#ثقافة وفنون
إشراقة النور السبت 11 يوليو 2020 10:00
حبس فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» الناس وحجرهم داخل منازلهم، لكن بالنسبة لبعض المبدعين فقد حررهم الفيروس بشكل أكبر، حيث أطلقوا العنان لدواخلهم ليحلقوا بأفكارهم وخيالهم في آفاق أرحب ومساحات واسعة، فكيفوا مواهبهم وجعلوا من الجائحة محفزاً لهم، وجذوة تشعل فتيل الابتكار والإبداع في أفكار ملهمة للتوعية بالفيروس والتوثيق له، وأخرى تسهم في تجميل الحياة ورفاهيتها، ليتحول القلق والترقب لديهم إلى فكرة تبعث الطمأنينة للجميع، والخوف من المجهول إلى فن ينتصر للأمل والإنسانية، مدفوعين بالرغبة في تحويل المستحيل إلى واقع فانتازي ينبض بالحياة. «زهرة الخليج» تسلط الضوء على تجربة مجموعة من المبدعين في زمن الكورونا.
معاناة وإبداع
تؤكد المصورة الفوتوغرافية نورة الحمادي، أن التغيير الذي أحدثته أزمة الكورونا في سلوك الناس ومفاهيمهم بشكل عام لمس المبدعين والفنانين بشكل شديد الخصوصية، فانعكس ذلك على أعمالهم وغير من منظورهم الفني للواقع، وتبين: «خلال هذه الفترة قمت بإنتاج بعض الأعمال التي تتعلق ببرنامج التعقيم الوطني، وكانت آلية التنفيذ مختلفة عما قبل كورونا، كما أنني قمت باستغلال الوقت وعملت على إنتاج بعض الأعمال الإبداعية الخاصة التي أكسبتني المزيد من الاحترافية، خاصة خلال تطبيق الإجراءات الاحترازية والبقاء في المنزل».
تؤكد نورة أن المعاناة والأزمات تخلق نوعاً مميزاً من الإبداع، إذ تحفز المبدع على الأفكار الخلاقة حسب رؤيته ومعايشته لطبيعة المعاناة، فيترجمها بعمل فني استثنائي. وتقول: «على سبيل المثال، حقق برنامج (قلبي اطمأن) نجاحاً باهراً لأن فكرته قامت على معايشة معاناة الآخرين، وهذا المبدأ ينطبق على مناحي كثيرة في الحياة والحقيقة». وتلفت نورة الانتباه إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في فترة العزل المنزلي قائلة: «التقنيات الرقمية كانت من أسباب النجاح والتميز لكثير من المبدعين ولي بشكل خاص، حيث اكتسبت خلال هذه الفترة أيضاً الآلاف من المتابعين الذين يشكلون الدافع الأكبر للعمل بشغف وإلهام».
فن رقمي
شغف التشكيلية الإماراتية سمية السويدي، بالفن الرقمي والذي يتمثل في عرض لوحاتها على الإنترنت، لم يبدأ مع جائحة كورونا وإنما مارسته فعلياً منذ قرابة عقدين ونصف، لكنها تجده الآن فناً مناسباً لهذه الأوقات التي لا تسمح للجمهور بالخروج ومتابعة النشاطات الفنية في دور العرض، وتضيف: «في وقت الأزمات، يصبح دور الفن في حياتنا أكثر أهمية، مثل جميع الضروريات التي نحتاج إليها في هذه الظروف، لوحاتي التي رسمتها أيام الحجر المنزلي وقمت بعرضها رقمياً، لم تسهم فقط في مواصلة رسالتي لتقديم الفنون للناس فحسب، لكن عادت لي شخصيا بفائدة نفسية، فممارسة الفنون في مثل هذه الأوقات المليئة بالتوتر والقلق، تجلب الكثير من الراحة النفسية والسلام لصاحبها، فالطريقة الوحيدة كفنانة للخروج من حالة العزلة وتقييد الحركة وما يصاحبها من أحاسيس مزعجة، هي الانغماس في رسم لوحة، فأنسى كل هذه القيود وأتنسم هواء حراً، فلا أشعر بالضغوط». تقول سمية إن زمن كورونا أتاح لها كتشكيلية السياحة في خيالها، والتغلغل في وجدانها وشحذ أفكارها، وأتاح لها الخلو بنفسها للخروج بلوحات تجعلها تشعر بالحرية ومقاومة الجدران المحيطة.
