#صحة
كارمن العسيلي 9 ديسمبر 2024
ما إن علمت بتشخيصها بمرض السرطان، حتى بدأت أحلام «ريم» بالأمومة تتلاشى شيئًا فشيئًا. فكرت في تجميد بويضاتها، أو مبيضها؛ لحماية قدرتها على الإنجاب في المستقبل، وسرعان ما اكتشفت خيارًا آخر، هو تجميد أنسجة المبيض. شعرت «ريم» بالارتباك والضياع أمام هذا العالم الغريب من المصطلحات الطبية، والإجراءات المعقدة. فأي علاج يناسبها؟.. وما الفرق بين تجميد البويضات، أو المبيض، أو أنسجة المبيض؟.. لمعرفة الجواب؛ توجهنا إلى الدكتور وائل إسماعيل مدكور، استشاري الغدد الصماء التناسلية والعقم في مركز «هيلث بلاس للإخصاب»، فرد على استفساراتنا، موضحاً بالتفصيل الحالات الثلاث، وأيها الأفضل.
عن الاختلاف بين تجميد أنسجة المبيض، وتجميد المبيض بأكمله، وتجميد البويضات.. يجيب الدكتور وائل مدكور، قائلاً: «عند تجميد أنسجة المبيض، يتم استئصال جزء من أنسجة المبيض، ثم تجميدها، وفي ما بعد يمكن إعادة زراعتها في جسم المرأة؛ عندما تكون جاهزة للإنجاب. أما تجميد المبيض، فيستدعي إزالة المبيض بالكامل لتجميده، وهو إجراء يتطلب مهارات جراحية خاصة. ويُستخدم هذا النوع من التجميد - بشكل أساسي - للنساء اللواتي يحتجن إلى حماية إضافية لخصوبتهن، خاصة في حالات علاج الأمراض الحادة، التي قد تؤدي إلى تضرر المبيض. أما عند تجميد البويضات، فيتم سحب البويضات من المبيض بعد التحفيز بالهرمونات، ثم تُجمّد لتُستخدم لاحقاً في أطفال الأنابيب. وهذا الخيار مناسب للنساء اللاتي يخططن لتأخير الحمل، أو المعرضات لفقدان الخصوبة بسبب علاج ما».
سألنا استشاري الغدد الصماء التناسلية والعقم عن الأسباب الرئيسية، التي قد تدفع المرأة إلى اختيار تجميد أنسجة المبيض، بدلاً من الطرق الأخرى للحفاظ على الخصوبة!.. فقال: «تؤثر بعض علاجات السرطان في خصوبة المرأة، لذلك فإن تجميد أنسجة المبيض يُعد خياراً سريعاً وآمناً للنساء اللاتي لا يمكنهن الانتظار حتى تحفيز المبيض، وسحب البويضات. فعلى عكس تجميد البويضات، لا يتطلب تجميد أنسجة المبيض إجراءات التحفيز الهرموني، التي قد لا تكون مناسبة لجميع النساء، كالمصابات ببعض أنواع السرطان التي تتأثر بهرمون الإستروجين. وتجميد أنسجة المبيض يمكن إجراؤه في أي وقت خلال الدورة الشهرية، ما يجعله ملائماً لمن لا يمتلكن الوقت الكافي، أو لا يمكنهن الانتظار أسابيع؛ لاستكمال تحفيز البويضات».
هل هناك مرشحات يكنَّ أفضل من غيرهن؛ لتجميد أنسجة المبيض؟.. يرى الدكتور مدكور أن أفضل المرشحات لتجميد أنسجة المبيض، اللاتي يحتجن إلى الحفاظ على خصوبتهن لأسباب طبية أو حياتية، وهنَّ: المصابات بالسرطان، والفتيات العازبات، والمصابات بأمراض المناعة الذاتية، واللاتي يعانين انخفاض مخزون المبيض، أو قصوراً مبيضياً مبكراً، أو المصابات بحالات طبية حرجة، تستدعي استئصال المبيض. وعن مدى نجاح عملية تجميد أنسجة المبيض في استعادة الخصوبة، ووظائف الهرمونات لدى النساء.. يشرح: إن عملية تجميد أنسجة المبيض تُعد إجراءً ناجحاً نسبياً لاستعادة الخصوبة، ووظائف الهرمونات لدى النساء، ومعدلات النجاح قد تختلف؛ بناءً على عوامل عدة، منها: العمر، ونوع العلاج الذي خضعن له، ومدى سلامة الأنسجة المجمدة.
