لاما عزت 24 أكتوبر 2013
يفوح عبق الشرق الأصيل في مدينة مراكش المغربية التي تزهو بمشاهد تراثية عريقة وأماكن إقامة مختلفة. وتوفر المدينة للسياح مئات من واحات الراحة والاسترخاء بعد عناء التنزه لفترة طويلة في الأسواق الصاخبة وميدان جامع الفنا. وتوجد هذه الواحات الهادئة في البيوت القديمة المشيدة من الطوب اللبن، التي تمتاز بأفنيتها الداخلية ذات الهواء البارد، وتحمل هذه البيوت اسم "رياض". وتكتظ الحارات والأزقة الضيقة المرصوفة بالأحجار في السوق بالسياح من جميع الجنسيات، وتفوح في المكان رائحة التوابل والعطور والجلود المدبوغة، وفي بعض الأحيان تظهر رائحة الأسماك. ومع ذلك توفر البلدة القديمة في مراكش، التي تسمى المدينة، برنامجاً حافلاً بالهدوء والاسترخاء. ويهرول المرشد السياحي مصطفى بن فاراجي برفقة السياح حول الزوايا والأركان الحجرية ويعبر الأقواس المستديرة والبوابات، إلى أن تصبح الأزقة والحارات خالية من وجود أي شخص، ويقفز إلى خيال السياح منظر الأشخاص المسلحين الذين يرتدون ملابس حريرية. وأخيراً قام المرشد السياحي بالطرق على الباب الخشبي المنخفض، الذي ينفتح فجأة كأن هناك قوة سحرية قامت بفتحه فور الطرق عليه. وطلب مصطفى من السياح الانحناء قليلاً أثناء الدخول حتى لا يصطدموا بإطار الباب. وفجأة تغييرت الأجواء بشكل مذهل. ملتقي الفنانين وتعتبر «دار الشريفة» ملتقى الفنانين ومقهى أدبي في مدينة مراكش القديمة، ويتم استقبال السياح كأنهم أقارب صاحب البيت. ويفتح الباب على ممر مغطى بالقباب، والذي يؤدي بدوره إلى الفناء الداخلي المُحاط بالأعمدة، والذي يتوسطه فسقية مربعة من الرخام وبها مياه وبتلات من الزهور وردية اللون. ويخيم الصمت والهدوء على أرجاء المكان، وتسود أجواء باردة في داخل المنزل في ظل درجات حرارة خارجية تصل إلى 40 درجة. ومن الملاحظ أنه تم تشييد مثل هذه البيوت التقليدية القديمة وفقاً لشعار «الخصوصية أولاً»، حيث إنها غالباً ما تشتمل على فناء داخلي يحتوي على بعض النبات والأزهار. ويشعر السياح في «دار الشريفة» أيضاً بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، حيث يقدم لهم شاي بالنعناع مع بعض العكك دون طلب. وتظهر هناك بعض الصور الملونة لأحد الفنانين المحليين معلقة على الجدران والأعمدة، حيث من المقرر خلال هذا المساء افتتاح أحد المعارض الفنية في الدار. وتختلف هذه الأجواء تماماً عما يسود في الأسواق الصاخبة وميدان جامع الفنا، الذي يشهد تدفق الأفواج السياحية من كل حدب وصوب. وتلعب «دار الشريفة» دوراً رئيسياً بين مئات الدور والرياض بمدينة مراكش القديمة، نظراً لأنها تعتبر أقدم منزل ما زال قائماً في المدينة، والذي تم إنشاؤه خلال القرن السادس عشر الميلادي. ويعتبر من أوائل المنازل التي تم ترميمها. وأوضح عبد اللطيف بن عبد الله قائلاً: "في بداية التسعينيات من القرن المنصرم كانت حالة المباني في المدينة تشبه حالة المباني القديمة في برلين الشرقية بعد سقوط الجدار، وتقريباً