#مشاهير العالم
لاما عزت 11 سبتمبر 2011
لا يقف طموح المرأة عند أعتاب بيت الزوجية، ذلك أن سيدات كثيرات يطمحن ويعملن من أجل تحقيق طموحاتهن. ومنهن من أصبحن في مصاف رائدات العلم والفكر، ومن هؤلاء العالمة الفلسطينية د.أنسام صوالحة.
تعد الدكتورة أنسام صوالحة (42 عاماً) عميدة كلية الصيدلة في «جامعة النجاح الوطنية» في نابلس، شمالي الضفة الغربية، ومديرة مركز السموم والمعلومات الدوائية، إحدى النساء الفلسطينيات الرائدات، اللواتي تحققت إرادتهن بالصبر والعلم والعمل، حيث تم اختيارها، لتكون أول امرأة فلسطينية تدخل قاعة المشاهير لنساء عالمات (Women in Science Hall of Fame) وهو مشروع تنفذه وزارة الخارجية الأميركية، التي قامت بتقييم السيرة الذاتية والإنجازات للمئات من النساء العاملات في المجالات العلمية والتعليمية وغيرها، ومن ثم تم اختيار صوالحة بناء على إنجازاتها والأعمال العلمية التي قامت بها. نشأت أنسام صوالحة في أسرة محبة للعلم والتعلم، فكان جدها مديراً لمديرية التربية والتعليم في مدينة نابلس قبل عشرات السنين، كما أن والدها محاضر في «جامعة النجاح».
أما والدتها، فكانت دائماً تحثها وإخوتها على العلم، لتحمل هي واثنتان من أخواتها شهادات الدكتوراه. وقد أنهت صوالحة دراستها الثانوية في مدارس عصيرة الشمالية، في نابلس، وبعد ذلك أكملت دراستها الجامعية في مجال الصيدلة في «جامعة العلوم والتكنولوجيا» في الأردن، ومن ثم تخصصت في الولايات المتحدة الأميركية في مجال علم الأدوية والسموم، واشتغلت لفترة بسيطة في الولايات المتحدة. وأثناء إقامتها في أميركا، فكرت في العودة إلى «جامعة النجاح الوطنية» في نابلس والعمل فيها، وتحققت أمنيتها عندما أعلنت الجامعة عن توافر مقعد شاغر فيها في مجال علم الأدوية والسموم، فتقدمت له وتم قبولها. ومنذ عام 1999 ولغاية الآن، لاتزال د.صوالحة تعمل هناك، وهي عملت كذلك في «جمعية الهلال الأحمر» في نابلس (قسم الصيدلة)، واشتغلت لفترة في البلدية وكان تركيزها على الناحية الصحية، حيث كانت مهتمة بالتخلص من النفايات وإيجاد حل لها.
وإلى جانب انشغالها بأبحاثها العلمية، فإن صوالحة لم تغفل عن ممارسة هواياتها في الرياضة، وخاصة على جهاز الركض والدرج والدراجة الهوائية والـ«أيروبيكس» والسباحة والسفر، وكذلك لا تخفي هوايتها في إعداد الحلويات وخاصة الكعك. «زهرة الخليج» التقتها وسألتها:
تحقيق الحلم
• ما هو دور الأسرة في حياتك؟
- منذ صغري أرى أن في إمكان الإنسان تحقيق ما يحلم به، فجدي كان منارة بالنسبة إليّ، لأنه تقلد العديد من المناصب، وكان يفكر للأمام دائماً، فقد أتى بمولّد كهرباء وكان الناس حينها يعيشون على إضاءة السراج، وأتى بالتلفاز ولم تكن الناس يعرفونه حينها، وأتى كذلك بالمعصرة الأوتوماتيكية. هذه الأشياء فكر فيها الناس بعد خمسين سنة. وكان لوالدتي الفضل الكبير لأنها كانت تدفعنا دائماً إلى الدراسة.
• من هو قدوتك في الحياة؟
- قدوتي هو الدكتور فاروق الباز، وهو عالم فضاء مصري أمضى وقتاً طويلاً يعمل مع «ناسا» ويدرّس الآن في جامعة بوسطن. لم يلقَ الدكتور فاروق التقدير في وطنه، فهاجر إلى الولايات المتحدة وأصبح أسطورة.
