لاما عزت 3 مايو 2018
حالة من نكران الجميل واللوم الدائم له رغم أنه أقرب المقربين هذه الأيام. يُمضي غالبيتنا ساعات طويلة يومياً معه وعندما نُقصّر في جانب من جوانب حياتنا يكون هو الحلقة الأضعف التي سرعان ما نوجه لها الاتهام. فهو في قفص اتهام التفكك الأسري، وفتور العلاقات الاجتماعية، وانعدام الحوار داخل الأسرة الواحدة، وضعف التحصيل العلمي للأبناء وقلة نشاطهم البدني والقائمة تطول ونسارع للومه لأنه شمّاعة في متناول اليد فهل عرفتموه؟
نعم هو الهاتف الذكي لكنه ليس المتهم الوحيد ولكن عائلته كلها وهي التقنية. لا يخفى على أحد أن طبيعة حياتنا تغيرت بشكل جذري وأصبحت تفاصيلها كثيرة جداً نتيجة التطور التقني الهائل واللحظي الذي رافق التقنية. ففي الماضي القريب كان المحتوى الإعلامي والاتصالي محدود وقنواته متاحة في أوقات وأماكن معينة، فكنّا ننشغل بحياتنا الحقيقية إلى أن يحين موعد نشرة الأخبار أو يحل موعد برنامجنا المفضل أو نجلس أمام الحاسوب، ولكن منذ فجر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح التعرض الإعلامي والاتصالي متاحاً في كل لحظة فرافق ذلك حالتين: الأولى فقدان كثيرين منّا التركيز وسط متعة التواصل، والثانية إتقان آخرين فن إدارة الأولويات وتحويل التقنية لثروة انعكست على حياتهم. نعيش اليوم عصر الثورة الصناعية الرابعة التي يشكل التطور التقني الهائل عصبها، وبالتالي لن تتوقف التقنية عن التطور بمجرد أن نواصل التذمر من أثرها على حياتنا ولكن على العكس بفضل التقنية أصبحنا قادرين على التحكم في تفاصيل حياتنا أكثر من أي وقت مضى وتوفير الوقت والجهد، فعلى سبيل المثال بحلول عام 2021 نعمل في دبي للاستغناء تماماً عن الورق في المعاملات الحكومية من خلال استراتيجية حكومة بلا ورق وهو ما سيوفر للناس أكثر من 40 ساعة سنوياً يمضونها في إجراء المعاملات الورقية، وسنوفر مليار ورقة تكفي كلفتها لإطعام 4 ملايين طفل جائع حول العالم والعديد من الفوائد غيرها. البقاء على اتصال والتقنيات أصبحت في أهميتها توازي الغذاء والماء، فهل من يعاني خللاً في النظام الغذائي يستغني عن الماء والغذاء أم ينظمه؟ وهو الأمر نفسه للتقنيات وفي مقدمتها المسكين الهاتف الذكي ولا أريد في مقالي التنظير، بل أن أشارككم وقفة مع الذات وتقييم ما يحصل فعلاً. جميع التهم التي نلصقها بالتقنية وهواتفنا وذكرتها في المقدمة هي حصيلة انشغالنا بتفاصيل أيامنا من دون أن نفكّر في هذه التفاصيل وهي تفهم ألصقناه بالتلفاز قبل الأجهزة الذكية. وبرأيي مفتاح الحلّ هو أن نسأل أنفسنا هل كل ما نقوم به مهم في حياتنا؟ وهل نسينا أموراً أكثر أهمية؟ ليست هناك إجابة صحيحة واحدة ولا أمتلكها أنا أو أحدٌ غيري وإنما لكل واحد منّا إجابة تخصه حسب التهمة التي أعدّها للتقنية. وبداية البحث عن إجابة يتمثل في وضع قائمة بالأمور التي نقول إن التقنية أثّرت فيها سلباً وكتابة المشكلة ومجموعة الأسباب التي نعتقد أنها السبب. فمثلاً لو كان الواتساب أو التطبيقات الأخرى قطعت الحوار داخل الأسرة نبحث عن نقاط اهتمام تجمع الأسرة في حديث فعلي أو نختار نشاطاً يهمّنا جميعاً وكما نعززه بخلق حوار ممتد يجمع أفراد العائلة أو الأصدقاء على هذه المنصات ليعود الحوار بالتدريج ويتراجع الهاتف الذكي لمكانه الصحيح. القائمة تطول لما يمكن أن نلوم التقنية عليه ولن يتسع مقال واحد لمناقشتها ولكن أؤمن بأن أيامنا مزدحمة بالتفاصيل والتقنية واحدة منها، والمطلوب ليس ترك الأجهزة الذكية أو التقنية ولكن منحها مكانها الصحيح في حياتنا. إن كنّا لا نجيد السباحة فالمشكلة ليست في الماء، ولكن المطلوب أن نتقن السباحة. فلنتنفس ونأخذ استراحة ونفكر في المسؤول الحقيقي عما ينقصنا ونترك شمّاعة التقنية لتفرغ بالتدريج وتختفي.