#منوعات
نوال نصر 12 أغسطس 2023
اسمها «مروى»، ولديها من الأحذية 28 زوجاً، ومن الحقائب ثلاثون، ومن الساعات عشرون. هي ليست «مؤثرة»، أو نجمة، ولا تمت إلى الغنى الفاحش بصلة، لكنها فتاة تتعطش للتبضع والشراء. تقبض راتبها، وتهرول مسرعة إلى السوق؛ لتشتري كل ما تراه، ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليه، ما يناسبها وما لا يناسبها، ما ترتديه وما تنساه في أدراج خزانتها. وإذا ترددت أمام سلعة، فلا ترتاح إلا بعد أن تعود وتشتري، وتظل تشتري، دون توقف. صديقاتها ينظرن إليها، وهي تحمل أكياساً كثيرة، فيبتسمنَ. إنها مهووسة شراء بلا حدود، وتدرك «مروى» أنها تتصرف بجنونٍ أثناء التسوّق، لكنها تظل تكرر تصرفها.. فهل يمكن تصنيفها مضطربةً نفسياً؟.. سؤالٌ بحثنا عن جوابه:
حال «مروى» حال كثيرات وكثيرين.. نعم، هناك رجال أيضاً يعشقون «الشوبينغ»، وإن كانوا لا يحبون - أو يتظاهرون بأنهم لا يحبون - التسوق مع زوجاتهم. هناك رجال كثيرون ينفقون المال بشكلٍ عبثي على الثياب والساعات وربطات العنق والأحذية، والدراسات تؤكد ذلك. لكن، في كل مرة يجري التحدث فيها عن التسوق؛ نرى «تاء التأنيث» حاضرة.. فلنبحث عن هوس التسوق، الذي تمارسه «مروى»، وأمثالها.
نفسياً.. تقول يمنى عوض، طبيبة علم النفس: «إن هوس التسوق يصنف، منذ عام 2013، ضمن الاضطرابات المَرَضية، فهو اضطراب سلوكي، يشجعه غالباً المجتمع من خلال الإعلانات الجذابة التي نراها». وتميز بين نوعين من التسوق، هما: «القهري»، و«الاندفاعي». والثاني أقل اضطراباً من الأول. فالمتسوق المندفع هو الذي سرعان ما يدرك أنه اقترف خطأ ويشعر بالذنب؛ كونه اشترى ما لا يحتاج إليه، وما قد لا يستخدمه. هو يعرف أنه اندفع في الشراء، لكنه يعود ويشتري. يخطئ من يندفع إلى التسوق، لكن ما هو أخطر «التسوق القهري» (اضطراب التسوق القهري)، الذي يسيطر على حياته.
فلنبحث أكثر في هذا النوع من الاضطراب، إنه إدمان سلوكي، يستخدمه الفاعل للشعور بالرضا، وتجنب المشاعر السلبية، مثل: القلق والاكتئاب. لذلك، نرى بعض الأشخاص التعساء يبتسمون حينما يعودون من التسوق، مُحمَّلين بأكياس وسلع وأدوات كثيرة؛ فالتسوق يبعث لديهم الراحة.
لكن، لنحسم المسألة منذ البداية: «ليس كل من يحب التسوق مضطرباً». فمن المصاب بـ«اضطراب التسوق القهري»؟.. هو الذي يقضي الوقت في التفكير بالأشياء التي يخطط لشرائها، ويعجز عن التوقف عن ذلك. إنه من يشعر بالنشوة وقت الشراء، ثم بالندم على ما اشتراه، لكنه يكرر الفعل رغم تكرر المشاعر نفسها. هو من يقوم بإخفاء ما اشتراه عن أهل بيته؛ خوفاً من تأنيبه على تكرار الفعل. ويهرع إلى التسوق حينما يشعر بالقلق والملل والكآبة، وينفق المال الكثير على أشياء لا تستحق، وقد يواجه مشاكل مالية على إفراطه في التسوق.. يندم، لكنه يفكر في التسوق المقبل.. «غداً.. وبعد غدٍ».
