيات في حياكة «البرنوس» و«الوزرة» و«القشابية»، وهي ألبسة رجاليّة تقيهم من البرد والحرّ الشديدين، تصنع من صوف الخرفان أو وبر الماعز بعد موسم الجز. وما زالت النساء الأمازيغيات يضعن «البخنوق» وهو غطاء صوفي يوضع على الرأس لينسدل ويخفي نصف الجسم العلوي تقريباً، كما أنهن ما زلن يلبسن «الملحفة» أو «الملية» وهي عبارة عن قماش مزيّن بألوان مختلفة تتلحف به المرأة، وتشدّه بحزام من خيوط صوفية بيضاء وسوداء اللون على مستوى الخصر.