واسيني الأعرج 3 يناير 2019
أثارت قصة وقصيدة الشاعر العراقي حسن المرواني: أنا وليلى، جدلاً كبيراً، لم تثره أي قصيدة من قبل. فقد عانت الأمرين من النسيان والإهمال الكثير، كما أنه كثُر أدعياء تأليفها من حولها، وظل كاتبها الحقيقي في الظل زمناً طويلاً. لقد ظُلم حسن المرواني في حياته. من يراجع الأرشيف السماعي والمرئي سيكتشف قوة التجني والغطرسة البشرية. السرقة بلا خجل. بينما ظل صاحبها الأصلي، حسن المرواني، صامتاً تحكمه مأساة قصته وخجله. هناك شهود أحياء درسوا مع حسن المرواني بنفس جامعة بغداد، وعايشوا الحقبة، يؤكدون أنهم سمعوا القصيدة من فم حسن المرواني وليس من غيره. انفجرت القصة عندما أراد كاظم الساهر أن يؤديها غنائياً. فوجئ بعدد المتقدمين إليه مدعين تأليف القصيدة. يقول كاظم الساهر: عندما قرأت كلمات أنا وليلى، بقيت أبحث عن الشاعر خمس سنوات. عندما نشرت نداء وإعلاناً لمعرفة مؤلف تلك القصيدة، جاءني كاتبها الأصلي. رجل فقير. أستاذ لغة عربية، يدرس في إحدى المناطق النائية، في بغداد. وعندما جاءني حسن المرواني جلب لي القصيدة كاملة 355 بيتاً، وكان كل من يدعي أن هذه قصيدته يجلب لي بيتين أو أربعة. فلما جاء حسن المرواني إلى الاستوديو وبدأت بتلحين القصيدة بدأ بالبكاء. قال لي: أنا لست شاعراً. كتبتها تعبيراً عن حالة إنسانية مررت بها أيام الدراسة الجامعية. لقد أعدتَ لي ذكريات قاسية.
قصة حسن المرواني وقعت في 1979. شبيهة بقصص العشق الإنساني في الزمن الكلاسيكي. ولد الشاعر في قرية ميسان، في العراق. عاش في فقر كبير. التحق بجامعة بغداد، وهناك تجلت موهبته الشعرية بوضوح. كان محاطاً بالأصدقاء في بغداد في ذلك الزمن حيث كان الشعر قيمة التفرد والإبداع. جلب نحوه الكثير من المعجبات ومنهن ليلى. أحبها بكل ما يملك من قوة عاطفية. اتفقا على الزواج بعد التخرج. لكن ما كادت السنة تنتهي حتى جاءته ليلى برفقة شخص قدمته له على أساس أنه خطيبها. فهم الرسالة، فابتعد عن طريقها بجرح لن يشفى أبداً. انكفأ حسن المرواني داخل حزنه غير مصدق ما حدث له مع ليلى. أصيب بحالة يأس كادت تودي به إلى الانتحار. حتى الدراسة التي راهن عليها للخروج من دائرة الفقر، لم تعد تعنيه في شيء. لكنه، بفضل إصرار أصدقائه وتعقيله، عاد إلى الدراسة واستدرك تأخره بسرعة. واستطاع أن ينجح. يوم التخرج، دخل حسن المرواني إلى المدرج يرتدي لباساً أسود كأنه في حداد. وكان قد قرأ، قبل أيام، على مسمع صديقه أشرف الكاظمي، قصيدته أنا وليلى. طلب منه أشرف أن يقرأ القصيدة أمام الجميع. رفض في البداية لكنه سرعان ما انصاع لرغبة زملائه الطلاب. وتحت تصفيق الجميع قرأ قصيدته أنا وليلى، التي مطلعها:
ماتت بمحـراب عينيـك ابتهــالاتي واستسلمت لرياح اليأس راياتي
طلبت منه ليلى الحاضرة في الحفل أن يتوقف، لكن أشرف الكاظمي وأصدقاءه أصروا على المواصلة. انتقلت ليلى إلى المقاعد الأخيرة حتى لا يرى أصدقاؤها معاناتها:
لو تعصرين سنين العمر أكملها لســـال منهـا نزيف من جراحاتي
ثم أشار لليلى بأصبع الاتهام، يتقصدها بشكل مباشر، في أقاصي درجة آلامه:
لو كنتُ ذا تــرف ما كنــت رافضــة حبي، لكن عســر الحال مأساتي
ولتخليد القصة، خط أصدقاء الشاعر القصيدة على جدار جامعة بغداد وفاء لحزن المرواني، الذي كان وراء ميلاد واحدة من أجمل قصائد الحب. ولتفادي غرقه في اليأس، ساعدوه على السفر إلى الإمارات للعمل في التعليم. وبقي هناك 16 سنة، أعادت له السكينة والرغبة في مواصلة الحياة.