نوال نصر 28 أكتوبر 2018
تُحيّر جورجيا الزائر منذ تطأ قدماه أرضها، فلا هو في أوروبا الشرقية ولا هو في آسيا الغربية، بل هو على الحدود بين الاثنتين في دولة مفتوحة على قارتين وثقافتين وعصرين. وتُعرف تلك البقعة الجغرافية باسم منطقة القوقاز، وهناك من سماها «القفقاز» و«القعقاس» و«القبق».. تعددت التسميات والمكان واحد: حضن جورجيا الدافئ.
فإذا كنتم تنشدون السفر إلى أوروبا وآسيا معاً، وإلى بلاد فيها من الجاذبية والغنى الثقافي والطبيعة الخلابة والتنوع ما يجعلكم تجمعون القارتين في بقعة سياحية واحدة، ففكروا في العاصمة الجورجية تبليسي.
معنى اسم تبليسي أو «تفليسي» أو «تبيلي» كما يردد السكان الأصليون، «المكان الدافئ»، وهذه العاصمة دافئة بينابيعها الحارة الكثيرة.
شعب ودود
السكان ودودون لكنهم كثيرو الإلحاح حين يريدون إقناعكم بشراء شيء ما، فلا تستسلموا لهم بسهولة، وحاولوا أن تسألوا كثيراً وأنتم تجولون في التفاصيل عن تفاصيل ما ترون. اللغة الجورجية هي اللغة الأم، لكن كثيراً من السكان يعرفون الإنجليزية. اطرحوا عليهم أي سؤال باللغة الإنجليزية وسيجيبون بكثير من الود.
أكثر من مئة مجموعة عرقية هناك. اللغة الروسية سارية في كثير من المدن بعد كل عقود الاستعمار السوفييتي لجورجيا. معلم «خريف برجومي» لا بد من زيارته في العاصمة الجورجية، حيث لا يزال السكان الأصليون يتكلمون اللغة الروسية. اللغة الأرمنية تنتشر أيضاً في مدن عدة. حديقة «بوتونيكال» مزار سياحي استثنائي في تبليسي، ساحة الحرية الكلاسيكية، شارع روستافيلي، حدائق النباتات الوطنية، بحيرة السلاحف، حديقة الحيوانات، قلعة ناريكالا، معالم ومحطات لا بد منها لكل من يقصد المدينة.
من قصد سابقاً تبليسي يعرف الثروة الحيوانية التي كانت تزخر بها حديقة حيواناتها، حيث سرح طوال قرن أكثر من 300 نوع مختلف لكن، للأسف، بعد الفيضان الذي ضرب المدينة عام 2015 فقدت حديقة تبليسي بعض حيواناتها لكن لا يزال هناك ما يستحق المشاهدة.
«البوري» مقدس والجوز كثير
جسر السلام موقع آخر لا بد من رؤيته، ومثله عشرات الكنائس القديمة وأقدم جامع في المدينة في حي شارديني وهو «مسجد الجمعة». نصب «أم الجورجيين» البرونزي العملاق سيلاقيكم بنفسه وهو على شكل امرأة تحمل قدحاً بيد وباليد الأخرى سيفاً، الثاني تستقبل به الأعداء والأول تستقبل به الضيوف، هو نصب يحمل في طياته كثيراً من المعاني.
المطاعم التي تقدم الأطباق الجورجية التقليدية كثيرة، لكن انتبهوا؛ لأن هناك من يخلط بينها وبين الأطباق السوفييتية. اطلبوا «جينكالي» وهو يتكون من معجنات صغيرة رقيقة محشوة باللحم والجوز، هذا الطبق شهير في تبليسي. تناولوا أيضاً «الخشبوري» وهو كناية عن خبز مصنوع على شكل قارب ومحشو بالبيض والجبن. «بوري» هو الخبز التقليدي هناك ويعدّ مصنوعاً من مادة مقدسة رميها حرام، تذوقوه. ومن يحب الباذنجان فليطلب طبق «بدريجاني» حيث يقدم الباذنجان محشواً باللوز والجوز والرمان.
التلفريك موجود في أكثر من محلة، اسرحوا فيه. ركوب التلفريك يتيح لكم رؤية ما لن تروه من اليابسة. تبليسي القديمة رائعة من فوق وتشاهدون فيها القلاع والأسوار والتماثيل والحمامات الكبريتية، وتبليسي الحديثة تشهد فورة الحداثة هناك. مدينة تبليسي شاهدة على وقوع جورجيا على مفترق طريق بين أوروبا وآسيا وبين ماضٍ وحاضر وبين تقاليد وتطور.
التاريخ الحي
استمعوا وأنتم تجولون في تفاصيل العاصمة الجورجية للموسيقى الحية الرائعة، واقصدوا إذا أردتم استكشاف المزيد من التاريخ الجورجي «متحف الاحتلال السوفييتي» في تبليسي، وهو سيكشف لكم مرحلة تاريخية دقيقة من الاحتلال عمرها 70 عاماً. هناك «متحف جوزيف ستالين» تروي تفاصيله وموجوداته الكثير، وإذا رغبتم في تفاصيل أكثر قبيل رحلتكم إلى هناك شاهدوا أفلاماً تناولت تاريخ البلاد والصراع الروسي الجورجي مثل: My grandmother, Caucasian love and 5 days of war.
تبليسي أمامكم خيار، لكن قبل الاختيار تذكروا أن من يرغب في طقس حار فليُرجئ سفره إلى يوليو وأغسطس، أما من يرغب في طقس بارد فليبدأ بتوضيب أمتعته من الآن، لأن تبليسي في ديسمبر ويناير وفبراير ستكون مكسوة بالثلوج.