#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري الأحد 9 فبراير 14:00
حينما تمر بجانب أعمالها الفنية في أي معرض، لا يمكنك إلا أن تتوقف للحظة، مأخوذاً بجمال التفاصيل التي ترويها المنحوتات بين يديها، ناظراً إلى قدرتها الاستثنائية على تطويع الصلصال، وجعل مكعباته تنبض بالحياة، وكأن أعمالها تتحدث إليك.. الفنانة النحاتة إيمان الهاشمي، التي لم تكتفِ بالبقاء بين جدران الاستوديو الخاص بها في الشارقة، فاختارت أن تنقل شغفها إلى قاعات التدريس بجامعة الشارقة، إلى جانب تقديم ورش العمل في مركز الجليلة للطفل بدبي، ومؤسسات أخرى في أبوظبي. وفي هذا العدد من «زهرة الخليج»، نقترب أكثر؛ لنغوص في عوالمها الفنية.. في هذا الحوار:
-
إيمان الهاشمي: «النحت» نافذة على الذات والمجتمع
روح فنية.. منذ الطفولة
ككل الأطفال، كانت لإيمان علاقة مع الفن منذ صغرها، والبداية كانت مع الرسم، ثم تطورت إلى قص ولصق الصور، وصناعة لوحاتها الفريدة، حاملة روحها الفنية معها في كل مراحل حياتها. وعن هذه البدايات، تخبرنا: «في الطفولة، كنت - كبقية الأطفال - أمارس الرسم، ثم عرفت (الفوتوشوب)، وصممت عليه أعمالي، كانت لديَّ الهواية، لكنها ليست بداية مسيرتي الفنية. حينما انتسبت إلى الجامعة، كانت لديَّ الرغبة في دراسة (الهندسة المعمارية). وفي السنة التجريبية الأولى درست الفنون لفصل واحد، ورأيت أن أكمل مسيرتي العلمية فيها. أحب الرسم، حتى إنني في طفولتي، بدلاً من شراء الألعاب، كنت أصنعها من خلال طباعة الشخصيات، وتجليدها، وأمارس فن (الكرافت)، وغيره. الآن، صار عندي وعي أكبر بالفنون، ويمكن رؤية (الهندسة) في جانبها العلمي، رغم عدم دراستها أكاديمياً، خاصة في شغفي بالعمارة».
اختيار النحت
لماذا النحت بالذات؟.. رغم أن إيمان كانت محبة للرسم في طفولتها، لكنها اتجهت إلى مجال النحت في أكثر أعمالها، مبتعدة عن الرسم على الكانفاس.. توضح: «أرسم أيضاً، وأصنع أعمالاً خارج نطاق السيراميك، لكنني لا أرسم اللوحات الكبيرة. أرغب - بين حين وآخر - في الرسم، لكنني لا أحب الكانفاس؛ لكنه إذا لم يكن مثبتاً على خشبٍ، فيمكنني الرسم عليه. كما أحب اللعب على المساحات الفنية، والرسم بالنسبة لي مقيّد بالمربع، أو بالشكل الذي تثبت عليه قطعة الكانفاس، وأنا أحب أن تكون لديَّ حريتي في المساحة التي أعمل عليها، كما أحب أن تكون أعمالي خارجة عن المألوف؛ لتمنح الناظر مجالاً للتفكير فيها بشكل أكبر، من أي جهة ينظر إليها».
