#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 8 أغسطس 2022
يقولون إنني أتكلم أثناء نومي!
لا يعلمون أنني لا أنام.. أجل.. لا أظنني أنام.. أنا فقط أنتقل من واقع مزدحم بك إلى حلم هو بك أكثر ازدحاماً!
يتعجبون ابتسامة أستيقظ بها.. ابتسامة تعانق دمعة.. وكلتاهما تحمل اسمك!
لكنهم يتعجبون أكثر عندما يرون شرودي الصباحي أمام فرن الموقد حيث «قالب الكيك»، الذي أراقبه يرتفع.. يرتفع.. حتى يكاد يقارب الشكل المثالي، ثم يهبط فجأة تاركاً تجويفاً مخيفاً في منتصفه!
هذا المشهد الكارثي، الذي كنتَ أنت كفيلاً بتحويله إلى موجة من المرح، وأنت تهتف بعبث: «الحل في إعادة التدوير».. مهارتك الخبيرة تسعفك لتقطعه قطعاً صغيرة تسقيها بشراب ما، ثم تمنحه زينة خادعة، وتمنحه اسماً غير اسمه فتحلَّ المشكلة!
ربما تكون، حقاً، قد رحلت تاركاً ندبتك على جبيني، لكنني لازلت أحفظ نصيحتك، فأحاول إصلاح ما أفسدتَه أنت بـ«إعادة تدوير»!
ضحكتي مثلاً!.. هذه الطفولية العالية التي أفسدتها طعنات الغدر تارة، وضربات الخذلان أخرى.. الآن أعدت تدويرها لأجيد ترويض صوتها، فأحيلها ابتسامةً متزنة تعرف كيف تتحايل على يبس الشفاه!
دموعي مثلاً!.. هذه التي قديماً طالما مارست عادتها في الهطول كغيث مالح لا يسقي غرساً، ولا ينبت زرعاً.. الآن أعدت تدويره ليسكن في حدقتيّ شاهداً أخرس على وجع.. وحارساً أميناً لا يخون.. فقط يلكزني رمحه بخفة؛ كلما تماديت كي لا أعيد الخطأ.
اشتياقي مثلاً!.. هذا الذي كان يدفعني قسراً كل مرة لفتح الباب المغلق بيننا.. لصعود السلم الذي لا تنتهي درجاته أبداً مهما تلاحقت أنفاسي.. الآن أعيد تدويره، فأحيله «قفلاً» كبيراً، يرقد صارماً على نفس الباب بيننا، بينما أعطي ظهري للسلم الذي ما عاد يعنيني طول درجاته!
قلبي مثلاً!.. آه!.. بقي هذا العنيد المراوغ الذي يتهرب من إعادة التدوير..! يختبئ مني فيك.. ويهرب مني إليك.. أبني أسواراً يهدمها.. أشهر أسلحتي فيخفضها.. فمتى يكبر الطفل المكابر ليدرك أن خسارة العمر ليس بعدها خسارة؟!.. وأن الحقائب التي يمني نفسه بفتحها فارغة؟!
متى يدرك الفارق بين «الحارس» و«السجان»، قبل أن تخنقه رائحة الجدران؟!
متى يستجيب لدعوتي بـ«إعادة تدوير»؛ فتستحيل خفقاته «ممحاة» تطمس نقوش جدراننا القديمة، أو «فرشاة» ترسم أخرى جديدة؟!