واسيني الأعرج 21 مارس 2019
لا غرابة. في حياة القادة العسكريين قصص حب عظيمة، غطت عليها الصفة المهنية الطاغية. كان نابليون بونابرت شخصية كبيرة، جعل من فرنسا الضعيفة إمبراطورية كبيرة وشاسعة الأطراف إلى أن أدت به أطماعه إلى النهايات التراجيدية والهزيمة والمنفى. لكنه جعل فرنسا ترتقي إلى أعلى الرتب العالمية وأفضلها في نظامها وقوانينها التي لا تزال إلى اليوم مرجعاً حيوياً. فقد كان حاكماً صارماً، وكان أيضاً محارباً بجانب جيوشه، وليس رجل قصور ومكاتب. هو من جيل جمع بين تسيير الدولة، والجهد العسكري الميداني. حياته العاطفية، ومراسلاته مع جوزفين (ماري جوزيف روز تاشير 23 يونيو 1763) تكشف بقوة عن هشاشة الرجل الداخلية وعاطفته وحساسيته وإنسانيته. رسائل دافئة من الجبهات التي يبث فيها أشواقه وحنينه.
كانت جوزفين خارجة من تجربة زواج قاسية. فقد أُعدم زوجها الجنرال فرانسوا بوهارني بالمقصلة من قبل روبيسبيير، بسبب تهريبه الملك إلى بلدة فارين. بينما أدخلت هي السجن، ولولا جمالها للقيت المصير نفسه. وترملت من زوج لم تكن تحبه على الرغم من أنها أنجبت منه صبيين، ظلت في قمة جمالها وشبابها. جمال كريولي مارتنيكي، بين السمرة وبهاء الداخل. لم تغادر المارتنيك إلا في 1777 عندما التحقت بزوجها بوهارني. وظلت بعد وفاته متشبثة بحاشية لويس الـ16، فتعرفت إلى الكثير من الضباط الصغار.
لقاء بونابرت بها في هذه الأوساط، في سنة 1796، كان عن طريق الصدفة، في حفل عشاء خيري في باريس. وكانت تبحث لها عن مكان في المجتمع الأرستقراطي. صعق نابليون بجمالها، فأحبها وارتبط بها عاطفياً بقوة، حتى إنه غيّر اسمها الذي كان به اسم زوجها واختار لها اسم جوزفين حتى يشعر بكبرياء التملك، ويتخلص من ميراثها العشقي. بعد شهور قليلة من تعرفه إليها، تزوجها وكان عمرها وقتها 27 عاماً، في التاسع من مارس 1796. وكأن القدر كان ضد هذا الحب الذي بدأ مشتعلاً، فيضطر إلى مرافقة جيشه الإيطالي الذي كان يرأسه. ويترك جوزفين وراءه، في باريس، وهي في عز تعطشها له. فتجد نفسها من جديد في عزلة قاسية كأرملة مهزومة تنتظر فارساً يخرجها من دوامة الفراغ. لم تستطع العيش بلا رجل، فتقيم علاقة دامت طويلاً، مع عريف في الجيش: هيبوليت شارل. زادت حملة نابليون على مصر من تعمق هذه العلاقة، في الفترة نفسها التي كان فيها نابليون يكتب لها رسائل ملتهبة عشقاً، وترد عليه بالقوة نفسها. عندما عرف بالقصة، فكر في الطلاق منها، لكنه لم يتمكن من مقاومة عشقه لها. بعدما أصبح إمبراطوراً في 2 ديسمبر 1804 بمباركة البابا پي السابع Pie 7، أصبحت جوزفين تلقائياً إمبراطورة فرنسا الأولى، لكنه عندما فكر في الوريث اصطدم بعجز زوجته عن الإنجاب. يقرر الزواج بغيرها، ويطلق المرأة التي ساعدته في كل فتوحاته ووقفت بجانبه في الأيام الصعبة، في 15 ديسمبر 1809، في قصر ليتويلوري. تنعزل في بيتها مع ابنيها من الجنرال بوهارني، وأحفادها الذين كانت مرتبطة بهم بقوة.
كانت جوزفين مبذرة جداً مالياً، فكانت تنظم السهرات لكبار الشخصيات الأرستقراطية، في قصرها مالميزون، من أمثال قيصر روسيا ألكسندر الأول، أثناء زيارته لفرنسا. ظلت حسرة عدم الإنجاب من نابليون انكساراً داخلياً صاحبها حتى الموت بسبب مرض رئوي في 29 مايو 1814. بينما ظلت بالنسبة إلى نابليون أهم امرأة ملأت حياته نوراً وحباً حتى وفاته في 5 مايو 1821 في سانت هيلين، بعد أن كان قد أتم ست سنوات منفى قبل ذلك.