منتهى الرمحي 4 ديسمبر 2019
تذهلني وتدهشني تلك القدرة الموجودة عند بعض الأمهات، على الإسهام بشكل فعال في حرمان أطفالهن، من تعلم اللغة العربية. وبكل فخر، تتحدث الأم وهي مبتسمة أن ابنها (أو ابنتها) لا يستطيع تركيب جملة مفيدة باللغة العربية، بحجة أن المربية تتحدث معه باللغة الإنجليزية، وأن مدرسته مدرسة دولية، وأن أصدقاءه جميعاً على شاكلته، لا يتحدثون إلا الإنجليزية، وبالتالي هي مضطرة أن تتفاهم معه باللغة الإنجليزية أيضاً في البيت بلغة «مكسرة» ولهجة «معوجة» في غالب الأحيان، لأنه لا يفهمها إن حدثته بالعربية على حد زعمها.
مفهوم أن عالم التكنولوجيا هو عالم اللغة الإنجليزية، وأن محتوى الإنترنت العربي لا يصل لـ1%، من مجمل ما هو موجود على الشبكة العنكبوتية، وأننا كشعوب ناطقة باللغة العربية، إسهاماتنا حديثاً لا تذكر في العالم. وأن زمننا الذهبي، الذي كنا فيه نقود الأمم، قد ولى، ويبدو، إلى غير رجعة للأسف، وهذا طبيعي وفقاً للتاريخ، لأن الأيام دول.
لكن هذا لا يعني، على الإطلاق، أن نتبرأ من لغتنا وحضارتنا وتاريخنا. فمن البديهيات في التعليم أن من يتقن لغتين أفضل ممن يتقن لغة واحدة، وأن من يتقن ثلاث لغات أفضل ممن يتقن اثنتين، وفرصته في التقدم المهني تتجاوز فرص غيره.
إذاً حقيقة لا أجد سبباً مقبولاً أو معقولاً لهذه السعادة والفرح الذي نشاهده على وجوه الأمهات، سواء كنا في مركز للتسوق أو في مطعم أو حتى في طابور انتظار تاكسي، وهن يتحدثن عن ضعف أبنائهن في اللغة العربية. ومؤلم أن بعضهن يصرحن، من دون خجل، بأنهن لو استطعن إلحاق أبنائهن في مدارسهم ضمن منهاج غير الناطقين باللغة العربية لما ترددن في ذلك.
معيب هذا التخلي.