تعليم الفن
يعد تعليم الفن، بالنسبة لإيمان الهاشمي، فرصة للتعلم كذلك؛ فهي ترافق - في مسيرتها التعليمية - أجيالاً مختلفة، ولكل جيل نظرته الفنية، واختلافه المناسب لعصره، كما لم تكتفِ بالتدريس في الجامعة، فبين حين وآخر نجد لها ورشة عمل في مؤسسة ما، تمنح من خلالها معرفتها، وتحصل على معرفة جديدة. عن ممارستها لتعليم الفن، تحدثنا: «في أحيان كثيرة، أشعر بأن الفنان يرغب فقط في أن يقضي وقته بالاستوديو الخاص به، لكنني أرى أنه من المهم أن يخرج إلى الناس، ويقضي وقته معهم. والتعليم يجبرني على الخروج من الاستوديو، كما أرى أن كل جيل يختلف عن غيره، فكما أعلم هؤلاء أتعلم منهم؛ فالتعليم فرصة للإفادة والاستفادة من الأجيال الجديدة. حينما عملت، للمرة الأولى، مُدرسةً في مركز الجليلة، لم أتوقع أنني سأستمر في هذا المجال لمدة طويلة. لكنني بعد التجربة، أحببت التعليم، للكبار والصغار، فكل فئة تعلمني شيئاً مختلفاً».
-
إيمان الهاشمي: «النحت» نافذة على الذات والمجتمع
هوية خاصة
«نعم.. هذا العمل ينتمي إلى إيمان الهاشمي».. من يشاهد أعمال إيمان يدرك، فوراً، أنها صاحبة بصمة واضحة وهوية فنية متفردة؛ فهي تقول عن رحلتها لصناعة هذه الهوية: «صناعة الهوية الخاصة بي كفنانة، بالتأكيد أخذت مني وقتاً طويلاً. أرى أن أعمالي تظل فترةً معينة سائرة على الأسلوب نفسه، ثم تتغير بعد مدة. فأنا أحب التغيير، وأحرص على أن تكون أعمالي مثيرة للحماسة والتجديد في أعين المتلقين. مثلاً في عملي (انتظار الفناجين)، الذي عرضته مؤخراً في (فن أبوظبي)، قمت بتعديله بما يتناسب مع مساحة العرض، ما أضاف إليه أبعاداً مختلفة؛ فقد شاركت به سابقاً في معرضين، وكان التغيير مناسباً للمساحة الممنوحة للعمل في المعرض. أشعر بأن العمل، حتى وإن كان حراً في الشكل، إلا أنه كذلك يعكس هوية الفنان، قاصداً أم لا، وحتى لو اختلفت وجهة نظر المتلقي له، فكل متلقٍّ ينظر إلى العمل من زاوية ثقافته وهويته الشخصية، لكن - في النهاية - العمل انعكاس لهوية الفنان. في بدايتي، حينما كنت أدرس (الفنون الجميلة)، كانت دراستنا في أغلبها متعلقة بالفن الغربي، وكنت أركز على الفنون الغربية التي درسناها في الجامعة، لكن لاحقاً شعرت بالحاجة إلى تقديم أعمال تعكس هويتي الثقافية. لقد أردت أن أكون مميزة، وأن أتوقف عن استلهام الأفكار من الخارج؛ لتجسيد بيئتي في أعمالي».
طقوس فنية
لكل مبدع طقوسه الخاصة عند إنتاج أعماله، وإيمان الهاشمي ليست بعيدةً عن هذه المساحة، فتسرد لنا كيف اختارت مكان الاستوديو الخاص بها بعناية، وطقوسها الخاصة بإنتاج الأعمال، قائلة: «أحاول - قدر الإمكان - العمل بشكل يومي، واخترت استوديو قريباً من الجامعة حيث أعمل، إذ يبعد عنها خمس دقائق فقط، لأتمكن من العمل يومياً. ليست لديَّ طقوس خاصة، فأنا أحب الشمس، والعمل تحت إضاءتها، وبحثت عن استوديو يلبي هذه الرغبة، وكانت إطلالته على الشارع كما أحب؛ لتمنحني القدرة على تأمل الحياة، فحتى في الأيام التي لا أشعر فيها بالرغبة في العمل، أجلس لتأمل ما يحدث في الشارع، وأستلهم أفكاري من تفاصيل الحياة اليومية.. فالنحت نافذة على الذات، والمجتمع».