#مقالات رأي
د.عائشة بن بطي بن بشر 6 نوفمبر 2022
المشهد متكرر كما أعتقد، وفي بيوتٍ كثيرة، وهو أن الجميع موجودون في المجلس، وغير موجودين في الوقت ذاته؛ ليكونوا حاضرين غائبين. فالأجساد على المقاعد، لكن الأذهان سارحة في سيل وسائل التواصل الاجتماعي، التي أزاحت بقية خيارات الترفيه العائلي والمنزلي، بجدارة، عن عرشها.
أكتب رمسة_عاشة هذه، وأنا أضحك من قلبي على طرفة قديمة، تكررت كثيراً عبر «واتساب»، هي أن أفراد العائلة تعرفوا إلى بعضهم بعضاً، عندما انقطع «الإنترنت» فجأة عن المنزل. قد تبدو طرفة عابرة لكنها حقيقة في رأيي. ففي الماضي، كان أي شخص يودّ قضاء وقت مع آخر يتوجّه إلى مكان وجوده، سواء على مستوى الأخوة والأهل في غرف المنزل الواحد، أو على مستوى الأصدقاء والزيارات المنزلية. أما اليوم، فقد اختلفت الصورة.
هذه الرمسة ليست للتحسّر على ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي من تغيير في أسلوب التواصل بين البشر والروابط الاجتماعية، فقد فات وقت هذا، لكن لأشارككم فكرة أصبحت تتعزز لديَّ يوماً بعد يوم. فبالنسبة لي الناس - في العصر الرقمي - أمام خيارين: الأوّل: هو التذمّر من الفجوة في العلاقات، التي أحدثتها «السوشيال ميديا»، وإغلاق أعيننا وقلوبنا وعقولنا على هذه الفكرة. الثاني: هو البحث عن الفرص العديدة، التي أتاحتها، واستيعاب النوافذ والأبواب العديدة، المتاحة للتواصل بشكل مختلف.
المجموعة الأولى فاتتها فرصة التأقلم مع الفرص المتاحة، وتوظيفها لإثراء التواصل الاجتماعي بشكل جديد، مع عدم الاستغناء عن التواصل الإنساني بالتأكيد. والمجموعة الثانية نجحت في خلق نموذج متكامل، يجمع بين التواصل الرقمي واللقاءات وجهاً لوجه، كلّما سنحت الفرصة، مع فارق واضح هو أنّ من أدركوا الفرصة مبكراً، تطوّرت مساحات تواصلهم أكثر، وأصبح لـ«السوشيال ميديا» دورٌ مختلف في حياتهم.
وإن أخذتُ خاصية «الستوري»، لديَّ في «إنستغرام» كمثال، فهي شُرفة على العالم والفريج، أجلس فيها لأستمتع بمشروبي ومحتواي المفضّل، وأشارك فيها الناس ما راق لي، ويحرص مَن يهتم بالتواصل معي على المرور بها. ومن خلال تحليلي لبيانات «الستوري»؛ أجد أن الناس أصبحوا يعرفون متى وأين يمكنهم أن يجدوني؛ ليمروا مروراً طيباً، وقد نجحت في تحويلها إلى بوابة كباب مجلس أي بيت، أتحكّم أنا في أوقات التواصل وكيفيته، مع الحفاظ على مساحتي الخاصة، والضوابط التي تُشبه تلك في التواصل الإنساني المباشر في الواقع.
عصر «الرقمنة» والسرعة، الذي نعيش فيه اليوم، يتضمن الكثير من التحديات والمحددات في حركتنا وتواصلنا، في الوقت نفسه الذي يوفّر فيه المرونة، فمشاغل الحياة، مثل: الوظيفة، والواجبات الأسرية، وغيرها، قد لا تتيح لنا السفر في كل وقت أردنا، وانتظار الإجازة السنوية قد يجعل فرصة اللقاء وجهاً لوجه مسألة موسمية للغالبية، لكن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مثل البساط السحري، الذي إن أجدنا توظيفه أخذنا في لحظات أينما أردنا، ووفّر وسيلة لإثراء تواصلنا المجتمعي عبر القارات، وليس فقط في محيطنا القريب مهنياً وشخصياً.. فهل جعلتكم وسائل التواصل الاجتماعي حاضرين غائبين أم زادتكم حضوراً، لكن بطريقة مختلفة.