خطوات التجميد
وفي ما يتعلق بالخطوات الأساسية لعملية تجميد أنسجة المبيض، من التحضير إلى التخزين.. يوضح استشاري الغدد الصماء التناسلية والعقم أن خطوات عملية التجميد تبدأ بالاختيار المناسب للمريضة، وبعد مناقشة أسباب الاختيار والبدائل، وإيضاح أفضلية وعيوب كل طريقة، يتم التوقيع على الأوراق المطلوبة، واستيفاء المستندات، ثم تبدأ عملية التحضير بعمل الفحوص والدراسات السريرية والمختبرية؛ لتقييم الحالة قبل إجراء التجميد. ومن أهم الخطوات في هذه المرحلة: التصوير التلفزيوني للحوض، خاصة المبايض، وإجراء فحص المخزون بالدم (AMH)، وكذلك الفحوص الروتينية التي تكون قبل أي عملية جراحية، كالعرض على قسم التخدير، وإجراء فحص صورة الدم والفيروسات، بالإضافة إلى أي فحوص أخرى تتطلبها الحالة.
ويتابع شارحاً: بعد الانتهاء من مرحلة التحضير، يتم تحديد موعد العملية (عادة تكون جراحة تنظيرية، باستخدام المنظار) بين فريق الجراحة وفريق الإخصاب من أطباء الإخصاب، واختصاصيي مختبر الإخصاب، حيث يتم استلام المبيض، أو نسيج المبيض المستأصل بمختبر الأجنة، وتبدأ مرحلة التجميد، وتكون بفصل قشرة المبيض (التي تحتوي على البويضات) عن منطقة نخاع المبيض، التي لا تتم الاستفادة منها في عملية التجميد؛ لعدم احتوائها على بويضات، وترسل للفحص النسيجي الخلوي؛ للتأكد من خلوها من الأورام. وبعد فصل قشرة المبيض يتم تقسيمها إلى شرائح رقيقة، وتخزينها في قوارير صغيرة، يكون في كلٍّ منها من شريحة إلى ثلاث. وتتم عملية التجميد باستخدام تقنية «التجميد البطيء»، حتى يحين وقت إعادة زراعتها بجسم المريضة؛ فيتم تذويب عدد كافٍ من الشرائح، وزرعها بالمنظار في حوض المريضة، أو في المبيض المتبقي؛ لمساعدتها على الإنجاب، الذي قد يتم بصورة طبيعية، أو عن طريق الإخصاب المساعد، وتقنية أطفال الأنابيب.
عوامل النجاح
لكن.. ماذا عن المدة، التي يمكن خلالها تخزين أنسجة المبيض، والعوامل التي تؤثر في نجاحها عند إعادة زرعها؟.. يتابع الدكتور وائل: لا توجد توصيات بمدة تجميد معينة، بخصوص تقنية تجميد أنسجة المبيض. لكن، عموماً، يتيح قانون الممارسة الطبية للإخصاب المساعد بدولة الإمارات إمكانية تجميد الأمشاج حتى عشرين عاماً، مع اتخاذ الإجراءات الطبية والإدارية، الخاصة باستمرار التجميد. أما العوامل، التي قد تؤثر في نجاح تقنية تجميد أنسجة المبيض؛ عند إعادة زرعها، فتتمثل في عمر المريضة، وحالتها الصحية، وطبيعة المرض الموجود، وحالة مخزون المبايض قبل الاستئصال، وطبيعة المبيض وحجمه، بالإضافة إلى ما يستجدُّ من عوامل أخرى، قد تظهر عند محاولة الإنجاب، مثل حالة الرحم، وطبيعة السائل المنوي لدى الزوج، على سبيل المثال، لا الحصر.
