#صحة
نوال نصر 11 يونيو 2019
للصابونِ قصة جميلة استثنائية، غير كل القصص، توازي الذهب واللؤلؤ والألماس، وتتجاوز الروائح العطرية والعلاجية والفكر والفلسفة والنوستالوجيا. روائح الصابون تستقبلُنا في «قرية بدر حسون البيئية» شمال لبنان، مخترقة الأنف والرئتين إلى الروح والقلب. وإكليل الجبل، العشبة المضادة للأكسدة، كثيرة في المحيط. وأشجار زيتون وغار تتناثر في الجوار. وأكبر صابونة في العالم تستند إلى
صخرة بشموخ
آل حسون عائلة لبنانية طرابلسية بدأت عام 1480م، كما كثير من عائلات عاصمة الشمال طرابلس، العمل في صناعة الصابون في بقعة سُميت «خان الصابون». أمير حسون ينتمي إلى جيل آل حسون الـ15 في صناعة الصابون المُذيل بتوقيع «صنع في لبنان». عائلات أخرى كثيرة تلاشت مع الأيام والخان يكاد يفرغ من ركائزه. لذا كان لا بُدّ من ثورة في اتجاه إعادة الرئة إلى هذه الصناعة التي تُحرك مختلف الحواس.
مطبخ وتراث
تأسست «قرية الصابون» في شمال لبنان، وباتت بمثابة «بيت» للصابون ولكل من ينوي التعرف إلى قصص الصابون والعطور من الألف إلى الياء. ألوان الصابون تفتح، في مطبخِهِ، النفس. المصنعُ هناك يُسمى مطبخاً والصابون يُقدم على نسق المعمول والحلويات. زينة رمضان وزينة الميلاد وزينة مختلف الأعياد موجودة بألواحِ صابون. التراث اللبناني من طربوش وجرن كبة وأرزة ومسبحة من صابون.
ننظرُ إلى وجوه العاملين هناك فنراها خالية من خطوط العمر ومن تعب النهارات. فهل لنا أن نقتحم أسرار شبابهم؟ هل للصابون يد؟ هل هو السبب؟
نجول بين التفاصيل في القرية فنرى كثيراً من المساكب المزروعة بأعشاب الخزامى والياسمين والورد والبابونج وغار الجبل والنعناع البري وإكليل الجبل والزعتر والشمّر والمريمية التي تُستخرج منها العطور والزيوت. أما الشحوم الحيوانية فممنوع استخدامها هنا. وكلّ 30 كيلوجراماً من الأعشاب يُعطي، بعد تقطيره بكركة نادرة موجودة 50 ملليجراماً من العصارة فقط لا غير.
«بصمة الصابون»
ثمة مجموعات كثيرة بأسماء شخصيات عربية وأجنبية كثيرة. كل البشر الذين جربوا الصابون اللبناني الأصيل أحبوا عطره ونتائجه. ثمة صابونة فيها لؤلؤ. وثمة صابونة فيها ذهب عيار 24. فهل تتصورنّ أنكنّ تستحممن بالذهب؟ فكرة قد تهواها كثير من النساء، خصوصاًَ إذا علمن أن هذا النوع من الصابون كفيل بتنقية البشرة، وقد ثبت تاريخياً أن الذهب يجدد الخلايا ويساعد على مرونة البشرة ويمنحها الإشراقة والنضارة ويعالج التقرحات والبهاق. وثمة إشعاع يبثه الذهب يعزز هرمون الأنوثة في الجسد.
نجول بين ألواح الصابون الملون. نتوقف أمام كركة التقطير. نشاهد الصبايا وهنّ يهندسن الصابونة بأشكال ونحوتات كما يفعل كبار المصممين فنتأكد أن الصابونة التي استبدلناها عبر العصور بسوائل صناعية عطرة ما زالت تستهوي الكثيرين ممن يفقهون أهمية الصابون الذي يزيد، في الطب الطبيعي، أضعاف فوائد الصابون السائل. فالصابونة تنظف أكثر وتفيد أكثر خصوصاً إذا كانت مصنوعة من الزيوت الطبيعية مئة في المئة.
صابون الزيتون
الزيتون موجود غالباً في مختلف أنواع الصابون. أوراقه، خشبته، بذرته كلها مفيدة. يُستخرج من الخشبة القطران وهو يفيد في تعزيز مناعة الجلد. أما أوراق الزيتون فيُستفاد من مياهها المقطرة كمضاد بكتيري. أما الصابون المصنوع من إكليل الجبل فيفيد كثيراً في التئام الجروح والتقرحات. بذور نباتات أخرى كثيرة تُستخدم في صناعة الصابون في القرية البيئية النائية الجميلة بينها بذور العنب والرمان والمشمش والنخيل.
نجول في تفاصيل القرية؛ أولادٌ يتحلقون حول قطع من الصابون ويعملون على تقطيعها إلى أشكال هندسية متنوعة وهم يصغون بانتباه شديد، وبضحكاتٍ من القلب، إلى تفاصيل الصابونة. نسترق السمع فتشدنا الأخبار: الكيلوجرام الواحد من الزيوت العطرية الطبيعية المستخدمة في صناعة الصابون من أغلى المواد في العالم. العسلُ يستخدم هو أيضاً في صناعة بعض أنواع الصابون.
أشكال وألوان وعلاجات
الصابون أشكال وألوان ومكونات وأسعار. وثمة صابونة تحتاج صناعتها إلى أسبوع وهناك صابونة صناعتها تحتاج إلى ستة أشهر.
رائحة العود جميلة. العود المطلوب عربياً بات مطلباً عالمياً. نتنشق عميقاً ونتابع. روائح الصابون المصنوع من العسل تشق هي أيضاً القلب إلى الجهاز العصبي وتفرض تأثيرها على كامل الجسد. هنا يقولون إن هذه الرائحة تؤثر إيجاباً إلى الذاكرة والعواطف. الأرغان والبابونج يمنحان بدوريهما الجلد النعومة ويحدان من الحساسية والاحمرار. زيت النعناع البري يُطهر هو أيضاً المسام ويجدد الحواس ويمنح الحيوية والنشاط، في الطبيعة المفعمة بالأعشاب الطبية العلاجية، التي صنع منها أكثر من 700 صنف من الصابون العطري.
حكماء الصابون
أوّل صابونة صنعتها عائلة آل حسون في لبنان في عام 1480. صابون بيت حسون بات اليوم في كل مكان في العالم. ومدينة طرابلس في لبنان حلّت مباشرة بعد نابلس في فلسطين في صناعة الصابون في العالم. هناك من يشتري اليوم الصابون الموقع باسم صابون مرسيليا الفرنسية وهذا الصابون أصله من طرابلس. العائلات الطرابلسية نشرت ثقافتها مع الصابون في كل مكان. وكان العاملون في هذا المجال يُسمون «حكماء» لأنهم كانوا يدمجون بين الأعشاب المتنوعة الكثيرة في إرساء العلاجات بالعطور.