• ما هو المبدأ الذي تؤمنين به؟
- تحديد الهدف بوضوح، ومن ثم السعي بخطى واثقة نحوه. وأنا أؤمن بضرورة التعامل بصدق واحترام مع النفس ومع الآخرين.
• ما هي المراحل التي مررت بها والإنجازات التي تم تحقيقها خلال مشوار حياتك العلمية والعملية؟
- بعد قبولي في «جامعة النجاح»، أردت إثبات نفسي في موضوع التدريس حتى أتأقلم مع الوضع وذلك لمدة سنتين. وابتدأت كعميدة لكلية التمريض لمدة ثلاث سنوات، وقد كانت الكلية في بداية إنشائها. لذلك، قمت بتأسيس مختبرات لها وطرح عروض واختيار أجهزة وتوريدات، وكذلك اختيار هيئة التدريس.
وخلال هذا الفترة، قمت بتأسيس مركز السموم والمعلومات الدوائية، وبدأت أهتم بالبحث العلمي أكثر، لأن البلد يعاني المشاكل التي تحتاج إلى إجراء أبحاث حولها، فاشتغلت على موضوع استخدام المبيدات الحشرية من دون رقابة وما ينتج عنه من حالات تسمم. والموضوع الآخر الذي ركزت عليه، هو استخدام مادة الرصاص في الوقود، مع ان أغلب بلدان العالم منعت هذا الاستخدام. وقد بحثت في تأثير الرصاص في الأطفال وفي التعلم وفي الجهاز العصبي، وكان ذلك بالتعاون مع «جامعة هارفارد» حتى أدعم هذا البحث الذي كان من الأبحاث المميزة.
وأيضاً أجرينا أبحاثاً على التداخلات بين الأدوية، والاستخدام الصحيح لها وترشيد استهلاكها. وكذلك ركزنا على موضوع الانتحار بالأدوية أو المبيدات،ومرضى الجلطة الدماغية والأدوية التي يستخدمونها، والأدوية التي تُعطى لمرضى الضغط. ويوجد بحث مهم اشتغلنا عليه حول ضرورة تخفيض الجرعة الدوائية لمرضى الكلى. وفي الحقيقة، إن جميع هذه الوظائف تضع أعباء ثقيلة على الإنسان، إلا أنني واصلت عملي بالبحث العلمي والذي هو من الأمور المهمة في حياتي، حيث أنجزت العديد من الأبحاث التي نُشرت في العديد من المجلات العالمية، وتسلمت خلال هذه السنة عمادة كلية الصيدلة في الجامعة، وقمت بالتركيز على التعلم الإسنادي عند الطلبة. وأنا أحاول تشجيع زملائي على أن يكون تعلم الطلاب ذاتياً، بحيث أعلّم الطلاب طبيعة ممارسة المهنة في المستقبل.
مركز السموم
• ما هو مركز السموم والمعلومات الدوائية؟
- فكرة إنشاء مركز السموم في «جامعة النجاح الوطنية» واجهها الكثير من التحديات. كانت البداية بمخاطبة الجامعة حول أهمية المركز وما يحتاج إليه. وبعد ذلك، توجهنا إلى وزارة الصحة وغيرها من الجهات المعنية لإقناعها بالمشروع وأهميته للمواطنين الفلسطينيين. وكان يوجد عائق كبير أمامنا وهو توفير تكاليف المركز، لأنه يستخدم قاعدة بيانات خاصة وأجهزة كمبيوتر وموظفين. لكن، في النهاية، وبعد انتظار سنوات لإيجاد المؤسسات الداعمة، قام السيد منيب المصري بالتبرع بالمال لإنشاء المركز واستمراريته لمدة خمس سنوات. ويعمل في المركز طاقم متخصص طيلة 24 ساعة متواصلة، حيث يتم تقديم الخدمة للناس العاديين، أو من الأطباء في وزارة الصحة الفلسطينية.