الشراء الاندفاعي
«اضطراب التسوق» له أسبابه.. عند المراهقين قد يترافق ذلك مع اضطرابات أخرى في المزاج والأكل، وعدم السيطرة على الانفعالات. يقال إن الاندفاعة نحو «التسوق المضطرب» قد تنطلق من مشاعر دونية لدى الشخص، وشعوره بالعزلة، وبعدم الرضا عن الذات. هنا، قد نرى فتاة سمينة تشتري سروالاً قصيراً لن ترتديه أبداً؛ لأنها لن ترى نفسها فيه كما رفيقتها الجميلة. تشتريه، وتضعه في الدرج الأسفل. والهوس بالتسوق قد يكون محاولة من الشخص لتعزيز احترامه لذاته، لكنه سيجد صعوبة فائقة في مقاومة دوافعه إلى الشراء. قد تقف فتاة أمام المرآة في المتجر، وتنظر إلى المرآة، وهي ترتدي فستان سهرة، ضيقاً عليها، لكنها تقول، في قرارة نفسها: «سأشتريه اليوم، وسأرتديه يوم أخسر وزناً».. وهكذا، دواليك، تتراكم الثياب في الدرج، تنتظر مناسبة.
يتأثر الإنسان «المضطرب بالتسوق» بالإعلانات المغرية. هو يعرف أنها تبالغ في النتائج الإيجابية، لكنه يشتريها. من يروجون سلعةً ما، يعملون على هذه النقطة؛ لتحفيز الشراء الاندفاعي. ويقع كثيرون في دروبهم. المصابون بهذا النوع من الاضطراب يقومون بالتسوق؛ للتأقلم مع الألم العاطفي، الذي قد يشعرون به، وتجاوز مصاعب الحياة. «الشوبينغ»، بالنسبة لهؤلاء، أهم من جلسة نفسية، تسحبهم من مشاعرهم السلبية.. إنه متعة.
ترتيب الأولويات
«مروى» واحدة من هؤلاء.. إنها تشتري بلا ضوابط، وينصحها علم النفس باستشارة معالج سلوكي معرفي. ومن المهم أن تعيد الفتاة ترتيب أولوياتها، ووضع مخططات لما تقوم به. إن التدرب على التخطيط سيساعدها كثيراً؛ فلتحدد - قبل النزول للتسوق - أولوياتها، وما هو رقم واحد بالنسبة إليها، وما هو رقم عشرة. فلتخرج إلى التسوق بمبلغ قليل، ومع أصدقاء قادرين على نصحها بدل دفعها إلى الشراء، فنصف العلاج بين يديها. أما العلاج النفسي، فقد يجعلها تفهم أكثر الجذور العاطفية، التي عززت لديها هذا الاضطراب، والتحكم أكثر في انفعالاتها.
هرمونياً.. يقال إن أدمغتنا تطلق المزيد من «الدوبامين»، عند كل مرة نتسوق فيها كما يحلو لنا، ويُشكل ذلك ما يشبه المكافأة غير المتوقعة، وهذا هو سبب حبنا جميعاً للتسوق. لكن، المشكلة تكمن في الهوس المَرَضيّ في الإنفاق والشراء، والمجتمع مسؤول عنه إلى حدٍّ ما. فالطفل يكبر، وهو يسمع والديه يكرران أن هدفهما اكتساب الماديات، التي تعتبر مفتاح السعادة، فيسمع ويحفظ.
ماذا بعد؟.. يقال إن فكرة التسوق تراود المرأة كل ستين دقيقة، وهذا معناه أن كثيرات من بنات حواء يعشقن التسوق، بمعدلات تزيد على احتياجاتهن، وهذا ليس معناه أنهن جميعاً مضطربات؛ فالتسوق راحة، ألم تسمعوا مقولة: «من قال إن المال لا يشتري السعادة، لم يكن يعرف مكان التسوق». فـ«الشوبينغ» سعادة، لكنه حينما يصبح شغل الإنسان الشاغل، وهدفه في الحياة بلا رادع أو ضرورة، تكون المشكلة قد حلّت، وسنكون أمام اضطراب يحتاج إلى حلّ.. فكروا.. خططوا.. عدوا إلى عشرة.. ولا تدعوا «اضطراب التسوق» يغلبكم.