#منوعات
زهرة الخليج اليوم
مع اقتراب اكتمال المنطقة الثقافية في السعديات، أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم؛ تتصاعد الوتيرة، ويتزايد الزخم والعزم، وتتواصل الجهود إسهاماً في ترسيخ مكانة المنطقة بأسرها كقوةٍ ثقافيةٍ عالميةٍ، وذلك عند انضمام متحف زايد الوطني، ومتحف التاريخ الطبيعي في أبوظبي، و«تيم لاب فينومينا أبوظبي»، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، إلى متحف اللوفر أبوظبي، و«بيركلي أبوظبي»، ومنارة السعديات.
ويرمز هذا التّقارب بين المؤسسات إلى التزام أبوظبي بالتنوّع الثقافي، وإيمانها بالقوّة التحويلية للثقافة وللفكر الإبداعي. والمنطقة الثقافية في السعديات ليست مجرّد مركزٍ للفن والتراث فحسب، بل منصة لإلهام الجيل القادم من قادة الثقافة، خاصة الشابات الإماراتيات، اللاتي يشكّلن السرديات والروايات، ويشاركن «قصّة أبوظبي» مع العالم.
وتحتضن المنطقة الثقافية في السعديات عجائب معمارية وهندسية مميّزة، وتُثبت الشابات المحترفات، ومنهن: مريم الظاهري، ومي المنصوري، وفاطمة الحمادي، أنّ القطاع الثقافي مليءٌ بالفرص والإبداعات.
ولا يقتصر عملهنّ على تنظيم المعارض، أو اكتشاف القطع الأثرية فحسب، بل يتعلق الأمر، أيضاً، بربط التّراث الغني لدولة الإمارات بمستقبلٍ يغمره الإبداع والتعاون العالمي.
مريم الظاهري: متحف اللوفر أبوظبي جزء من هويتي
لعبت مريم الظاهري، أمين مساعد في متحف اللوفر أبوظبي، دوراً محورياً في سرد القصص الثقافية منذ انضمامها إلى المتحف عام 2015.. تقول الظاهري: «إنّ استكشاف الماضي هو شغفٌ شخصيّ ومهني»، وتضيف: «كوني نصف إماراتية ونصف فرنسية، فقد نشأتُ وأنا أزور متحف اللوفر في باريس أثناء زيارة جدتي. إنّه امتيازٌ عميق أن أكون جزءًا من قصة متحف اللوفر أبوظبي، فأشعر بأنّ المتحف جزء من هويتي».
وساعدت الظاهري في تقديم معارض خاصة، تمزج - بسلاسةٍ - التراث المحليّ بالتاريخ العالمي، كما حملها عملها المختص بالآثار إلى مواقع التّنقيب في جميع أنحاء دولة الإمارات، وخارجها، ما يؤكد التزامها بتسليط الضوء على التاريخ الغني، والمساهمة في الحفاظ عليه، لضمان استدامته للأجيال القادمة.
وتقول الظاهري: «يعمل متحف اللوفر أبوظبي على تمكين الشباب الإماراتي من بناء مساراتٍ مهنية في الصناعات الثقافية، وبهذا يكون قد حقّق مهمّته ومهمة المنطقة الثقافية في السعديات، التي تقوم على تعزيز المعرفة، والإبداع، والتبادل الثقافي».
