#صحة
سارة سمير اليوم
انتشرت ثقافة «الغطس البارد» بكثرة، خلال الفترة الأخيرة، لما تحمله من فوائد عدة؛ لتحسين الصحة النفسية والجسدية.
ويعد «الغوص البارد» طريقة لغمر الجسم في الماء المُثلج لفترات قصيرة، ولها جذور في الممارسات القديمة، لكن الآن يُعترف بها كتقنية صحية حديثة. ومع استمرار البحث العلمي في استكشاف آثاره، وجد الكثيرون أن «الغوص البارد» قد يكون مفتاحاً لتعزيز الحيوية البدنية، والرفاهية العقلية.
تأثير «الغوص البارد» في الصحة الجسدية:
يعد التعرض المباشر للماء المُثلج واحدة من أهم عمليات الشفاء الطبيعية للجسم، فعند الغمر في الماء البارد، يتعرض الجسم لشكل خفيف من الإجهاد، ما يتسبب في انقباض الأوعية الدموية، وهذا يساعد على طرد السموم، وتقليل الالتهاب، وتحفيز الجهاز المناعي، لهذا يستخدم العديد من الرياضيين هذه التقنية كأداة للتعافي بعد التدريبات المكثفة، حيث يمكن للبرودة أن تقلل آلام العضلات، وتسرع التئام التمزقات الدقيقة في العضلات.
ومن المعروف أن التعرض للبرد يزيد إنتاج الجسم للأنسجة الدهنية البنية (BAT)، أو الدهون الجيدة التي تحرق السعرات الحرارية لتوليد الحرارة، كما تساعد هذه العملية في تنظيم درجة حرارة الجسم، وتحسين التمثيل الغذائي، وبالتالي إدارة الوزن من خلال تعزيز حرق السعرات الحرارية، ومعدل التمثيل الغذائي الإجمالي. وبمرور الوقت يصبح الجسم أكثر كفاءة في إدارة الطاقة، ما يؤدي إلى تحسين القدرة على التحمل البدني، والحيوية العامة.
الصحة العقلية.. و«الغطس البارد»:
بينما أصبحت الفوائد الجسدية للغطس البارد موثقة جيداً، فإن فوائده للصحة العقلية مثيرة للإعجاب بنفس القدر، إذ وُجد أن التعرض للبرد له تأثير عميق على تنظيم الحالة المزاجية، ومقاومة الإجهاد، والوضوح العقلي.
وإحدى الآليات الرئيسية وراء هذه التأثيرات هي تنشيط الجهاز العصبي الودي في الجسم، فالانغماس في الماء البارد يحفز إطلاق «الإندورفين»؛ هرمون «الشعور بالسعادة» الطبيعي في الجسم، ما يؤدي إلى تحسن الحالة المزاجية، والشعور بالفرح.
بالإضافة إلى «الإندورفين»، يقلل «الغوص البارد» بشكل كبير أعراض القلق والاكتئاب. وقد أظهرت الدراسات أن التعرض للبرد ينشط إنتاج «النورإبينفرين»؛ الناقل العصبي الذي يلعب دوراً حاسماً في قدرة الجسم على الاستجابة للتوتر. ومن خلال المشاركة بانتظام في «الغوص البارد»، قد يختبر الأفراد قدرة أكبر على الصمود في مواجهة التوتر، وتعزيز الاستقرار العاطفي، وقد تعمل صدمة الماء البارد كنوع من «إعادة الضبط»، ما يسمح للعقل بالتركيز، وشحذ الوضوح العقلي.
علاوة على ذلك، يساهم «الغوص البارد» في تحسين جودة النوم، ويشير انخفاض درجة حرارة الجسم بعد «الغطس البارد» إلى الدماغ بأن الوقت قد حان للراحة، ما يؤدي إلى بداية نوم أسرع وراحة أعمق، ولأن النوم يؤثر في الحفاظ على الوظيفة الإدراكية والرفاهية العاطفية، فلا يمكن التقليل من فوائد التعرض للبرد في هذا المجال.
تعزيز الاتصال بين العقل والجسد:
يوفر «الغوص البارد» فرصة فريدة لتنمية اتصال أعمق بين العقل والجسد، ويتطلب فعل الدخول في الماء المتجمد التركيز الشديد وضبط النفس، ما يدفع الأفراد إلى الوجود في اللحظة، ويعزز جانب اليقظة هذا من «الغوص البارد» الوضوح العقلي، والتنظيم العاطفي، فمع تكيف الجسم مع ضغوط التعرض للبرد، قد يطور الأفراد قدرة أكبر على تحمل الانزعاج، وزيادة الشعور بالقوة الداخلية.
كما يساعد «الغوص البارد» على إدارة متطلبات الحياة الحديثة، حيث يعتبر الإجهاد المزمن مشكلة واسعة النطاق، ومن خلال المشاركة بانتظام في هذا الشكل من العلاج، يمكن للأفراد تدريب نظامهم العصبي؛ ليصبح أكثر قدرة على التكيف والمرونة في مواجهة ضغوط الحياة اليومية، وهذا بدوره يزيد الشعور بالرفاهية، ويحسن القدرة على التعامل مع تحديات الحياة.
دراسات علمية:
أظهرت دراسة، نشرت في مجلة «The Journal of Clinical Investigation»، أن التعرض للبرد ينشط الدهون البنية في الجسم، ما يؤدي إلى زيادة حرق السعرات الحرارية والدهون، بالإضافة إلى ذلك ثبت أن التعرض للبرد يقلل علامات الالتهاب، التي ترتبط بمجموعة متنوعة من الأمراض المزمنة.
وقد سلطت أبحاث أخرى الضوء على دور الغمر بالماء البارد في تحسين الحالة المزاجية والصحة العقلية، فقد وجدت دراسة، أجريت عام 2008، ونشرت في المجلة الدولية للصحة القطبية، أن التعرض للبرد أدى إلى انخفاض في أعراض القلق والاكتئاب، ويرجع ذلك على الأرجح إلى زيادة إفراز «النورادرينالين»، و«الإندورفين». وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث؛ لفهم التأثيرات الطويلة الأمد للغوص البارد بشكل كامل، فإن النتائج الأولية واعدة.