#ثقافة وفنون
خالد خزام الأربعاء 6 نوفمبر 12:30
«وحدها الأحلام تكبر دون أن تشيخ، وإن ضاع أحدها وجدناه بين صفحات كتاب، أو على ريشة رسام».. هكذا تصف الكاتبة والفنانة الإماراتية، خلود البوعينين، رؤيتها الإبداعية، فقد استطاعت تحويل شغف الطفولة بالرسم والكتابة إلى مسيرة غنية بالإبداعات.. في هذا الحوار مع مجلة «زهرة الخليج»، تتحدث الفنانة والكاتبة الإماراتية عن مسيرتها في عالم الفن التشكيلي والأدب، وتأثير الثقافة الإماراتية في أعمالها، ورحلتها المليئة بالتألق والإبداع:
ماذا عن بدايتك مع الفن التشكيلي، ومن كان داعمك الأكبر؟
بدايتي مع الفن التشكيلي تعود إلى مرحلة الطفولة، عندما كنا نرسم على سبورة المدرسة، أو نستخدم الطباشير لرسم خطوط بسيطة في فناء المنزل. تلك اللحظات البسيطة كانت شرارة الانطلاق إلى عالمي الفني. مع مرور الوقت، تطورت علاقتي بالفن؛ ليصبح وسيلة للتعبير عن أفكاري، ومشاعري. عائلتي، خاصة والدتي، كانت العمود الفقري في هذا الدعم؛ فقد كانت تدرك موهبتي منذ البداية، وتدفعني دائماً نحو تطويرها. ومع نضجي الفني، انتقلت إلى رسم لوحات كبيرة تتجاوز المترين، وكان والدي هو الذي ساعدني على تخطي حدودي الإبداعية والتفكير بحجم أكبر، مُعززاً ثقتي بنفسي.
نافذة للشفاء
إلى أي عوالم يأخذك الرسم؟
الفن، بالنسبة لي، طاقة شفائية؛ فهو وسيلة لإعادة التوازن إلى العقل والروح، وما يفسده الزمن تصلحه لوحة فنية. فالرسم ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو رحلة تأملية نحو الذات. عندما أبدأ في رسم لوحة، أشعر بأنني أفتح باباً على عالم جديد، عالم أستطيع فيه التعبير بحرية عن مشاعري، وأفكاري العميقة، ويمكنني من خلاله استعادة التوازن الداخلي، الذي قد يهتز بفعل الضغوط اليومية. كل خط أرسمه على القماش، يمدني بطاقة إيجابية، كأنه يعيد ترتيب الأفكار داخل رأسي، ويزيل التوتر؛ فالرسم لا يأخذني فقط إلى عوالم خيالية، بل يعيدني إلى ذاتي بشكل أعمق، ويمنحني فرصة فهم الأشياء من منظور مختلف.
ككاتبة.. كيف تنعكس هويتك على أعمالك، وما تأثير الثقافة الإماراتية في إبداعك؟
الثقافة الإماراتية ليست مجرد خلفية لأعمالي، بل هي أساس هويتي الأدبية؛ فالإمارات غنية بالقصص الشعبية، والتاريخ الراسخ الذي يمتد إلى ما قبل اكتشاف النفط. هذه القصص تحمل - في طياتها - الكثير من الحكمة والعبر، التي أستلهم منها كتاباتي، وأنا أعتبر نفسي امتداداً لهذه الثقافة الغنية، ففي رواياتي أجمع بين تراثنا العريق، وبين رؤية حديثة تواكب التطورات التي نشهدها اليوم. وتؤكد القيادة الرشيدة في الإمارات، دائماً، على ضرورة الاستفادة من الماضي لبناء المستقبل، وهذا ما أفعله في كتاباتي؛ لأنني أستلهم من تراثنا ما يمكنني استخدامه لتقديم روايات تحمل رسائل عميقة، وتساهم في إثراء الثقافة الأدبية الإماراتية.
غموض.. وخيال
ما الذي يلهمك استكشاف عوالم الغموض في رواياتك؟
القصص الشعبية (الخراريف)، التي نشأنا عليها في الإمارات، كانت دائماً مصدر إلهامي؛ فرغم كونها خيالية، إلا أنها تحمل حكماً ومفاهيم عميقة، تعكس تصورات الإنسان الإماراتي القديم عن الحياة والموت، والوجود والخوف. وقد كان والدي «مرشدي الروحي» في هذا الجانب؛ فهو الذي وجهني نحو هذا الأدب؛ وكان يشجعني على الغوص أعمق في معاني الخوف والرهبة، التي يشعر بها الإنسان. إن الكتابة عن الخيال والرعب تمنحني مساحة لاكتشاف النفس البشرية من خلال مرآة الخوف، وكيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع القلق والمجهول.
