#ثقافة وفنون
فهد الأسطاء 3 سبتمبر 2019
منذ عقود طويلة والمخرجون يسعون إلى وضع مجموعة أفكارهم أو تتبع شخصياتهم وحكاية قصصهم عبر أكثر من فيلم ليظهر ما تمت تسميته بالثلاثيات، والتي تضم ثلاثة أفلام متتابعة حتى لو اختلفت القصة في كل فيلم، لكنها توحدت في المغزى والمفهوم كما هو مع الياباني هيروي تشيغاهارا وثلاثيته التي بدأ بها الإخراج في الستينات (Pitfall, Woman in the Dunes, The Face of Another) أو ثلاثية الألماني مايكل هينيكي في الثمانينات (The Seventh Continent, Benny's Video, 71 Fragments of a Chronology of Chance) أو ثلاثية الحرب لدى الإيطالي روسيليني في الأربعينات، والياباني كوباياشي (The Human Condition) أو ذات قصة واحدة متسلسلة كما هي بعض الثلاثيات الشهيرة مثل العراب وسيد الخواتم.
لكننا بالإجمال حينما نريد ذكر أبرز روائع الثلاثيات السينمائية، فسيأتي في مقدمتها «ثلاثية آبو» في الخمسينات للمخرج الهندي ستاياجيت راي (1921-1992) والتي تحكي قصة واحدة لحياة آبو راي منذ الصغر في قريته بين أهله وحتى هجرته للمدينة.
جائزة فرنسية
كان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران من أشد المعجبين بأعمال ستايجيت راي، وقد سافر ذات يوم بنفسه إلى كلكتا في الهند، ليقدم له جائزة The Legion of Honor، وهي جائزة مرموقة في فرنسا تم تقديمها لأولئك الذين أظهروا إنجازاً رائعاً مدى الحياة في مجال العمل الذي اختاروه، بدلاً من دعوته إلى فرنسا لحضور الحفل. وهو المخرج أيضاً الذي كان قد اختير عام 1967 ضمن أفضل 20 مخرجاً على الإطلاق في مجلة Entertainment Entertainment.
ومن اللافت أن هذا المخرج العظيم كان قد بدأ مسيرته في الإخراج مع أول أفلامه عام 1955 Pather Panchali وهو الفيلم الأول من الثلاثية، والذي يحكي فيه بسرد درامي رائع ومؤثر لا يخلو من حس شاعري التقطته الكاميرا وعبرت عنه الموسيقى الهندية الخالصة، قصة الطفل الصغير «آبو راي» وأهله في قرية صغيرة في حالة من البؤس والفقر يضطر معها والده الكاتب والشاعر الذي يعول أخته وأمه أيضاً إلى ترك القرية لفترة من أجل البحث عن سبيل لتحسين معيشتهم تاركاً آبو وعائلته يعانون الفقر والمرض. ثم في السنة التي تليها عام 1956 يقدم ستاياجيت راي الفيلم الثاني من الثلاثية Aparajito حينما يغدو آبو شاباً يافعاً ليترك القرية بنفسه حتى مع عودة والده ووفاته في ما بعد، حيث يترك أمه وحيدة ليتجه نحو مدينة كلكتا من أجل أن يحظى بحياة أفضل ويخفف عبء معيشته عن والدته.
عامان
بعدها توقف المخرج ستايجيت لمدة سنتين عن إكمال القصة وختام الثلاثية ليقدم خلال سنة واحدة وهي 1958 فيلمين أحدهما الفيلم الكوميدي الطريف Paras-Pathar حول كاتب في منتصف العمر براتب منخفض يجد حجراً يعمل على تغيير الحديد إلى ذهب عند لمسه. ثم فيلمه الثاني التحفة السينمائية وأحد أشهر وأفضل أفلامه أيضاً The Music Room وهو دراما موسيقية حول تاجر ومالك عقار يعشق الموسيقى ويقيم الحفلات الخاصة في منزله وهو يواجه مهمة دعم مكانة أسرته أمام الأزمات الاقتصادية.
الفيلم الثالث
وفي عام 1959 يعود ستايجيت لإكمال الثلاثية بفيلمه الثالث The World of Apu حينما يختم قصة آبو بمنتهى الروعة والتأثير وقد غدا شاباً بلا والدين ولا أقارب، لكنه يسعى حثيثاً إلى تحقيق طموحه ليكون كاتباً مرموقاً تسوقه الأقدار إلى صداقات وعلاقات تؤثر في حياته. ليأتي بعدها الناقد الراحل الشهير روجر إيبرت مضمناً هذا الفيلم الأخير ضمن قائمته للأفلام العظيمة، كما صنفته مجلة TIME عام 2005 كأحد أفضل 100 فيلم في كل العصور. بينما وضعها ستيفن شنايدر ضمن قائمته الشهيرة «1001 أفلام يجب أن تراها قبل أن تموت» فيما صرح الكاتب والرسام والمنتج مات غرينينغ أكثر من مرة بأن ثلاثية أفلام Apu هي أفلامه المفضلة.
ذات يوم صرح المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا قائلاً: «إن عدم مشاهدة أفلام راي هو أن تعيش في العالم دون أن ترى القمر والشمس أبداً».