شخصيات كرتونية
تتمثل تجربة فاضل المهيري، المؤلف والمخرج السينمائي، في زمن الكورونا، في استخدام شخصيات كرتونية شهيرة ومزجها بصور التعقيم اليومي الذي يقوم به خط الدفاع الأول. يشرح فاضل فكرته قائلاً: «أردت أن أترجم فكرة البقاء في البيت، من خلال تصميم صورة ناطقة بشخصيات كرتونية ومعبرة تدعو (وبإلحاح فكاهي) إلى كسر ملل الجلوس في البيت أثناء ساعات التعقيم الليلي، فمزجت هذه الشخصيات مع خلفيات حقيقية أشارك بها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام وسم #خلك_في_البيت، فقط لترك مساحة لتأمل التصميم والتفاعل مع الشخصيات الكرتونية، برموزها وإيحاءاتها ومحاولة استنطاق فكرة الرسالة المبطنة فيها».
يحكي فاضل عن مشروعه الفني، شارحاً: «أحببت فكرة التحدي مع نفسي في تقديم أربعة تصاميم مختلفة بشكل يومي في توقيت معين، بداية مرحلة التعقيم وامتحان قدرتي في كيفية المشاركة، وكذلك مقدرتي على إيصال الرسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فاعل». ويضيف: «ما دفعني أيضاً إلى إبراز موهبتي، هو عدم القدرة على التصوير في ساعات التعقيم الليلي، لعكس أجواء مدينة أبوظبي بشوارعها الفارغة فلم أرد أن أستسلم، وبحثت عن بديل آخر حتى ألهمت فكرة تصاميم مزج الشخصيات الكرتونية».
يؤكد فاضل أن حملة «خلك في البيت»، قادته للقيام بمسؤوليتة الاجتماعية كإعلامي في تقديم مادة بعيدة عن القيود وذلك بهدف نشر الوعي، وأيضاً كفرد في المجتمع، لم أستطع تقبل الجلوس مكتوف اليدين، بينما أشاهد أناساً في خط الدفاع الأول يقومون بأعمال بطولية من أجلنا. أردت تقديم شيء ولو بشكلٍ بسيط وفريد في ظل الأوضاع الراهنة، نظراً للظروف الصحية المحيطة بنا، كما رغبت في استخدام أسلوب فكاهي في توصيل المعلومة يمتعني ويقيني الجلوس في حلقة ضيقه مفرغة».
إبداع العزلة
• وليم شكسبير:
شهد وليم شكسبير الأديب والشاعر الإنجليزي الشهير أكثر من وباء فى حياته، حيث ضرب الطاعون مدينته لندن خلال أبرز السنوات التى تألق فيها ككاتب مسرحى، وتوفي بسبب الوباء القاتل أشقاء شكسبير الأكبر سناً، وكذلك ابنه الوحيد هاملت الذي قضى فى الحادية عشرة من عمره، ويرى بعض الباحثين أن الأديب الإنجليزي كتب مسرحيته التراجيدية الشهيرة «مأساة هاملت» تأثراً بوفاة ابنه.
• إسحاق نيوتن:
كانت لندن تعانى تفشى الطاعون، فقرر إسحاق نيوتن مكتشف الجاذبية الانعزال فى مكان بعيد في الريف يبعد مسيرة ساعة عن المدينة، وبقى هنالك مدة 18 شهراً، انكب خلالها على إجراء البحوث والدراسات. ويقال إنه كان في العزلة عندما توصل إلى نظرية الجاذبية.
• مارسيل بروست:
أصيب الروائي الفرنسي مارسيل بروست بمرض الربو، وبعدها مات والده ووالدته، فقرر الانعزال في بيته عن العالم، وخلال الفترة التي أعقبت الهجمة الثانية لوباء الكوليرا عام 1902، ظهر وباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1920، فكتب عدة روايات بينها روايته الأشهر «بحثاً عن الزمن المفقود».