د.فاطمة حمد المزروعي 24 نوفمبر 2019
ضمن إيقاع الحياة العصرية السريع، تمرّ الساعات مهرولة نحو المساء، فتطوى صفحات الأيام، ضمن هذا الإيقاع يعاني بعض الناس وطأة الضغوط الحياتية فيقعون في الفخ! وإذا كان للحياة إيقاع، فالمرء له إيقاعان، أحدهما مادي ينتظم فيه الجدول اليومي أو الأسبوعي، قد يكون مزدحماً بالاجتماعات والمواعيد، وقد تكون فيه مساحات للتأمل والعائلة والمتعة وممارسة الهوايات، في نهاية الأسبوع. أما الإيقاع الآخر فهو نفسي، مرتبط بهدوء المرء وسلامه النفسي أو قلقه وتوتره. هنا أتساءل هل كل الناس فعلاً مشغولون؟ هل كلهم قادرون على التوازن؟ هل يمكن أن يزدحم الجدول بالأعمال من دون أن يسبب ذلك قلقاً وضغطاً نفسياً على الشخص؟
إحدى الدراسات تجيب عن بعض هذه التساؤلات، ألا وهي دراسة أجريت في مركز أبحاث استخدام الوقت، الذي يتبع جامعة كوليدج في لندن، توصلت إلى أن إيقاع الحياة السريع ليس إلا وهم وأسطورة لدى كثير من الناس! الغريب أن بعضاً ممن أخذت آراؤهم في الدراسة اعترفوا بأنهم ادعوا، في بعض المرات، عدم وجود وقت فراغ لديهم، كنوع من الوجاهة الاجتماعية، حتى يظن الجميع أنهم مهمون!
من يتأمل الدراسة يصل إلى نتيجة مفادها أن الإيقاع السريع أو الهادئ في الحياة مرتبط بشكل أساسي بالشخص ذاته؛ لأن جدوله الأسبوعي أو اليومي ليس مؤشراً إلا إلى ما يهتم به ويشغل وقته. هناك من يلتهم العمل أغلب يومه، في حين أن آخرين قد تكون الرياضة أهم ما في يومهم بالإضافة للعمل، ووقت العائلة لديهم هو في نهاية الأسبوع! في المقابل هناك من يعكس جدولهم توازناً طيباً. أما الإيقاع النفسي فتتحكم فيه ردود فعل الشخص تجاه ما يحدث له، هل لديه مصفاة (فلتر) يخفف من خلالها ما يحدث معه؟ أم أن أقل الأشياء تثير استياءه؟
الجدول اليومي أو الأسبوعي لا بد أن يكون متنوعاً؛ يلبي حاجات الإنسان الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، فلا يدع العمل يطغى على كل شيء، إنما هو التوازن بين الاحتياجات والرغبات والأولويات، التي تمثل أهدافه في الحياة، مع بعض المتع الصغيرة العابرة خلال الأسبوع.
يحزنني أن بعض الناس لا يتركون مساحات للراحة والتأمل والاستمتاع بالهوايات، كثير من هؤلاء من النساء العربيات، يبخلن بساعات من الأسبوع لشحن طاقاتهن النفسية والروحية، ينظرن إلى هذه الساعات كرفاهية أكثر مما تحتمل جداولهن اليومية! من المفيد أن يصنع المرء جدولاً أسبوعياً له، مقسماً بما يلائمه، بعض الشركات المصنعة لهذه الجداول راعت في التقسيم أن يكون هناك حيز لجدول كل يوم، والمهام المطلوب أداؤها، مساحة للعادات الصحية، مع إشارة في الجدول اليومي لوضع علامة على مقدار ما يشرب من أكواب ماء يومياً. عجباً، كيف ينسى أكثر الناس شرب الماء؟!