د. شما محمد بن خالد آل نهيان 10 يناير 2019
عند بداية عام جديد يمتلئ الفضاء الإلكتروني بالملايين من التغريدات، التي تحمل فيها الكثير من المشاعر الإنسانية المتباينة والمتعددة، التي تعبر عن وجدان وثقافة من يكتبها. وأحياناً يحمل تجارب ذاتية تعكس على التغريدات كنيتها. عند جولتي مبحرة في تلك التغريدات والتهاني، توقفت عند تغريدة جاء في مضمونها أن هناك اختلافاً في التهنئة بين الفقير وكبار القوم، وأن تهنئة المثقفين لكبار القوم فيها انتقاص من كرامة المهنئين. وهنا شعرت بدهشة كيف يمكن أن نشكل حالة من التمييز الطبقي في المجتمع؟ تذكرت ذلك الإحساس الذي لازمني فترة من الزمن وهو (أن مقتدر الحال لا يشعر بمن هو أقل وضعاً منه) وأننا لا بد من محاربته والقضاء عليه ليس إلا لأنه في وضع أفضل.
أجد أن أكثر قصص الأطفال تأخذ هذا المنحى، وأندهش لماذا نزرع في تلك العقول البريئة هذه المفاهيم الطبقية، التي تغرس فيهم بذرة الشعور بالتمايز الطبقي بين الناس، لمجرد أن هناك من هو مقتدر ومن هو أقل منه، بالتأكيد هناك معاناة في بعض المجتمعات التي يفرز واقع معيشتها مثل هذا التمايز، لكن ننسى دائماً أننا في النهاية بشر والنفوس النقية نجدها في كل الطبقات الإنسانية والنفوس المعتلة، أيضاً نجدها في كل الطبقات الإنسانية. لقد كنت أتوقع أن مثل هذه القصص باب قد أغلق، لما أصاب الحياة من تطور وتزايد الوعي والثقافة في المجتمعات وانفتاح العالم على بعضه من خلال شبكات الإنترنت.
المؤلم عندما يأتي من يفرز الناس حتى في التهنئة بالعيد، الذي هو لجميع البشرية. التهنئة هي المحبة والهدف المشترك للجميع لكل البشر لا للفقير أو كبار القوم. إننا شركاء في الإنسانية. والمحبة لا تفرز حسب المعتقد والوضع الاجتماعي، فنحن نتساوى حين نتألم ونتساوى عندما نفرح وعندما نضحك وعندما نتحدث وعندما نأكل وعندما نصلي. وحين نعيش علاقة إنسانية لا نبحث عن التوافق الطبقي بقدر ما نبحث عن التوافق الإنساني والثقافي والأخلاقي، تلك هي التوافقات التي تجمعنا جميعاً نحن البشر الذين نعيش على الأرض نفسها وتحت السماء نفسها.
دعونا لا نُحمل أجيالنا القادمة تلك المفاهيم المخبأة في هذه القصص، التي تفرزنا في تصانيف طبقية وكلمات بسيطة من أحد المثقفين الذين يشكلون وعي الشباب، تحمل فيها مثل تلك المفاهيم فنزرع بذور الصراع بين أفراد المجتمع الواحد بمجرد كلمات بسيطة تكون قاسية تطفئ فينا نور بعض القيم الإنسانية الراقية التي تجمعنا معاً.
نحن في عام التسامح، أدعو للمزيد من التسامح والتوافق والمحبة بين جميع البشر لنكون حقاً شركاء في الإنسانية.