بعض الفتيات، أو النساء، قد يشعرن بالقلق من عملية التجميد، فهل هناك مخاطر أو مضاعفات محتملة، مرتبطة بتجميد أنسجة المبيض، أو المبيض نفسه؟.. لا ينفي استشاري الغدد الصماء التناسلية والعقم وجود بعض المخاطر، التي قد تصاحب عملية تجميد أنسجة المبيض، فيشير إلى أن كل خطوات الاستئصال والزرع تتطلب التدخل الجراحي، كما من المحتمل أن تفشل الأنسجة المزروعة في استعادة نشاط المبيض، وهناك احتمال - ولو ضئيلاً - لظهور أو إعادة انتشار بعض الأورام مستقبلاً عند إعادة الزرع؛ لذلك تجب مناقشة كل هذه الأمور مع المريضة خلال مرحلة تقديم المشورة، وقبل اتخاذ أي إجراء.
فوائد إضافية
عدا الحفاظ على الخصوبة، تتساءل بعضهن عما إذا كانت هناك فوائد طبية أخرى لتجميد أنسجة المبيض، كالحفاظ على الهرمونات، وتأخير سن اليأس!.. يؤكد الدكتور وائل أنه، عند إعادة زراعة أنسجة المبيض المجمدة، تبدأ الأنسجة في إنتاج هرمونات طبيعية، مثل: «الإستروجين»، و«البروجسترون». وهذا - في رأيه - يسهم في استعادة التوازن الهرموني، ما يُعد مفيداً للنساء اللواتي قد يفقدن القدرة على إنتاج الهرمونات؛ نتيجة العلاجات الكيميائية، أو الجراحية التي تستهدف المبيضَيْن. كما أن زراعة الأنسجة المجمدة تعيد المبيض إلى نشاطه الطبيعي، ما قد يُؤخر دخول المرأة في سن اليأس، وبالتالي تأخر ظهور أعراض انقطاع الطمث، ومنها: الهبات الساخنة، وتراجع صحة العظام، وتغيرات المزاج.
أخيراً.. ما نصائحك للنساء اللواتي يفكرن في تجميد أنسجة المبيض، كإجراء احتياطي؛ للحفاظ على الخصوبة مستقبلاً؟.. يوجه استشاري الغدد الصماء التناسلية والعقم كلامه إلى النساء اللواتي يفكرن في تجميد أنسجة المبيض كإجراء احتياطي؛ للحفاظ على الخصوبة، ناصحاً إياهن بالتحدث مع متخصصين في الخصوبة؛ لفهم الخيارات المتاحة، وتقييم الحالة الصحية. مؤكداً ضرورة إجراء العملية في سن ووقت مناسبين، خاصةً في حال وجود خطر فقدان الخصوبة، موضحاً أنه يجب اختيار مركز طبي موثوق به، يتمتع بسمعة جيدة، وفهم تفاصيل العملية، والتوقعات المتعلقة بها. ويُفضل، أيضاً، البحث عن دعم نفسي خلال هذه المرحلة، ومتابعة الفحوص الدورية مع الطبيب؛ لمراقبة الصحة العامة. كما ينصح النساء بالبقاء مطلعات على التطورات العلمية في مجال الخصوبة، وتقييم الخيارات الأخرى؛ للحفاظ على الخصوبة.
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . ما أهم التطورات في عملية الخصوبة، وتجميد المبايض، أو البويضات، خلال السنوات الأخيرة؟
أهم هذه التطورات: مواكبة القوانين والتشريعات للحاجة الطبية والمجتمعية لبعض تقنيات الإخصاب المساعد؛ فقد أصبح تجميد البويضات متاحاً للحالات ذات الأسباب الطبية، مثل: حالات الأورام، والحالات غير الطبية، أو ما يطلق عليها «المجتمعية» كتأخر الارتباط/ الإنجاب في بعض الحالات، وبشروط. وكذلك، صاحبت ذلك تطورات طبية وتقنية، مثل: استحداث برامج لتنشيط المبايض أقل تكلفة ومخاطر، وكذلك تقنية التجميد السريع، التي توفر الوقت والجهد، وتحتفظ بكفاءة الطرق الأساسية نفسها.
