#تغذية وريجيم
كارمن العسيلي اليوم
في حيّ صغير، كانت «ليلى» تراقب - بصمت - كيف تنهار صحة المحيطات بها، واحدة تلو أخرى. فجارتها مصابة بارتفاع ضغط الدم، وزميلتها في العمل تصارع «السكري»، وأختها تعاني «الإرهاق المزمن» بسبب سوء التغذية. شعرت «ليلى» بأنها في معركة خفيّة ضد الأمراض، حيث يسقط الجميع تحت وطأتها. تساءلت «ليلى»: كيف لها أن تحمي نفسها من هذا المصير؟.. وكيف تحافظ على إشراقتها وطاقتها، ونوعية حياتها، وسط كل هذه التحديات؟.. ولأنه في شهر يناير يتم الاحتفاء باليوم العالمي لنوعية الحياة؛ كان لنا لقاء مع الدكتورة أماني محمود الصبان، طبيب ممارس عام في «ميديكلينيك بني ياس»؛ للحديث عن الأساليب الفعالة؛ للوقاية من الأمراض، وتحقيق نوعية حياة أفضل.. تطرق الحوار إلى محاور عدة، أبرزها: التحديات الصحية التي تواجه المجتمعات اليوم، وأهمية الفحوص الدورية، ودور التكنولوجيا الحديثة في تحسين الرعاية الصحية.
استهلت الدكتورة أماني، حديثها، بالتأكيد على أن الصحة العامة عبارة عن توازن جسدي ونفسي واجتماعي، يمكّن الأفراد من عيش حياتهم بأفضل شكل ممكن، وهي أمر حيوي جداً، خاصة في ظل ظهور العديد من الأمراض المعدية، التي تتطلب وعياً أكبر من الجميع، فتقول: «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى»، مشيرة إلى أن الوعي الصحي، والوقاية، مفتاحان أساسيان لحياة مستدامة.
تحديات صحية شائعة
سألناها عن أبرز المشاكل الصحية الشائعة، التي يشكوها الأفراد، فأوضحت أن هناك ثلاث فئات رئيسية: الأولى: الأمراض المزمنة، مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وتستدعي اهتمامًا مستمرًا بأسلوب حياة صحي. الثانية: الأمراض النفسية، مثل: الاكتئاب والقلق، وقد زاد انتشارها في ظل الضغوط اليومية، ويمكن علاجها بوسائل متعددة كالأدوية. الثالثة: الأمراض المعدية، مثل: فيروس «كورونا»، والإنفلونزا، وتنتقل بسرعة، وتستدعي وعيًا أكبر بالنظافة الشخصية والتطعيم، وتضيف: «أحد أبرز التحديات الصحية، التي تواجهنا اليوم، هو السرطان، الذي لا يزال يشكل عبئًا صحيًا عالميًا، ولكنه أيضًا يدعو إلى التكاتف؛ للتوعية بأهمية الكشف المبكر، والعلاج الفعّال».
خطوات نحو الوقاية
وعن التغييرات الأساسية في نمط الحياة، التي يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً في الوقاية من الأمراض، تقول الطبيبة أماني: إن النشاط البدني يتصدر قائمة التغييرات المطلوبة، يليه اتباع نظام غذائي غني بالفيتامينات، والمواد المغذية، وتجنب مصادر التوتر، مع التأكيد على ضرورة النوم الجيد، فهذه العناصر كلها تساعد في تقليل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وتعزيز المناعة، مشيرة إلى أنه من أجل تحسين رفاهيتنا العامة، يتطلب الأمر شرب الماء بانتظام؛ للحفاظ على وظائف الجسم، وأخذ فترات راحة قصيرة أثناء العمل لتقليل التوتر، وتقليل وقت الشاشات. وتتابع: إن الإنسان يحتاج من أجل عيش حياة متوازنة وصحية، بشكل عام، إلى اتباع نمط صحي، يركز على التغذية المتوازنة، والرياضة، والابتعاد عن العادات السيئة كالتدخين، مضيفة أنه من الضروري، أيضاً، الموازنة بين العمل والحياة الشخصية، وتقدير الهوايات، والعلاقات الاجتماعية الصحية؛ لتقليص المشاعر السلبية.
وفي ما يتعلق بالعناصر الغذائية الأساسية، التي يجب أن يتضمنها النظام الغذائي الصحي، تفيد الطبيبة أماني بأن الغذاء المتوازن يتطلب وجود: البروتينات، والدهون الصحية، والألياف، والفيتامينات، والمعادن. فالبروتينات، بحسب ما تشرح الطبيبة، تلعب دورًا حيويًا في بناء خلايا الجسم، بينما تساهم الدهون الصحية في تعزيز صحة القلب. بالإضافة إلى ذلك، تعد الألياف ضرورية لتحسين عملية الهضم، والفيتامينات ضرورية لعمليات متنوعة في الجسم. وتشدد الطبيبة أماني على أنه من أجل تعزيز جهاز المناعة، يجب الاهتمام بالأطعمة الغنية بفيتامين (سي)، والزنك، وتقليل السكر والنشويات، مبينة أن البروبيوتيك، الموجود في الزبادي، له دور كبير في دعم صحة الجهاز الهضمي.
