ريما كيروز 1 ديسمبر 2018
ظمأ الغوص في تاريخ الإمارات وحضارتها لا ترويه حكاية واحدة ولا حتى مئة، فكل مرة تسمعها تكتشف الجديد والمثير،
وأجمل القصص التاريخية تلك التي يرويها المؤرخون والباحثون في التاريخ، من أبناء الوطن. «زهرة الخليج» التقت المؤرخ الأكاديمي والباحث في التراث محمد خميس بن عبود النقبي، الذي روى حكاية اتحاد دولة الإمارات.
يقول النقبي في قراءته تاريخ قيام الاتحاد: «كانت المناطق البعيدة في الإمارات شديدة الفقر على عكس مناطقها الساحلية، وكانت يومها ترزح تحت سطوة المستعمر البريطاني الذي عمل بجد، ليبقى شعب هذه المنطقة يعاني الفقر والجهل. وهو واقع ثار عليه الشعب بإرادته القوية وإرادة زعماء قبائله، فقاوم، حدّ الاستبسال، إلى أن دحر المستعمر الذي غادر أراضي الدولة في عام 1968».
يضيف النقبي: «ترك رحيل القوات البريطانية فراغاً، حاولت دول أخرى طامعة أن تستغله، كما فعل البرتغاليون والهولنديون قبل الإنجليز، إلا أن الدعوة الملحّة لقبائل المناطق الإماراتية آنذاك، شحذت الهمم للتآلف فيما بينهم، في ظل حكمة زعمائهم الذين جنّدوا أنفسهم لاحتوائهم وجمعهم تحت مظلة واحدة. وقد برز حينها من بين الشخصيات الوطنية، الراحل الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه)، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم (طيّب الله ثراه)، حيث اتفقا على تشكيل دولة متحدة بين مدينتي أبوظبي ودبي، ولكن المغفور له الشيخ زايد تطلع إلى جمع شتات جميع القبائل ومناطقهم التي كانت تعيش في عزلة، وربطهم بعلاقات اجتماعية واقتصادية».
لواء دولة واحدة
يعود النقبي بذاكرة المؤرخ الأكاديمي إلى تلك المرحلة، ويحكي: «حكم الشيخ زايد في البداية مدينة العين منذ عام 1946، وكان وقتها مهتماً بالتعليم وبناء الإنسان، ثم أخذت فكرة الوحدة تنمو في باله وتتطور، لا سيما بعد تدفّق النفط في أبوظبي عام 1959، واستخراجه عام 1962، أي قبل أربعة أعوام من حكمه لأبوظبي في عام 1966. ومنذ تلك المرحلة بدأ يفكر في جمع الإمارات، وتحاور بالفكرة مع زعماء القبائل في كل إمارة، وتناقش أيضاً مع البحرين وقطر، وكان همّه جمع وتوحيد شعوب تلك المناطق تحت لواء دولة واحدة. ولأن دعوته إلى الاتحاد كانت صادقة ورؤيته ثاقبة، اتّحدت الإمارات عام 1971، بعد أن انسحبت البحرين وقطر». ويُكمل: «اليوم تنقضي 47 سنة على قيام الاتحاد وانتقال دولة الإمارات من الفقر والبساطة إلى التنمية والحداثة. ومرت هذه المسيرة بمراحل كثيرة وعوائق عديدة، وظن كثيرون أنها خطوة ناقصة وستفشل، ولكن رجال الدولة استطاعوا أن يؤسسوا دولة قادرة وقوية، صارت تزداد هيبتها يوماً بعد يوم، مع تراصّ في الصف بين الحاكم والشعب، إلى أن كرّست كتجربة رائدة يُشار إليها بالبنان، على الصّعُد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية كافة، ويعيش على أرضها أكثر من 220 جنسية، كأنهم عائلة واحدة، مجتمعين بالتساوي ويتنعّمون بأمنها وأمانها».
الامتداد بالتاريخ
يتطرق النقبي أيضاً إلى حضارة الإمارات، فيقول: «الحضارة والتراث والامتداد بالتاريخ، ثوابت تعج بها مكتبات الدولة، ومتاحفها وقصورها وقلاعها وأمكنتها التراثية والتاريخية. لا تخلو إمارة من فيض بتراثها وآثارها الموغلة في التاريخ، فالوالد الراحل (طيّب الله ثراه) اهتم بالتراث، وهو القائل: (مَن ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل). وهي عبارة، حُفرت في نفوس الإماراتيين فحوّل أكثرهم بيته إلى متحف، وهمّهم الأوْحَد الحفاظ على تاريخهم كل بأسلوبه».
يؤكد النقبي أن أي دولة تُقاس بحضارتها وما أفرزته منذ قديم الزمان، وتاريخ الإمارات قديم جداً، موضحاً: «في عام 1959 أحضر الشيخ زايد (طيّب الله ثراه) مُنقّباً دنماركياً، وتمخّض بحثه عن أن هناك مناطق تعود لتاريخ عميق وعريق، حيث أرّخ اكتشافه الأول أن الإمارات لها تاريخ يمتد إلى ستة آلاف سنة. كما تؤكد الاكتشافات الحديثة أن شعوباً سكنت المنطقة منذ آلاف السنين قبل الميلاد، مما يؤكد أنها من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم، وأن هذه الدولة الحديثة في مُسمّاها، سكانها عريقون تركوا وراءهم حضارة غابت عن كثيرين».
ويؤشر النقبي في حديثه إلى اهتمام دولة الإمارات حالياً بترميم الكثير من الحصون والقصور والمدافن في كل المناطق، لتبقى شاهدة على حضارة الإمارات، مُبيّناً: «المتاحف الطبيعية خير شاهد على حقائق تُقنع مَن لا يقتنع، إضافة إلى العثور على كتابات ونقوش ورسوم كثيرة، ترمز إلى حضارة من الماضي القديم، وإلى محطات ومراحل زمنية مرّت بها الدولة».
دولة التمكين
يتحدث المؤرخ الأكاديمي والباحث في التراث محمد خميس بن عبود النقبي عن حاضر دولة الإمارات، قائلاً: «اليوم، تخطت الدولة، التي يبلغ عمر اتحادها 47 عاماً، دولاً مر على تأسيسها قرون، وتغلبت على الفقر والظلم والضعف والانكسار، لتصعد سلّم المجد وجودة الحياة الكريمة، وتصل إلى العالمية بشتى الميادين، ويسمع عن صيتها الطيّب القاصي والداني. فقد جعل منها اتحادها دولة مترابطة متراصة ومجتهدة ومثقفة، فيها كوادر ونوابغ من الجنسين».
ويضيف: «بتنا نسمع كل يوم أمراً جديداً وجميلاً، وكأن شمس الإمارات تسطع أبداً، وتمثل نموذجاً يُحتذى به، لا سيما من قبل الدول المتقدمة، عينها على المرتبة الأولى في كل شيء، وتتطلع إلى مستقبل مزدهر واستثنائي، بفضل حكامها الحُكماء ونَهْج سياستهم المتوازنة، وحفظهم الأمانة التي تركها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه)، وسياسة اليد المفتوحة التي تبنّوها ليُورّثوا الأبناء اتحاداً أكثر ثباتاً واستقراراً ونضجاً، فتتناقل الأجيال الشعلة المضيئة من دولة التأسيس إلى دولة التمكين».