#ثقافة وفنون
ياسمين العطار الأحد 8 ديسمبر 2024 11:30
وجدت الخطاطة الإماراتية، ندى المازمي، ضالتها في عشق الخط العربي، ذلك الفن الذي يحتفي بأصالة الحَرْف، ودقة التركيب، حيث تعيشُ مع كل لوحة خطية من أعمالها حكاية من الانسجام والتعايش، قبل أن تحتل مكانها على جدران المعارض، والمسابقات المحلية والدولية. لم تكتفِ الخطاطة الإماراتية بإبداع أعمال فنية مميزة، بل سعت إلى نشر ما تتعلمه في مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، بين الجيل الجديد؛ لتمنحه فرصة تذوق فن الخط العربي، الذي يزيد انتماءنا إلى هويتنا. وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الذي يأتي في شهر ديسمبر من كل عام، التقت «زهرة الخليج» ندى المازمي، التي أكدت أن دولة الإمارات أولت لغة «الضاد»، والمحافظة عليها، أهمية خاصة، انطلاقاً من إيمانها بحماية الهوية الوطنية، التي تشكل اللغة العربية أحد أبرز مكوناتها؛ فكان هذا الحوار:
حدثينا عن بداية رحلتك الفنية!
لم أدرك، يوماً، أنني أحمل بداخلي شغفاً فنياً؛ فقد كنت دائماً أنسق الألوان في كل شيء حولي، بسهولة ويسر، وبلا وعي. بعد الحصول على البكالوريوس في علوم الأسرة، من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. وأثناء بحثي عن وظيفة، قررت تنمية مهاراتي في مجال دراسي آخر، فالتحقت بمعهد الشارقة للفنون عام 2001، الذي أشعل هذا الشغف الفني بداخلي.
أثر.. ودافع
متى اتجهت إلى فن الخط العربي؟
أثناء دراستي في «المعهد»، زرت معرضاً فنياً لمنتسبي مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة. قبل هذا المعرض كنت أشاهد المخطوطات بشكل عابر، وأعرف أنواع الخطوط العربية كمسميات فقط. لكن اللوحات التي شاهدتها في «المعرض»، تركت في نفسي أثراً ودافعاً لتجربة هذا الفن الجميل. بعدها، انتسبت إلى مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة عام 2002. وكنت، مع كل يوم أقضيه في «المركز»، أزداد تعطشاً لمعرفة المزيد عن هذا النوع من الفنون، حتى يومي الحالي؛ فهذا الفن يجعلني أشعر بأنني في بداية الطريق، وأحتاج إلى مزيد من العلم والمعرفة والممارسة، فهو معين لا ينضب.
من ملهمك في المجال الفني؟
تتلمذت على يد شخصيات رائدة في مجال الخط العربي والزخرفة، لكنّ ملهمي الأول هو الأستاذ محمد النوري، معلمي في مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة منذ 2003، وما زلت أتعلم وأتدرب على يديه؛ فهو موجه بوصلتي الفنية، وملاحظاته تفتح أمامي آفاقاً فنية أكثر اتساعاً. ولا أنسى إصراره على مشاركتي في مسابقة العويس للدراسات والابتكار العلمي عام 2004 (فئة الشباب)، التي كانت أولى مشاركاتي الفنية، وفزت خلالها بالمركز الثاني. كما أنه مشجعي الأول في رحلتي الخطية، ودائماً يحثني على المثابرة، والتعلم، والتجديد. وكذلك، هو من وجهني إلى القيام بدورنا كخطاطين إماراتيين في جمعية الإمارات لفن الخط، بنقل ما تعلمناه إلى الأجيال الجديدة، وأصحاب المواهب، ما حفزني على الحصول على دورات معتمدة في مجال التدريب.
هل واجهتك تحديات خلال مسيرتك، وما رأيك في حضور الخطاط الإماراتي؟
أكبر تحدٍّ تمثل في عامل الوقت؛ فالعمل بالقطاع الخاص لساعات طويلة يأخذ من وقت الخطاط، الذي قد يحتاج إلى أكثر من 10 ساعات؛ لتنفيذ لوحة خطية واحدة. لكن، بتنظيم الوقت والمثابرة، تجاوزت هذا التحدي. الخطاط الإماراتي محظوظ جداً، فالساحة الخطية تشهد معارض ومسابقات خاصة بالإماراتيين، تشرف عليها دوائر ومؤسسات عدة، منها: دائرة الثقافة بالشارقة، وجمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة، ومؤسسة خولة للفن والثقافة، كما نفخر بوجود مسابقة الفجيرة الدولية للخط العربي.