فما العلامات التحذيرية، التي تشير إلى وجود مشكلة صحية؟.. تقول الطبيبة أماني: في حالات الطوارئ، مثل: السكتة الدماغية، والأزمات القلبية، يمكن أن تكون الأعراض ألماً شديداً في الصدر، أو صعوبة في التنفس، أو ضعفاً مفاجئاً في الجسم، وهي مؤشرات تدعو إلى القلق. كما أن التعب غير المبرر، أو تورم الأطراف، قد يستدعيان زيارة الطبيب لتشخيص الحالة الصحية. من هنا، يجب اتخاذ التدابير الصحية الوقائية؛ لتفادي الأسوأ.
وتلخص الطبيبة أماني الصبان هذه التدابير في النقاط التالية:
- الفحص الدوري: يُعتبر من أهم وسائل اكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة، ما يجعل التدخل العلاجي أكثر فاعلية.
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن: يجب أن يكون غنيًا بالبروتينات، والفيتامينات، والمعادن؛ لتعزيز صحة الجسم.
- ممارسة الرياضة بانتظام: تساهم الرياضة في الحفاظ على مستوى لياقة بدنية جيد، ما يقلل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، ويساعد في إدارة الوزن.
- التطعيمات: جزء أساسي من الوقاية، كالتطعيم ضد الإنفلونزا، والتهاب الكبد الوبائي، أو اللقاحات المرتبطة بالسفر إلى ما تصنف بأنها «مناطق ذات مخاطر صحية معينة».
الفحوص الدورية
ما أهمية إجراء الفحوص الطبية الروتينية.. سألناها؛ فأجابت: للحفاظ على الصحة العامة، يُنصح بإجراء الفحوص الطبية سنويًا، وتشمل: قياس ضغط الدم، ومستويات السكر، والكوليسترول، ووظائف الكلى والكبد، والغدة الدرقية. فهذه الفحوص ضرورية؛ لاكتشاف أي مشكلات صحية مبكرًا، وزيادة فرص العلاج. وعند وجود حالات صحية غير مستقرة، يمكن للطبيب توجيه الشخص لإجراء الفحوص بشكل أكثر تكرارًا، مثلاً كل ثلاثة أو أربعة أشهر؛ حتى تستقر القراءات.
البعض يشكون الأمراض؛ رغم اعتقادهم أنهم يتبعون أسلوب حياة صحياً، كيف يمكن تفسير ذلك؟.. تجيب الدكتورة أماني بأن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة المرتبطة بالصحة، وأكثرها رواجاً:
- التمارين المكثفة هي العامل الأساسي لفقدان الوزن، بينما في الواقع تلعب التغذية دورًا أكبر.
- النظام النباتي هو الأكثر صحة، رغم أنه قد يؤدي إلى نقص فيتامينات أساسية؛ إذا لم يُدعم بشكل صحيح.
- ضرورة تجنب الكربوهيدرات تمامًا، مع أنها تعتبر مصدرًا مهمًا للطاقة.
- الاعتماد المفرط على المكملات الغذائية، بدلاً من الحصول على الفيتامينات والمعادن من مصادرها الطبيعية.
- الدهون جميعها ضارة، في حين أن الدهون الصحية، مثل: زيت الزيتون، والأسماك الدهنية ضرورية.
ثورة طبية
ما أحدث تطورات الرعاية الصحية؟.. تشير الدكتورة أماني إلى أن الرعاية الصحية تشهد ثورة حقيقية بدخول تقنيات جديدة، تعزز جودة الخدمات الصحية المقدمة. ومن أبرز هذه التطورات «الطب عن بُعْد» (telemedicine)، الذي يتيح للمرضى إجراء استشارات طبية عبر الهاتف أو الفيديو، ما يسهل الوصول إلى الأطباء، خاصةً في المناطق النائية، كما يوفر الوقت والجهد.
كذلك تساهم الأجهزة الذكية، كالساعات الذكية، في مراقبة مؤشرات حيوية، مثل: ضربات القلب، ومستويات الأكسجين، ما يعزز الوعي الصحي الشخصي. ومن جهة أخرى، تُعد مضخة الإنسولين أداة حيوية، خاصة للأطفال، حيث تسهم في تنظيم مستويات السكر بالدم بشكل يومي.
ومن التطورات المثيرة، أيضًا، «علم الجينوم»، الذي يدرس الجينات البشرية؛ للكشف عن مخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية. فهذه المعرفة تمكن الأطباء من التدخل المبكر لعلاج الأمراض، وأيضًا إمكانية كشف الحالة الصحية للجنين قبل الولادة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر «العلاج بالخلايا الجذعية» أحد الأبعاد الطبية الجديدة، حيث تستخدم خلايا قادرة على التجدد لعلاج العديد من الأمراض.