ومثال على ذلك، يتصل الناس في حال حدوث حالة تسمم لديهم نتيجة شرب مبيد حشري أو أي شيء ضار، ويتم إخبارهم بالإجراءات التي عليهم اتباعها، فكثير من الحالات التي تحدث ليست في حاجة إلى مستشفيات ويمكن التعامل معها في المنزل. ويتم كذلك استقبال مكالمات من الطواقم الطبية في المستشفيات، عند استقبالها حالات تسمم فيتم إعلامهم بطريقة التعامل مع مثل هذه الحالات، لأن عدد المواد السامة كبير جداً. أما في ما يتعلق بالمعلومات الدوائية، فيتصل الناس للاستفسار عن أخذ دواء ما لمرض آخر، أو الاستفسار عن الجرعات أو التداخلات الدوائية، وبدأنا من سنة تقريباً الإجابة عن أسئلة تتعلق باستخدام الأدوية خلال فترتيّ الحمل والرضاعة.
عالم المشاهير
• كيف تم اختيارك كأول عالمة فلسطينية تدخل عالم المشاهير؟
- قررت وزارة الخارجية الأميركية إعطاء النساء من دول عربية الفرصة، للمشاركة في «قاعة المشاهير لنساء عالمات». ولذلك، تم اختيار عدد من النساء اللواتي يشتغلن أكثر من غيرهن، وتم تقييم السيرة الذاتية لكل واحدة من خلال لجان مختصة، وتم اختياري من فلسطين. ولقد فوجئت كثيراً وشعرت بالسعادة، فقد كنت أعرف انهم سيدرسون سيرتي الذاتية من خلال اتصالهم معي وسؤالهم لي، عما إذا كنت أمانع في دراسة سيرتي الذاتية، فقلت لهم: «لا». وبعد فترة علمت أنه تم اختياري. وفي الحقيقة إن هذا اللقب يُعتبر دافعاً للبقية إلى العمل والإنجاز، لأن المرأة العربية غير معدومة الفرص، فلا شك في أن ذلك يرفع معنويات المرأة الفلسطينية، على الرغم من الظروف الصعبة التي تعيش فيها، فعليها تثبيت نفسها في أي مكان توجد فيه، سواء البيت وتربية الأولاد أم العمل. فالجائزة تعطي شعوراً بالأمل بأن من يعمل يتم اختياره، لكننا نجد أن موضوع الغيرة مشتعل جداً بعد الحصول على التكريم المعنوي.
• ذكرتِ الغيرة، ماذا يعني هذا الأمر؟
- كثيرون كانوا يسألون: «لماذا أنت؟ وعلى أي أساس؟» والكثيرون علت وجوههم نظرات الغيرة عندما كان يحضر ممثلو القنصلية أو وزارة الخارجية الأميركية. ليس من الصعب على الإنسان أن يفهم الآخرين وأن يحس بما يدور في عقولهم، خاصة أنني أعرفهم منذ فترة. فأنا أقرأ كثيراً في موضوع لغة الجسد وفي إمكاني قراءة ما لا يقال. ولقد تغلبت على غيرة الآخرين، من خلال تشجيع هؤلاء الناس والتأكيد لهم أنهم لو عملوا بجد فسينجحون، وقد يصلون إلى ما وصلت إليه، ولازلت مستمرة في ذلك.
• كيف استطعت تحمل أعباء الأبناء إلى جانب البحث العلمي بعد انفصالك عن زوجك؟
- تم الانفصال قبل نحو 7 سنوات، حين كان ابني الصغير لايزال في رياض الأطفال، وتحملت لوحدي عبء تربيتهم. كنت أعتني بطلباتهم، ثم أشتغل في أبحاثي بعد نومهم. كان ذلك متعباً جداً لي، لكنني كنت مصممة على النجاح.