2 . ماذا عن مستقبل تجميد أنسجة المبيض، والتطورات التي قد تغير تقنيات الحفاظ على الخصوبة؟
إن المستقبل القريب مبشر في ما يتعلق بمجال الإخصاب، فهو يتصف بالتطور الدائم والمستمر، فالبحث العلمي، حالياً، يتوجه إلى استحداث طرق لتقليل مخاطر الآثار السلبية، والضرر الذي قد يحدث للمبايض؛ نتيجة اللجوء إلى العلاج الكيماوي في بعض حالات السرطان، عن طريق استحداث مضادات أكسدة، وجزيئات بيولوجية؛ لحماية المبايض؛ والحفاظ على كفاءتها في حال اللجوء إلى مثل هذا النوع من العلاج. كما أن هناك تطوراً مستمراً في تقنيات وطرق التجميد والتذويب، كاستخدام «النانو تكنولوجي» في علم الجزيئات؛ لرفع كفاءة ونسب نجاح تقنيات التجميد والتذويب عند الحاجة إلى الاستخدام، كما أن الأبحاث مستمرة ومتزايدة بالنسبة لتطور الخلايا الجذعية، والمبيض الاصطناعي، والتخليق المختبري للأمشاج. وكلها أمور قيد البحث والتطوير، وتزيد الأمل في طرق علاجية أكثر كفاءة، وأقل مخاطر؛ تنعكس بصورة أكثر إيجابية على صحة المرأة، وسعادة المجتمع.
3 . ما فوائد تجميد أنسجة المبيض في وظيفة المبيض؟
تجميد أنسجة المبيض يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على وظيفة المبيض، ويقدم فوائد متعددة، تشمل: استعادة القدرة على إنتاج الهرمونات، واستعادة الدورة الشهرية، واستعادة الخصوبة، وتعزيز المرونة في خيارات علاج الخصوبة.
4 . كيف يساعد «تجميد الأنسجة» النساء الأصغر سناً، أو الفتيات، اللواتي يواجهن تحديات الخصوبة، في الحفاظ على خيارات الإنجاب على المدى الطويل؟
تجميد أنسجة المبيض يُعتبر خياراً فعالاً للنساء الأصغر سناً، والفتيات اللاتي يواجهن تحديات في الخصوبة، حيث يمنحهن فرصة الحفاظ على خيارات الإنجاب على المدى الطويل. وهذا الخيار ملائم للفتيات قبل سن البلوغ، والفتيات والشابات اللاتي يعانين أمراضاً، أو يتلقين علاجات طبية كالعلاج الكيماوي، أو الإشعاعي، ويمكن إعادة زرع الأنسجة بعد استكمال العلاج؛ لاستعادة الوظائف الهرمونية والإنجابية. باختصار، يمنح تجميد أنسجة المبيض النساء والفتيات خيارات إنجابية مرنة في المستقبل، ويعتبر تقنية حيوية لمن يحتجن إلى حماية خصوبتهن في سن مبكرة، أو قبل التعرض لعلاجات تؤثر في الخصوبة.
5 . متى ينصح الأطباء بإزالة، أو تجميد المبيض بالكامل، بدلاً من تجميد الأنسجة فقط؟
في معظم برامج الإخصاب المساعد، التي تمتلك تقنية تجميد المبايض يتم التجميد الكلي للمبيض؛ كلما سمحت ظروف المريضة. وذلك هو الأساس في معظم البرامج؛ لأن عملية استخلاص قشرة المبيض من النخاع تؤدي إلى استخلاص ثلث حجم المبيض تقريباً، كما أن الفاقد من الأنسجة المجمدة قد يصل إلى حوالي 50 %، وبالتالي فإن عملية تجميد المبيض ككل هي الأولى، ويتم اللجوء إلى تجميد جزئي لقشرة المبيض عند عدم توافر الشروط المناسبة للتجميد الكلي، مثل: استئصال مسبق، أو ضمور بأحد المبيضين.