وأخيرًا، تحظى «الروبوتات» بدور متزايد الأهمية في العمليات الجراحية، حيث تساهم في تحسين دقة الإجراءات، وتقليل المخاطر المرتبطة بالتدخلات الجراحية.. جميع هذه الابتكارات تُظهر كيف أن الرعاية الصحية تتطور نحو المزيد من الكفاءة والفاعلية، ما ينعكس إيجابًا على صحة الأفراد، والمجتمعات.
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . ما فائدة اللقاحات؟
تُعتبر اللقاحات من أهم الوسائل الوقائية في الرعاية الصحية الأولية، حيث تساهم في حماية الأفراد والمجتمع من الأمراض المعدية. بعض هذه اللقاحات تُعطى منذ الولادة، وأخرى بشكل دوري، مثل: تطعيم الإنفلونزا السنوي. وتسهم اللقاحات في بناء مناعة جماعية، ما يقلل ظهور المضاعفات الخطيرة، وبالتالي حماية الأفراد من الإصابة بالأمراض، والحفاظ على نوعية حياة صحية.
2 . هل بالإمكان حماية أنفسنا من نزلات البرد، والإنفلونزا؟
بالتأكيد، يمكن ذلك، ويكفي الالتزام بالنظافة الشخصية، وتجنب الاختلاط بالمصابين بنزلات البرد أو الإنفلونزا. ويُنصح، أيضًا، بالحصول على لقاح الإنفلونزا سنويًا، بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي صحي غني بفيتامين (سي)؛ لتعزيز جهاز المناعة.
3 . كيف يمكن للمصابين بأمراض مزمنة تعزيز جودة حياتهم؟
يمكن تعزيز جودة الحياة، وتحسين النتائج الصحية للأشخاص الذين يعانون الأمراض المزمنة، من خلال إدارة هذه الأمراض، وفق نهج متوازن يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الأولى: الحرص على تناول غذاء متوازن، يحتوي على العناصر الغذائية الضرورية كافة، ما يساهم في تحسين الصحة العامة. الثانية: ممارسة الرياضة بانتظام؛ لأنها تساعد في الحفاظ على الوزن المناسب، وتعزز اللياقة البدنية، ما يقلل مخاطر المضاعفات المرتبطة بالأمراض المزمنة. الثالثة: الالتزام بالعلاج والرعاية الصحية؛ إذ يجب على المرضى تناول الأدوية بانتظام، ومراقبة الأعراض بصفة مستمرة، مثل قياس مستوى السكر في الدم لمرضى «السكري».
4 . هل للضغوط النفسية تأثير في الصحة الجسدية؟
نعم، تؤثر الضغوط النفسية، بشكل كبير، في الصحة الجسدية والنفسية، حيث يمكن أن تسهم في تطور الأمراض المزمنة، وزيادة خطر الاكتئاب والقلق. وللتعامل مع هذه الضغوط، يُنصح بتطوير استراتيجيات، مثل: تخصيص بعض الوقت للاسترخاء، وممارسة الرياضة، والتواصل مع الأصدقاء والعائلة. كما يمكن علاج الضغوط من خلال العلاج النفسي، والاستعانة بمتخصصين؛ للمساعدة في اكتساب مهارات التأقلم.
5 . كيف يمكن التعامل مع الحساسية، والصداع النصفي، وآلام الظهر؟
لفهم كيفية التعامل مع الحساسية، والصداع النصفي، وآلام الظهر؛ يجب أن نبدأ بمعرفة مسبباتها بدقة. أولًا، إذا كنت تعاني أعراض حساسية ولا تعرف المثيرات، فمن المهم الخضوع لاختبارات الحساسية؛ لتحديد الأسباب المحتملة. بعد ذلك، يُنصح بالابتعاد عن المحفزات؛ فإذا كانت لديك حساسية من الغبار، فينبغي عليك تنظيف منزلك بانتظام وإزالة الأتربة. وفي حالة الحساسية الغذائية، تأكد من قراءة ملصقات الأطعمة؛ لتجنب المكونات المسببة للحساسية، مع استشارة طبيب لاستخدام مضادات الحساسية المناسبة. بالنسبة للصداع النصفي، يمكن تقليل هجماته من خلال معرفة محفزاته، مثل: الأطعمة المصنعة، والكافيين، والروائح القوية، فضلًا عن تجنب الضغوط النفسية والإجهاد. كما أن الحصول على قسط كافٍ من النوم، والراحة، أساسيان، ويمكن استخدام مسكنات الألم تحت إشراف طبي كعلاج. أيضًا، ممارسة الرياضة بانتظام تُعد من الاستراتيجيات المهمة؛ لتخفيف أعراض الصداع. أما آلام الظهر والرقبة، فإن الحفاظ على وضعية جسم سليمة أثناء العمل أمر حيوي. وينبغي القيام بتمارين رياضية مناسبة، والحصول على فترات راحة كل 30 دقيقة من الجلوس. وعند حمل الأوزان، يجب ثني الركبتين، واختيار وضعيات نوم مريحة باستخدام وسائد تدعم الرقبة. علاوة على ذلك، تجب إدارة التوتر والإجهاد النفسي؛ لتقليل تأثيرهما في العضلات.