#صحة
د. سعاد محمد المرزوقي 5 نوفمبر 2018
ازدادت مؤخراً المشكلات في العلاقات الإنسانية، وبالذات التعلق، وفي الارتباط يكون الحب والقبول والتعاطف والإحسان والاحترام، وكل الجوانب العاطفية والمشاعر، حتى تستمر العلاقة. ولكننا بدأنا نلاحظ الكثير من التناقضات والأنانية واللوم، فعندما يقرر أحدهم الرحيل، قد يفاجأ بتمسك الطرف الآخر، على الرغم من أنه لا يوجد وفاق. وفي حالات أخرى نرى الخوف من الارتباط، وعدم تحمل المسؤولية، والتوتر من الاستمرارية في العلاقة، وقد نرى عدداً من الأشخاص يفضلون الوحدة على الارتباط، ليس من باب المسؤولية، ولكن لخوفهم من الارتباط في حد ذاته، كيف نفسر ذلك؟
منذ الولادة يحتاج الطفل إلى حضن دافئ، ويحتاج إلى شخص يرتبط ويتعلق به، ليشعر بالأمان وبالقبول وبالعطف، وهي من متطلبات الحياة الرئيسية لتكوين شخصية سوية خالية من المشاكل النفسية والجسدية. وسيعزز لدينا ذلك بالقدرة على مواجهة العالم، وما يملؤه من صعوبات وصراعات، قد تكون أقوى من قدرتنا على مواجهتها، ولكن هذا الارتباط يقي ويعزز كياننا الإنساني، ويجعلنا قادرين على المواجهة.
أهمية الارتباط
معظم الدراسات النفسية تؤكد أهمية الارتباط بين الطفل ووالديه في السنوات الأولى، وتحديداً من عمر السنتين، فإذا شعر بالأمان، وإن تعرض للخوف، فهو يعلم جيداً بأن هناك ارتباطاً وثيقاً سيحميه، وفي إمكانه العودة لذاك الحضن الذي يشعره بالأمان في طفولته، ويبقى ذاك الشعور ببداخله طوال العمر، وإن حُرِم من ذلك سيفقد الثقة بنفسه؛ لأنه غير واثق بوجود الشخص الذي سيسانده ليطمئن وهو بين يديه.
عندما يفتقد الفرد الشعور بالأمن النفسي من خلال التعلق، سيتعمق بالظلام القابع بداخله، وسيشعر بالخوف والتوتر، فيلجأ للتعاطي أو التصادم مع الآخرين على سبيل المثال، وقد يبقى وحيداً مضطرباً قلقاً، وليس لديه القدرة على تجاوز التناقضات أو الانطوائية والتخبط. لهذا فوجود الأم والأب ضروري في السنوات الأولى، ليس جسدياً فحسب،
بل بالتحاور والاحتضان والعلاقة الجسدية واللفظية والنفسية، فجميعها مهمة جداً لحماية أطفالهم، ليس في مرحلة الطفولة فقط، بل عندما يصلون لعمر النضج كامرأة ورجل.
بدأنا مؤخراً نرى الأطفال والمراهقين والراشدين، وهم متعلقون بالحيوانات الأليفة، حيث يحتضنونها، ويقضون معظم أوقاتهم بصحبتها، وحتى في أوقات النوم. وعندما نلاحظ معظم هؤلاء، نجد بأنهم يحتاجون إلى الأمان والصداقات والتعاطف، وعندما نتابع حياتهم منذ الطفولة، سنجد بأن بعضهم مهملون من قبل الوالدين، أو عاشوا أوضاعاً أسرية يسودها التوتر والمشاكل الأسرية، وقد تصل للعنف والقسوة. وعلى الصعيد الآخر نلاحظ بأنهم يعانون توتر العلاقات الإنسانية والاجتماعية.
الرضا عن الذات
الطفل الذي يعيش بين والدين يشعرانه بالحب والأمان، يتحاوران معه، ويقضون أوقاتاً مليئة بالضحك واللعب والقبول، تراه أكثر استقراراً، يقدر نفسه بشكل جيد، قادراً على مواجهة الأمور، ولديه القدرة على التعامل مع متطلبات الحياة، علاقاته مع الآخرين جيدة، يستطيع تكوين الصداقات منذ رياض الأطفال، متفائلاً، ويثق بنفسه.
أما الطفل الذي يبعث رسائل ليلفت انتباه والديه طالباً الارتباط والاهتمام، ويبكي دائماً كسلاح للاهتمام، يطلب التحاور والنظر للأعين من خلال تلفيق القصص والحكايات غير المنطقية؛ ليلفت النظر ويبحث عن الاهتمام، هو ذاك الذي يقضي قليلاً من الوقت مع أمه تحديداً باحثاً عن الارتباط.
لكن الطفل الذي يعيش في عائلة قاسية وصارمة، أو تمارس الحماية الزائدة، ولا تترك للطفل فرصة للتحرك في مساحته، وقد تملي عليه الأوامر من دون الالتفات لملامح وجهه ونظرة عينيه، سيكون غير راضٍ عن ذاته، ويتجنب الارتباط والحب، متوتراً، وقد يصاب في تقدمه بالعمر، بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والقلق. ولكم الخيار.
استشارة
• منذ سنتين توفيت صديقتي بحادث سيارة، وأصبحت بعدها أعاني بعض الأعراض النفسية، ونصحني أهلي أن أذهب لطبيب نفسي، طلب مني تناول بعض الأدوية لأنني أعاني نوبات الهلع، ولكن للأسف سببت لي هذه الأدوية بعض المشاكل، مثل النوم الزائد وزيادة الوزن، وطلبت مني إحدى صديقاتي زيارة أخصائي نفسي آخر، وبالفعل ذهبت لأحدهم، وطلب مني التوقف فوراً عن تناول الأدوية، وبدأ بتقنيات البرمجة العصبية والطاقة، شعرت بعدها بأنني أفضل، ولكن الآن ازدادت الأعراض، ولا أدري ماذا أفعل.
نوبات الهلع تحتاج إلى أدوية نفسية ولعلاج نفسي معاً، وكان عليك مراجعة الدكتور. بالنسبة إلى الأعراض الجانبية للدواء، فقد تكون الجرعة قوية، وعندها يستطيع التحكم بها، أما علاج نوبات الهلع بالبرمجة العصبية والطاقة، فهذا غير مجدٍ، وأرجو أن تتأكدي بأن الشخص الذي ذهبت إليه ثانية غير متخصص وغير مهني، لا يوجد علاج بالطاقة للاضطرابات النفسية، ولا بالبرمجة العصبية، لذا أرجو أن تزوري أخصائياً نفسياً اكلينيكياً، أو اطلبي من الطبيب النفسي تحويلك لأخصائي مرخص.