#ثقافة وفنون
عمر عناز 23 أكتوبر 2019
لينا هويان الحسن، روائية سوريّة مساحتها البادية بما فيها من أسرار وحكايات مكتنزة بالمتعة والإدهاش، بها من عبق ياسمين الشّام ورقرقة الماء في بردى ما يكفي لابتكار عوالم من فتنة.
• تبدو البداوة مادة خصبة للكثير من أعمالك، ما السِّر في انحيازك إلى هذا الفضاء الفسيح بمعانيه ودلالاته؟
إنها فترة الطفولة التي تدهشنا بفتنتها اللامحدودة، نبع طاقاتنا النقية، أمكنتنا الأولى، الصفحات الأثيرة إلى أنفسنا، بحيث لا يمكن أن تطوى وتُنسى. أخشى أن يكون مُكرَّراً ما أقوله في شأن (بداوتي- الغرائبية)، وذاكرتي المتنوعة والمتلونة بشتى أنماط العيش في سوريا. لعلّي اختبرت معظم بقاع سوريا بسبب تنقلاتي مع عائلتي، بحكم عمل والدي الذي كان ضابطاً في الجيش.
الحسن البدوي
• يقول المتنبي مُنتصِراً للحسن البدويِّ: حُسْنُ الحضارة مَجلوبٌ بتطريةٍ.. وفي البداوة حُسنٌ غير مَجلوبِ، كيف تنظرين إلى الحسن البدوي بعيني الروائية ابنة البادية؟
سأنطلق من وصف الأمير أمين أرسلان للفاتنة قطنة الكنج التي رآها في عمّان مرتين مطلع القرن الـ20، كان أهم مفردة استخدمها هي «الجارح»، فالبدو يحبّون لجمال نسائهم أن يشبه صقورهم وخيولهم وصحراءهم، لا يقبلونه نصف جمال، لهذا دوّنت عبارة «سيرة أشهر بادية الشام» على غلاف روايتي «سلطانات الرمل».
• يزعم البعض أن المثالية في طروحات معظم الأدباء والكتاب مزيفة تنقضها سلوكياتهم، وأنهم لا يشبهون ما يكتبون غالباً، ما رأيك؟
هنا التحدّي بالضبط (أن تشبه ما تكتب) هذا سيكون سبباً يُحبُّك لأجله القرّاء، بينما يكرهك الزملاء.. نعم الأدب هو الحضن الدافئ للأكاذيب، أكاذيب مختارة، وفق مصالحك، هذا ليس عيباً في الأدب إنما في زوّار أرضه، ومن الطبيعي أن يكون دائماً هنالك المزيف الذي يُظهر حُسْن الحقيقي.
هدوء البادية
• بعد سنوات من الإقامة ببيروت، المدينة الصاخبة، كم بقي فيك من البادية وهدوئها؟
أينما ذهبنا نحمل معنا (النسغ، اللحاء)، هنالك شيء نمتلكه بشغف وأصالة لن يكون بوسع أحد سلبه أو حتى المساس به. بداوتي في طريقة تفكيري، في تغييري الدائم لأمكنتي، ثمة ارتحال دأبت عليه منذ طفولتي، مثلاً خلال مدة وجودي في بيروت تنقّلت بين حوالي أربعة منازل، أتعمَّد بين وقت وآخر تغيير الحي والمكان، أجدد على طريقتي. منحتني بيروت العزلة التي تقت إليها دائماً بعيداً عن المعارف والأقارب وحتى الأهل، هنا أعيش يومياتي باستقلال واستثمار كامل لوقتي.
• وفرة كبيرة في الأعمال الروائية تشهدها معارض الكتب، هل أصبحت الرواية موضة الراهن الثقافي؟
لعل الشعر الذي شهد تعديات رهيبة من قبل (الشعارير والشعرورات) قد تلقى الطعنة قبل الرواية، فها هي الرواية الآن خاصرتها مكشوفة لطعنات عديمي المواهب، وغياب النقد الجاد أسهم في الفوضى السائدة، في النهاية لا أعتبر أنّ ذلك مؤشر حقيقي على النصوص الجيدة. النصوص الجيدة تشبه الخيول الأصيلة في النهاية.
الشعر عسل اللغة
ترد الروائية السورية لينا هويان الحسن على سؤال حول عدم اندفاعها لكتابة الشعر، كما تفعل مع الرواية، بالقول: «أقول دائماً إن الشعر عسل اللغة، ولا أخفي أني أقاوم نزوعاً شرساً يدفعني إلى العودة لمملكة الشعر البهية. رغم الضحالة التي بلغتها حال الشعر الحديث، لكن يبقى هنالك ما يغري. لكن الرواية أرضها أكثر رحابة، وممهدة لعدو خيول الخيال، وهذا رأي شخصي لا أفرضه أو أعممه».