#مقالات رأي
د.عائشة بن بطي بن بشر 6 أغسطس 2022
روعة البدايات.. مُصطلح تعوّدنا على أن نسمعه، في إشارة إلى أن الأشياء جميلة في بدايتها، لكن يقِلّ بريقها مع مرور الوقت. وهذه المرة في «رمسة عاشة» أردت أن أشارككم بُعداً آخر لمعنى البدايات، معنى غمرني وأنا أعيش محطّة تتكرر في حياتي كثيراً، هي إعادة اكتشاف ذاتي، في التفاصيل التي غفلت عنها مع ازدحام وسرعة الحياة.
متى تجتاحنا هذه الأفكار عادةً؟ تحضرنا عندما نصل إلى مرحلة، تصل فيها أيامنا حدّ الإشباع، من حيث تشابه التفاصيل، حتى إن كان الإنسان في قمة النجاح أو قمة السعادة، وأحياناً تكون في مراحل تُسيطر فيها علينا الحيرة تجاه اختياراتنا المصيرية في الحياة، ومهما كانت الحالة التي تعيشونها، وأنتم تقرؤون «رمستي»؛ أدعُكم إلى البحث عن نُقطة انطلاق جديدة تبدؤون منها؛ لأنه للبدايات روعة غير عادية، وعكس المتوقّع للبدايات في مراحل متقدمة من حياتنا الاجتماعية والمهنية. وبالبدايات لا أعني أن نترك ما وصلنا له مهملاً، أو نهدم نجاحاتنا، لكن أن نبدأ من نُقطة شغف، طالما سيطرت على خيالنا واهتمامنا وأجّلناها مراراً.
يعرف المقربون منّي - من أهل وأصدقاء - أنني أعشق العطور، خاصة الإصدارات المحدودة أو المخصصة، لأنّها بالنسبة لي تُشبه السفر، فمع كلّ عطر مميز رحلة ليست إلى بلد فقط، لكن إلى مكونات متعددة الأصول من مناطق ومصادر فريدة. وفي الوقت ذاته، فرصة للتعرّف إلى ثمرة ذوق صانعة/ أو صانع عطور أجادا مزج المواد في أرواحهما؛ لتعطي هوية وعبقاً جديدين للمكونات، فالعطور في حياتنا تحمل معها مناسبات وذكريات، وغيرها الكثير.
هذا الصيف، اخترت أن تكون إجازتي مُختلفة، فعدت فيها تلميذة على مقاعد الدراسة، لكن ليست دراسة أكاديمية بحتة، بل التحقت ببرنامج لواحدة من أشهر أكاديميات صناعة العطور في العالم بفرنسا. مقالي ليس عن الأكاديمية، بل عن الإحساس الذي رافقني في الأيام الأولى من انضمامي إلى البرنامج، وهو إحساس جميل، وولادة من جديد لروحي، لكن في الوقت ذاته جاءتني مشاعر تُشبه تلك التي سيطرت عليَّ مع كل سفر لدراسة درجتَي الماجستير والدكتوراه، والحنين إلى ما كُنت أراه اعتيادياً، وأسأل نفسي: هل هذا ما أردت أو ما أحتاج، أم أنّني استعجلت؟ لكن الإجابة الشافية هي الانغماس في التجربة وتفاصيلها؛ لأدرك معناها وقيمتها!
ها أنا، هنا، تلميذة على مقاعد عِطر، ظننت أنني أعرفه من قبل؛ ولأصنع ما أحِب بحُب كبير، وأفهم بعمق سرّ تعلقي بالعطور وأثرها بروحي؛ لأتمكن من صناعة عطر يُشبه إحساسي بإذن الله قريباً. ستكون بداية جديدة، كغيرها من محطات حياتي، وقد لا أبقى هنا كثيراً، لكن ما سيتغيّر هو أنني سأضع أهدافاً مؤجلة حيّز التنفيذ، وقد تولد معها نجاحات استثنائية غير عادية، تجعلني أكثر قُرباً من نفسي، التي أظنّ أنني أعرفها.
في «رمسة عاشة»، أدعوكم لتكون أي مساحة متاحة لديكم فرصة لعثوركم على ذاتكم، بأخذ خطوة للبدء من جديد؛ لتعيشوا روعة البدايات؛ فهي ليست مقصورة على التخرّج، أو الزواج، أو أوّل وظيفة، أو غيرها الكثير. فهناك بداية تستحقّ أن نبدأها كلّ فترة من حياتنا؛ لأن الله خلقنا لنعمّر الحياة، وكم هو جميل أن نبدأ من ذاتنا؛ فنعيد بناء أرواحنا وحياتنا ككل.. فهل خطر ببالكم الشغف الذي ستكون منه بدايتكم الجديدة بين سطور «رمستي»؟