د ب أ 27 ديسمبر 2013
تشتهر البرازيل بشغفها الكبير بكرة القدم، وولعها الشديد بالرقص والاحتفالات، بالإضافة إلى شواطئها الساحرة. وتجسد جزيرة "توبينامبارانا" بنهر الأمازون كل هذه الصفات؛ حيث تشتهر الجزيرة بالمهرجانات الراقصة التي تغلفها الأساطير والخرافات، على رأسها عيد الثور، كما أنها تزخر بطبيعة خلاّبة تأسر الألباب.
وعادةً ما تكون الأجواء هادئة للغاية في جزيرة "توبينامبارانا"، ولكن الوضع يبدو مختلفاً خلال الأسبوع الأخير من شهر حزيران/يونيو، حيث يتزاحم سكان الجزيرة، البالغ عددهم 100 ألف نسمة، في طوابير لا نهاية لها بشوارع المدينة التي تعتبر ثان أكبر المدن في ولاية أمازوناس، وتتوجه هذه الحشود الضخمة إلى ستاد بومبودرومو، الذي سيشهد إقامة مباريات كأس العالم لكرة القدم 2014.
ولا تتوجه هذه الأعداد الغفيرة من الجمهور إلى الاستاد لمشاهدة مباراة كرة قدم بين فريقين، ولكن للمشاركة في الاحتفالات التي تتم في بارينتينز منذ 100 عام، والتي تعرف باسم عيد الثور "بوي بومبا". وقد نقل المهاجرون هذه الاحتفالات معهم بعد انتقالهم إلى منطقة الأمازون بسبب الجفاف الكبير الذي ضرب شمال شرق البرازيل.
لسان الثور
وتحكي الأسطورة أن كاترينا كانت زوجة أحد عمال المزرعة، كانت حامل واشتهت تناول لسان ثور، فما كان من زوجها فرانسيسكو أن قام بذبح ثور صاحب المزرعة، والذي علم بهذا الأمر.
وكي يفلت عامل المزرعة من العقاب طلب من أحد الكهنة إعادة إحياء الثور مرة أخرى، وعندما تحقق ذلك احتفلت المدينة بأكملها بعيد الثور، ولا تزال هذه الاحتفالات تقام في بارينتينز حتى الآن. ومع مرور الأيام لم تعد الاحتفالات تقتصر على الرقص والغناء، ولكنها تحولت إلى مهرجانات حقيقية تزخر بالعديد من الفعاليات الفخمة والأنشطة المبهجة.
ويظهر ستاد بومبودرومو ممتلئاً عن آخره بالجمهور، حيث جلس كل متفرج على مقعده منذ ساعات طويلة في الاستاد الذي يسع لحوالي 20 ألف متفرج. ولا تزال هناك محاولات لإدخال أعداد أخرى من الأشخاص الراغبين في المشاركة في الأجواء الاحتفالية التي بدأت تشتد وتم تقسيم الزوار إلى فريقين؛ الفريق الأول باللون الأحمر والثاني باللون الأزرق. وكما هو الحال في مباريات كرة القدم يقوم الجمهور بتشجيع الفريقين أثناء المنافسات المستوحاة من قصة كاترينا وزوجها فرانسيسكو.
وفي ذلك المساء حصل الفريق الأحمر أولاً على فرصته لإقناع المحلفين برؤيته لأحداث القصة، وظهر المئات من قارعي الطبول بملابسهم ذات الألوان الزاهية، وهم يقومون ببعض الضربات الإيقاعية التي تصم الآذان، في موكب يضم ما يصل إلى 3500 من الراقصين والموسيقيين والمغنيين والممثلين، الذين سيملؤون ساحة الملعب خلال الساعتين والنصف التالية بالرقص والموسيقى، ودائماً ما تتغير صور المسرح الكبير والمشاركين في هذه العروض الاحتفالية الضخمة.
دلافين متحولة
ويعتمد مهرجان بارينتينز على عناصر فلكلورية من ماضي البلاد مثل الخرافات والأساطير، حتى إذا كانت قصة الثور تعتبر بمثابة الخيط الأحمر الذي تنسج حوله باقي العروض والفعاليات بالكامل. ودائماً ما تظهر على المسرح دلافين المياه العذبة في منطقة الأمازون. وهناك أسطورة تحكي أن هذه الدلافين تتحول ليلاً إلى رجال بمظهر حسن ويحاولون إغواء الشابات.
وتقدم الفرق المشاركة في هذا المهرجان أسطورة الثعبان الضخم أناكوندا، حيث يقوم الكاهن بانتزاع حاسة البصر وقوة هذا الثعبان لتوفير الحماية للسكان، ولكن هذه الأعمال قد تجلب معها خطر الطوفان الكبير.
وبطبيعة الحال تكثر مشاهد الرقص ذات الألوان المشرقة والزاهية، والتي تظهر بها الأسماك والصيادون والقوارب بمختلف أشكالها وأحجامها. وبعد خمس ساعات تقريباً من الرقص والغناء وصلت الاحتفالات إلى نهايتها.
ولم يدرك الكثير من المتفرجين أي الفريقين الذي نال نقاط أكثر، من فرط الإجهاد التي تعرضت له الحواس المختلفة، وخاصة إذا لم يعثر المتفرج على مقعد ليستريح عليه خلال هذه العروض الاحتفالية.
طبيعة ساحرة
وفي طريق العودة إلى مدينة ماناوس تتبدى للسياح طبيعة ساحرة؛ حيث إنهم يمرون على عوالم لا نهائية من البيئات المائية، إذ لا تزال الفيضانات تغطي مساحات شاسعة من الأقاليم المتاخمة لنهر الأمازون بسبب الأمطار الموسمية. وعلى الرغم من قطع وحرق وجرف الكثير من المساحات بالغابة المطيرة، إلا أن المنطقة لا تزال تزخر بأكبر غابات مطيرة في العالم.
وتمتاز منطقة نهر الأمازون بالتنوع البيولوجي الهائل، حيث سجل العلماء أن هذه المنطقة تحوي ملايين الأنواع من الحشرات، بالإضافة إلى 1670 نوعاً من الطيور و420 نوعاً من الثدييات وأكثر من 3700 نوعاً من الأشجار.
ويوضح نيلسون ميندوكا لمحة سريعة عن هذا التنوع البيولوجي أثناء جولته بالسياح خلال الغابة المطيرة، والتي تحولت أمام السياح من جميع أنحاء العالم إلى حديقة حيوان، كما تعتبر الغابة المطيرة في نفس الوقت بمثابة صيدلية كبيرة مفتوحة، حيث تعمل بذور الكومارو على علاج حالات الإسهال، ويمتاز لحاء أشجار باراناوبا بتأثيرات وقائية، بالإضافة إلى أن لحاء أشجار الأمابا يساعد في علاج اضطرابات المعدة، وتعمل مادة الكينين بنبات كافيرانا على إيقاف الملاريا.
وأثناء تجول المجموعة السياحية على طرق طويلة متعرجة، وقفت مجموعة من طيور الطوقان تراقب هؤلاء الدخلاء. وأخرج المرشد السياحي نيلسون بواسطة عصا بعض النمل الضخم من الحفرة، والذي يظهر بحجم أكبر من الضفادع الصغيرة المجاورة لها في هذا المشهد الطبيعي البديع.