«في ظلمة المارد».. لماذا هذا العنوان؟
العنوان يحمل دلالة غامضة مرتبطة بأحداث القصة، لكنني أترك للقارئ اكتشاف المغزى الحقيقي؛ حينما يقرأ الرواية.
تستكشف رواياتك الجوانب الغامضة في الحياة، فما سبب اهتمامك بها؟
يتيح الأدب للإنسان الغوص في أعماق الخيال، واستكشاف ذاته، وقراءة الروايات العميقة تفتح آفاقاً جديدة من التفكير، وتساعد على تقبل الاحتمالات المختلفة، وتخفف حدة القلق والخوف. ويحفزني الغنى القصصي في ثقافتنا، خاصة «الخراريف»، على هذه النوعية من الكتابة.
هل يمكن لأدب الغموض أن يكون وســـيلة لحل مشــــكلات نفسية، أو اجتماعية، معاصرة؟
الرواية مصدر للإلهام، ونستمد منها العبر والحكم، ونسترسل بها في الخيال، ما يحفز مشاعر التشويق والفضول؛ ومن يقرأ رواية عميقة تتسع مداركه، ويتقبل الاحتمالات بأنواعها.
بين الفنون والكتابة
كيف يؤثر الجانب البصري في سردك للأحداث الأدبية؟
الرسم والكتابة وجهان لعملة واحدة؛ ووقت الكتابة تكون الشخصيات والمشاهد حاضرة في خيالي، كما لو كانت لوحة فنية أشاهدها. ويشحذ الجانب البصري خيالي الأدبي، ويساعدني على وصف التفاصيل بشكل دقيق، وبطريقة تمكن القارئ من رؤية ما أراه. أحياناً، أرسم مشهداً معيناً قبل كتابته؛ لأتمكن من تكوين رؤية بصرية واضحة له؛ فالفن البصري يعزز قدرتي على السرد، ويجعل الأحداث تتجلى حيةً أمامي.
شعراء كثيرون جعلوا القصيدة لوحة فنية والعكس.. كيف ترين هذا الإبداع؟
كل لوحة تحكي قصة شعرية من نوع خاص، قد تلمس كل واحد منا بطريقة مختلفة، بحسب التجارب التي مرت به، والذكريات، والمشاعر. وكذلك القصيدة ترسم في مخيلتنا لوحة فنية نشعر بها؛ حينما تتقاطع مع مشاعرنا.
العلاج بالكتابة والفن
هل للعلاج بالفن تأثير في علاج المشكلات النفسية، وكيف يمكن تطبيقه؟
العلاج بالفن وسيلة فعالة، للغاية، لتحسين الصحة النفسية. فمن خلال الفن، يمكن للشخص التعبير عن مشاعره دون الحاجة إلى استخدام الكلمات، ما يساعده على التعامل مع المشاعر المختلفة، ومنها: الاكتئاب، والقلق، والشعور بالعزلة. ويتيح الفن للفرد التواصل مع ذاته الداخلية بشكل غير مباشر، فيشعر بالإنجاز والرضا عند الانتهاء من عمل فني. أيضاً، الألوان التي نستخدمها في الرسم لها تأثير كبير في الحالة النفسية، فقد تحفز، مثلاً، السعادة والهدوء، ما يسهم في تحقيق التوازن النفسي.
كيف ترين الحركة الإبداعية في الإمارات؟
بفضل دعم القيادة الرشيدة، تشهد الحركة الإبداعية في الإمارات نمواً مستمراً، كاستضافة الفعاليات الفنية المتنوعة، ما يفتح آفاقاً جديدة للفنانين المحليين والعالميين، ويدعم تطور المشهد الإبداعي بشكل عام. فالإبداع الحقيقي يكمن في القدرة على تحويل الأحلام إلى واقع. وفي ظل هذا الزخم الثقافي، أتطلع إلى مواصلة رحلتي الإبداعية، مستلهمة من قصص التراث الإماراتي وحِكَم الماضي؛ لتقديم أعمال تعكس جمال الخيال، وعمق الفكر.