لم يكن هناك وجود للصرف الصحي". ويعتبر هذا الرجل القصير القامة بمثابة منقذ البلدة القديمة في مراكش، حيث ساهم في ترميم وتجديد ما يقرب من 100 رياض في المدينة. وأضاف عبد اللطيف بن عبد الله قائلاً: "بعد استقلال المغرب خلال عام 1956 كان هناك نوع من الهروب من المدينة، ولم تعد هناك رغبة للإقامة في الرياض، وانتقل السكان للإقامة في المدينة الجديدة". وأدرك عبد اللطيف بن عبد الله الأهمية الثقافية والتاريخية لهذه المباني التي تبدو متواضعة للغاية من الخارج، عندما كان يتجول برفقة المهندس المعماري كوينتين فيلباوكس في هذه الأزقة والحارات في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم. وقام هذا المهندس البلجيكي بالتقاط صور لحوالي 6000 منزل في غضون أربعة أعوام أثناء إعداده لأطروحة الماجيستير، ويتذكر عبد اللطيف بن عبد الله أنه في ذلك الوقت لم تكن هناك سياحة في المدينة على الإطلاق. ولكن هذا الوضع قد تغير تماماً، حيث كان يُنظر إليه باعتباره شخصاً مجنوناً عندما أراد تحويل الرياض إلى بيت ضيافة للسياح قبل حوالي 20 عاماً، ولكن اليوم يوجد حوالي 700 من هذه الفنادق الصغيرة، حيث زاد الإقبال على المنازل القديمة وارتفعت الأسعار بشدة. وأوضحت غابرييلا نوك شبات أن فترة الازدهار كان بسبب بث في التليفزيون الفرنسي، وتعتبر هذه الألمانية من أوائل المستثمرين في مراكش وتدير «رياض نوجا» المخصص لاستقبال السياح. كما أن جوليا بارتليز، ابنة أحد الدبلوماسيين، تدير «رياض القاضي» الذي يمتاز بفناء داخلي بارد ويشتمل على حمام سباحة منعش للغاية. أجواء المخيمات ويوفر «رياض القاضي» للسياح خدمة الغرف وغيرها من الخدمات البديهية في عالم الضيافة والفندقة الحديثة. ولا يتمثل عامل جذب السياح لمثل هذه الدور والرياض في وجود أجنحة فندقية رحبة، ولكن في سرعة الوصول إليها عبر درج ضيق وممرات متعرجة، ويتم تقديم وجبة الإفطار مع الحليب والعسل في شرفة السطح تحت مظلة مفرودة فوق المقاعد، والتي تشبه أجواء مخيمات القوافل في الصحراء. حتى خارج أسوار البلدة القديمة تظهر الرياض والبيوت الفندقية، نظراً لأن كلمة الرياض أصبحت مرادفاً للفندق الفاخر، ففي بعض الأحيان يتم إضافة كلمة الرياض إلى اسم الفندق. وقد قام البعض الآخر بتحويل فكرة الحدائق الخاصة من الناحية المعمارية، مثل منتجع «Amanjena» المتطور والذي يقع على مشارف مدينة مراكش. ويوجد في هذا الفندق مباني من طابقين يُطلق عليها أسماء مثل «The Garden House»، وقد تبلغ تكلفة الليلة بها حوالي 4242 دولاراً أمريكياً. ويخيم الهدوء والصمت على الأزقة والحارات الضيقة البعيدة عن السوق، ولكن المرشد السياحي يؤكد أن الأطفال كانوا يلعبون ويمرحون في هذه الأزقة من قبل، ولكن اختفت هذه المشاهد نظراً لأن أغلب الدور والرياض أصبحت تحت إدارة الأجانب، وتستخدم كأماكن إقامة للسياح.ساعة رولكس
أدخل بياناتك
شكراً
ننتظرك غداً مع سؤال جديد
التالي
اغلق
الرياض .. واحات للهدوء في مراكش
#مجتمعك