• من المؤكد أن أولادك الآن فخورون بما تقومين به.. كيف ترين ذلك من خلال تصرفاتهم؟ وهل تشعرين بأنهم سيستمرون على نهج والدتهم؟
- أشعر بأن أولادي فخورون بي من خلال حديثهم مع الآخرين عني، وأرى الفخر في عيونهم، كلما ذُكر اسمي أمامهم في المدرسة أو في محافل الحياة، وكذلك كلما يتم توجيه شكر من الآخرين إليّ من خلالهم. علماً بأن أولادي من الأوائل، وهذا في نظري أكبر دليل على أنهم سينهجون نهجي في الحياة، وهم يتمتعون بشخصيات قوية ومستقلة ومحبوبون من قِبل مَن حولهم. هذا العام أنهى الابن الأول التوجيهي بتفوق وسيدخل كلية الطب، الابن الثاني مجتهد جداً ويريد أن يصبح جراح أعصاب، وقد تم تكريمه من قِبل ممثلين من السفارة اليابانية لدوره في نشر وتعليم فن طي الورق بين الناس (وهو فن ياباني يسمى «أوريغامي»)، وابني الأصغر يريد أن يصبح عالماً في مجال الحشرات، وهو يقوم بتجميع نماذجها ودراستها حتى من قبل دخول المدرسة. فأنا بهذه المعطيات أرى نفسي فيهم.
لا وقت
• كيف تقضين وقتك في البيت خارج أعباء العمل؟ وكذلك هل تجدين الوقت الكافي لالتقاء زميلاتك وصديقاتك والعائلة؟
- داخل البيت أنا أم لأولادي في الدرجة الأولى، وأقوم بما تقوم به كل أم من عناية بالأولاد ومتطلباتهم، وتوفير مستلزماتهم ومراجعة دروسهم. أحب إعداد الطعام والحلويات، وهم يحبون المساعدة في إعداد الكيك. أضع أولوياتي وأعمل على هذا الأساس، فأولاً: الاهتمام بأولادي، ومن ثم التقاء العائلة. أما بالنسبة إلى صديقاتي فألتقيهن في أوقات متباعدة لضيق الوقت.
• كيف تقيمين تقدير الكفاءات العلمية والاهتمام بالبحث العلمي؟
- اللقب الذي حصلت عليه يعطي المسؤولين في البلد بعض الأفكار حول ضرورة الاهتمام بالكفاءات، وبالمميزين في المدارس والجامعات والوزارات والمؤسسات الخاصة، لكننا نجد أن ما يحدث هو وضع العوائق أمام من يعمل بإخلاص.
لا يوجد تقدير للكفاءات، وكثيراً ما يُعرض عليّ العمل في دول الخليج ومنها السعودية والإمارات، وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية، لكني أرفض وأفضل البقاء في البلد، على الرغم من الباحث هنا لا توجد عنده مصادر مالية للبحث العلمي، وعندما يريد عمل أي بحث، ينفق عليه من دخله الخاص، فلو توافر المال اللازم لأجرينا أبحاثاً ضعف التي قمنا بها، لكننا كباحثين لدينا التزامات أخرى، فأحياناً عندما نريد نشر بحث نضطر إلى دفع 1600 دولار،ودائماً ما أواجه صعوبة في توفير تكاليف السفر.
لذلك، يجب تقدير الكفاءات وتشجيع البحث العلمي في الدول العربية، لأن المبالغ التي تنفقها الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي لا تصل إلى ما تنفقه إسرائيل وحدها في هذا المجال. وعلى الدول العربية أن تكرم المواطنين المتميزين فيها، ويجب تعيين العلماء كمستشارين في الدولة، لأن اتخاذ أي قرار يتعلق بصحة الإنسان يجب أن يكون للعلماء دور فيه، أي عدم تهميشهم.
لا حدود
• ما هي طموحاتك؟
- لا حدود لطموحي، وأبحاثي العلمية مستمرة، وأتمنى أن يكون لي مركز خاص للأبحاث لإجراء أبحاث على صحة الإنسان والمواد السامة، وأن يكون لي منصب إداري، بحيث يكون لي حق اتخاذ القرار في وزارة البيئة أو الصحة، وأن يستمر عمل مركز السموم والمعلومات الدوائية لأن الأموال التي أعدت له في السابق نفدت، ولا أريد أن يدفع الناس ثمن مكالمة تنقذ حياتهم، فالاتصال بمركز السموم مجاني، ولا أريد أن يكون بثمن.