مي المنصوري: ثراء تاريخنا الثقافي مفتاح مستقبلنا
تخرّجت مي المنصوري في جامعة زايد بأبوظبي عام 2017، بدرجة البكالوريوس في الدراسات الإماراتية، في نفس العام، الذي تم الكشف فيه عن «لؤلؤة أبوظبي». وتُعتبر هذه الجوهرة الوردية الصغيرة أقدم لؤلؤة طبيعية تمّ اكتشافها على الإطلاق، ويبلغ عمرها 8000 عام، وهي أقدم دليلٍ على تجارة اللؤلؤ في المنطقة. وأصبحت المنصوري، الآن، جزءًا من الفريق القيّم في متحف زايد الوطني حيث سيتمّ عرض «اللؤلؤة» بشكلٍ دائم، وتعتبر المعرض الثمين رمزًا للفخر الوطني. وتوضح المنصوري: «تراثنا غنيّ بشكلٍ لا يصدّق، وكلما تعلّمنا المزيد عن ماضينا أصبحنا أكثر استعدادًا؛ لتشكيل ورسم مستقبلنا»، وتضيف: «من المهم جدًا أن يفهم الجيل القادم من أين أتينا، حتى يتمكن من حمل إرث الابتكار والوحدة والاستدامة، الذي تصوّره المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه».
ومؤخرًا، شاركت المنصوري في اكتشافٍ غير عادي، عندما نجح خبراء المتحف في إظهار نص قرآني، تحت طبقة زخرفية من ورق الذهب على صفحة من صفحات المصحف الأزرق، ويعود تاريخها إلى 800 - 900 بعد الميلاد، ويشتهر بصفحاته العميقة المصبوغة باللون الأزرق، والخطّ الكوفيّ الذهبي. وعندما يفتح متحف زايد الوطني أبوابه للزوار، سيتمّ عرض 5 صفحاتٍ من بين 100 صفحة متبقية. وباستخدام التصوير المتعدّد الأطياف، تمكّن الباحثون من تحديد نصٍّ من سورة النساء، كان محجوبًا بأنماطٍ معقّدة من أوراق الذهب.. تقول المنصوري: «إنّ البحث الرائد الذي أجراه متحف زايد الوطني حول القرآن الأزرق، يلقي ضوءًا جديدًا على أصول وإنتاج هذه المخطوطة المهمة، ويؤكّد دور المتحف في الحياة الثقافية والأكاديمية بدولة الإمارات، وخارجها».
فاطمة الحمادي: المرأة الإماراتية حارسة التراث وصانعة المستقبل
فاطمة الحمادي، أمينة متحف زايد الوطني، تعمل جاهدةً لضمان أن تكون قصص النساء الإماراتيات في صلب السّرد القصصي للتاريخ الشفوي للمتحف. ولأكثر من عام، سافرت الحمادي عبر الإمارات، من جبال الحجر الوعرة إلى القرى الساحلية النائية، لتكشف عن قصصٍ أصيلة من الحياة الإماراتية، التي عاشها وتذكّرها الناس، أو تلك التي تناقلتها الأجيال.
وتشرح الحمادي: «لطالما لعبت النساء الإماراتيات دورًا أساسيًا وديناميكيًا داخل مجتمعاتهن. فعندما شرع أسلافنا في رحلات الغوص الطويلة؛ للبحث عن اللؤلؤ أو الرحلات التجارية، بقيت الأمهات في المنازل لإدارة الأسر، وتربية العائلات. وفي بعض الحالات، عملن أيضًا كمعالجاتٍ باستخدام الأعشاب الطبيّة المحليّة. واليوم، تتفوّق النساء الإماراتيات محلياً ودولياً، لكن يبقى أساس قيادتهن راسخاً ومتجذّراً بقوةٍ في هذا الإرث التاريخي».
ومن خلال البحث الدؤوب والدقيق، تضمن الحمادي أن تشكّل هذه الروايات حجر الزاوية في مهمة متحف زايد الوطني؛ لتقديم رواية شاملة عن تاريخ دولة الإمارات.
ومع استمرار تطوّر وازدهار المنطقة الثقافية في السعديات، تتاح الفرصة أمام النساء الإماراتيات للقيادة والابتكار والإلهام. وبالنسبة لهذا الجيل الرائد، فإن المنطقة الثقافية في السعديات منصة لتحقيق الأحلام الجريئة، والحفاظ على الماضي، وتشكيل مشهد الدولة الثقافي للأجيال القادمة.