#تنمية ذاتية
زهرة الخليج 16 يناير 2025
ربما تكون خسارتك أمراً ما بداية انطلاقك وتطورك، بل قد يكون الوقود الذي يشعل حماستك لتكون أفضل وتُحرز تقدماً على الصعيد الشخصي والعملي، وراء كل خسارة تمر بها عبرة وعظة، عليك تلقى هذه الإشارات الكونية.
لا تغير الحقيقة
شدة الخسارة لا تغيّر الحقيقة الكامنة خلفها، فإذا تعرضت يوماً ما لخسارة حبيب، صديق، مال، عمل، علاقة زوجية.. إلخ، أيّ خسارة تعرّضت لها، عليك الاعتراف بأنها وقعت فعلاً، وبأنك مسؤول عن هذه الخسارة، ولا تلقي باللائمة على أحد غيرك، فإذا حدثت لك خسارة ما وتعتقد أنك لست مسؤولاً عنها بشكل مباشر.. فأنت المسؤول الوحيد عن تلقّيك هذه الخسارة وشعورك تجاهها، فلا أحد يستطيع التدخل في انفعالاتك وشعورك. يُمكنك أن تصرخ، تسبّ، تبكي، تشعر بالظلم والقهر.. إلا أنك المسؤول عن اختيارك. لكن، هل ستقاوم هذا الشعور أم ستستسلم له؟ ربما لست مسؤولاً عن ضياع أموالك إن سرقها أحدهم منك، لكنك مسؤول عن إدارة النتائج الانفعالية والنفسية والقانونية الخاصة بتلك المشكلة.
الناس تتنافس على الظهور بمظهر المسؤول عن النجاح والسعادة، لكن تحمل مسؤولية مشكلاتهم يعتبر الأكثر أهمية، وهي المنطقة التي يأتي منها التحسن والتطور الحقيقي في مجالات حياتك كافة. هنا يلقون اللوم على غيرهم، فإذا كنت ممن يلقون اللوم على الآخرين، فاعْلَم أنك لا تفعل أكثر من لوم نفسك.
تحمّل المسؤولية
هناك طريقتان للتمييز بين الفكرتين (اللوم وتحمّل المسؤولية). فاللائمة شيء في الماضي والمسؤولية فعل حاضر، اللائمة تنتج عن خيارات اتّخذتها بالفعل، والمسؤولية تنتج عن خيارات تتخذها أنت الآن، في كل ثانية من حياتك أنت تختار، فمثلاً أنت تختار قراءة هذا المقال وتفكر في تأثيره بطريقتك في حل مشكلاتك، ثم تختار أن تتقبّل هذه الأفكار أو ترفضها، لذا أنت لست مسؤولاً عما كُتب في المقال، بل عن أي استنتاجات خرجتَ بها بعد القراءة.
إذاً، هناك فرق بين لوم شخص آخر على وضعك أيّاً كان، إنْ سُرّحت من العمل، أو انفصلت عن نصفك الآخر أو صُدمت في صديق.. فحينما تتعامل مع المشكلة على أنك مسؤول عما يحدث، ربما تضع اللوم على أناس جلبوا لك التعاسة، لكن عليك أن تعرف بأنك الوحيد المسؤول عن سعادتك، هذا لأنك أنت الذي تستطيع دائماً أن تختار كيف تنظر إلى الأمور وتستجيب لها وتقيّمها.. وعليك دائماً أن تختار المقياس الذي تقيس به تجاربك.
حكاية
يروي أحد مُعالجي النّفس، أن رجلاً جاءه في حالة مُزرية بعد أن تركته زوجته التي يحبها كثيراً، ولم يكن يتصوّر حياته من دونها، وأنها تعرفت إلى رجل غيره، وألقت بثلاث سنوات من أجمل سنين عمره خلفها، ولم تبالِ بمشاعره، وأمضى شهوراً في تعاسة تامّة بعيداً عنها مُحمّلاً إيّاها المسؤوليّة، ولم يكن قادراً على التحكم في حياته لأنها أصبحت بعيدة عنه. لقد اتصل بها كثيراً صارخاً عليها وراجياً أن تعود إليه. وفاجأها بزيارة منزلها مرّات عديدة فاعلاً أشياء كثيرة علّها تعود له لكنها لم تستجب له، وهذه الأمور جميعها لم تغير من مشاعر وانفعالات زوجته. وفي نهاية المطاف وجد أن كل أفعاله معها لم ولن تُجدي نفعاً. لذا بعد وقت كافٍ من الدموع والألم بدأ يفكر في اتجاه آخر، وبأن المسؤولية تقع أولاً عليه في أن يكون سعيداً أو تعيساً، وعلى الرغم من أنها فعلت به شيئاً فظيعاً، وأنه كان يلومها على فعلتها،إلّا أنه قطع الأمل من مُشاهدتها وظهورها لتُصلح حياته من جديد.
تطوير النفس
بعد جلسات عديدة مع «المعالج النفسي»، بدأ الرجل الزوج يطور نفسه، حيث أخذ يمارس الرياضة ويمضي أوقاتاً جميلة مع الأصدقاء بعد إهماله لهم، وبدأ يلتقي أناساً جُدداً، وأصبح في حالة أفضل، لكنه لا يزال يكره زوجته ويلومها على كل ما حدث، لكنه على الأقل صار أكثر إدراكاً لمسؤوليته عن سعادته وعن شعوره، واختار قيمة جديدة تتمثل في الاهتمام بنفسه ومعرفة المزيد عن الأشياء التي تسعده، بدلاً من أن تكون مشاعره كلها متجهة إلى محاولة جعل زوجته السابقة تصلح ما أفسدته.
يُكمل هذا الرجل علاجه مع «المعالج النفسي»، ويقول في إحدى الجلسات التي امتدت سنة، أصبحتُ ألاحظ عندما أتذكر علاقتنا وأعيد النظر فيها، أن تلك العلاقة كانت تعاني مشكلات لم ألحظها أبداً، كانت هناك إشارات لكني لم ألتقطها، بدأت أدرك أنني لم أكن الزوج المتميز والمناسب لها، كنت أعتبر وجودها تحصيل حاصل فأصرخ في وجهها، كنت متكبّراً ولم أعرها أي اهتمام، وبالتأكيد تركتني لأنها غير سعيدة معي. فهل يمكن اعتبار أخطائي تبريراً لأنها تركتني؟ بالطبع لا. لكنني سأتحمل مسؤولية عدم تكرار هذه الأخطاء، وعدم تجاهل تلك الإشارات مرة أخرى.