ما أهمية المشاركة في المعارض بالنسبة لكِ؟
المشاركة في المعارض تجعل الفنان يعرف مستواه، ويقارنه بالآخرين. وتعد، أيضاً، فرصة للاطلاع على أفكار الفنانين عن طريق أعمالهم. كما أنها تجعل الفنان يرسم لنفسه خطة لتنفيذ أعماله، قصيرة أو طويلة المدى. ومن أهم المعارض، التي أثرت في رحلتي الفنية: «معرض ملتقى الشارقة للخط العربي، ومعرض مع فريق (الحرف وأنا)، ومعرض خطاطات عربيات (قصر الأمم المتحدة) - جنيف، بتنظيم دار الكتاب العربي».
في أي الخطوط العربية تعمقتِ أكثر؟
اتبعت منهج مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة فتعلمت الخط بتدرج، وبدأت بخط الرقعة، وبعده الديواني، ثم الجلي الديواني، الذي استهواني؛ فدرست «الفرمانات العثمانية»، وخطوط الخطاط العثماني «حليم»؛ فظللت أكتب هذا الخط فقط لمدة 7 سنوات، لم أتعلم خلالها أي خط آخر. وتعلمت، كذلك، حروف الثلث، لكنني لم أتعمق بها. وحالياً، أركز على خط النسخ بشكل أكبر، من خلال كراس هاشم البغدادي، وكراس شوقي، ومصحف حافظ أمين الرشدي. وكذلك، أركز على الخطوط المغاربية، في دراسة ذاتية لحروف خط المبسوط، من خلال مصحف الأستاذ كولين، وقد أتممتها بدراسة الخط المغربي المبسوط في عهد الموحدين مع الأستاذ بدر السيحي. كما أدرس الخطوط القديمة كالخط الكوفي المصحفي، والكوفي القديم.
راحة.. وتوازن
تنوعت دراستك للخطوط العربية، فما الأثر الذي تركته في شخصيتك؟
أصبح لديَّ إيمان كبير بأهمية هذا العمل، وقدرة على الاستمتاع به، وبجمال رؤية الحروف التي أخطها، بمشاعر وقيمة أكبر من المشاركات والمعارض مع أهميتها. يوماً بعد يوم، يزداد تعلقي بالحرف أكثر من الوجود في الملتقيات، وأستمتع برسم اللوحة أكثر من عرضها؛ فالحرف ملاذي، وراحتي، وبه أستعيد توازني.
ما أهمية تعليم الأجيال الجديدة الخط العربي؟
لإقامة الورش الفنية للأطفال، ودروس تحسين الكتابة، أهمية كبيرة. في وقت ما، زرت إحدى المدارس، وأقمت بها ورشة للخط العربي مع الخطاطة فاطمة عبد الرحيم، وكانت عبارة عن عرض لوحات خطية مع كتابة أسماء الطلاب، كان رد فعل الطلاب تجاه اللوحات مليئاً بالفضول والفخر والإعجاب، بعدها حرصت - بشكل متواصل - على تكرار التجربة، فخلال هذه الورش أعرّف الأطفال بالخط العربي، ولوحاتي، وأمنحهم فرصة تذوق هذا النوع من الفن، الذي ينتمي إلى هويتنا، ويمنحنا هذه الثقافة الجميلة، التي تميزنا عن غيرنا.
ما طموحاتك، وأحلامك؟
أتمنى تدريس الخط العربي في المدارس كأحد أنواع الفنون؛ لما يحمله من مُثُل عليا، وأخلاق كريمة، وثقة نابعة من هويتنا. هذا الطموح نابع من حرص دولة الإمارات على النهوض بلغة «الضاد»، وحمايتها من خلال استراتيجية عمل متكاملة، تشرف على تنفيذها جهات عدة؛ لإطلاق مبادرات تصب في مصلحة اللغة العربية، ورفع شأنها، إقليمياً ودولياً.
يزين شهر ديسمبر الاحتفال بذكرى عيد الاتحاد الـ53.. ماذا تمثل لكِ هذه المناسبة؟
عيد الاتحاد انعكاس لمسيرة وطن قوي، وحصن منيع، وضع قواعده الآباء المؤسسون، وقيادة رشيدة جعلت دولة الاتحاد منارة للتقدم والازدهار والتطور في المجالات كافة، حتى باتت عنواناً للإبداع والابتكار الإنساني، وصناعة المستقبل برؤى قيادة ملهمة، جُبلت على حب الوطن والمواطنين.. فهنيئاً لنا بوطننا المعطاء.