#تحقيقات وحوارات
كارمن العسيلي الخميس 5 ديسمبر 2024 16:11
يحمل الشيف الإماراتي، فيصل الهرمودي، على عاتقه مسؤولية نقل المطبخ الإماراتي إلى العالمية. فمن بداياته المتواضعة في الطبخ، إلى نيله جوائز مرموقة، ووضع اسمه في دليل «ميشلان»، أثبت الهرمودي أن الطموح والشغف يحققان المستحيل. لم تكن رحلة الشيف الإماراتي سهلة، فقد واجه تحديات وصعوبات كثيرة، منذ أن قرر الانخراط في هذا المجال. ورغم اعتراضات العائلة، والالتزامات الدراسية والوظيفية، ظل مصممًا على متابعة حلمه، وتحقيق هدفه. وليست قصة الهرمودي حكاية شيف ماهر فحسب، وإنما أيضاً قصة شاب طموح، وثق بقدراته، وواجه الصعاب ليصل إلى القمة، ممثلًا جيلاً جديداً من الشباب الإماراتيين، الذين يسعون إلى رفع اسم بلاده عاليًا في المجالات كافة.. في هذه المقابلة، يفتح لنا الشيف فيصل الهرمودي أبواب مسيرته، ويحدثنا عن رحلته الملهمة، وبداياته، وتحويل شغفه إلى نجاحات متتالية، إضافة إلى فلسفته في الطهي، ودمجه النكهات الإماراتية بلمسات عالمية. كما يشاركنا رؤيته حول أهمية اكتشاف الثقافات المختلفة في الطهي، وعناصر نجاح المطاعم، وأحلامه المستقبلية في مجال الطهي:
فزتَ بجائزتَيْ: «افتتاح العام»، و«بيب غورميه» من دليل «ميشلان».. ما المشاعر التي انتابتك، وكيف تصف لحظة فوزك؟
شعرت بسعادة غامرة، وفخر كبير؛ فلم أكن أتوقع هذا التكريم، فهو تتويج لسنوات من العمل الجاد والتفاني، ووجود اسمي في دليل «ميشلان» حلم كل شيف. وهذا لا يعد تقديراً لي وحدي، فهو اعتراف بمطبخنا الإماراتي، وتراثنا الغني. ويشرفني أن أكون أول شيف إماراتي يحصل على هذا التكريم، وهذا يمثل مسؤولية كبيرة. ويدفعني إلى تقديم أفضل ما لديّ، فهدفي كان - منذ البداية - نقل المطبخ الإماراتي إلى العالم.
رحلة ثرية
حدثنا عن بدايات رحلتك في عالم الطهي!
بدأ شغفي بالطعام منذ سن صغيرة، فكنت أجمع مصروفي اليومي، وأخصصه لزيارة المطاعم، وتذوق أطباقها. وفي أحد الأيام، مرض والدي، ووجدت نفسي في المطبخ أساعد والدتي، التي كانت تعاني صعوبة في الحركة. وقتها اكتشفت متعة الطهي؛ فبدأت أدون الوصفات ومقاديرها. وبمرور الوقت، صرت أدعو أصدقائي، وأعد لهم الطعام، وقد أعجبهم ما أقدمه؛ فقررت أن أصبح طاهياً. وبعد انتهائي من المرحلة الثانوية، طلبت من والدي أن أدرس فن الطهي في الخارج، لكنه رفض، وأصر على أن أتابع دراستي في البلاد، فدرست «الهندسة المدنية» في كليات التقنية العليا بأبوظبي، ثم تخصصت في «الهندسة اللوجستية»، وعملت في الحكومة، ولكن شغفي بالطهي لم يتوقف. كنت «أهرب» بعد العمل؛ لأدرس الطهي في دبي، ونجحت في الحصول على شهادة «الشيف». بعدها، تدربت لمدة أربعة أشهر في «قصر الإمارات»، وتعاونت مع طهاة كثيرين، أثروا في مسيرتي، ثم أسست أول مطعم خاص. واليوم لديَّ 3 مطاعم، بينها مقهيان.
من كان داعمك الأكبر في مسيرتك هذه؟
أخي الكبير هو داعمي الأكبر؛ فقد وقف بجانبي في كل خطوة، وشجعني على الاستمرار، ومواجهة كل الصعوبات، وتخطي التحديات. ولا يمكنني أن أنسى الدعم الذي تلقيته من عدد من الطهاة المحترفين، والأصدقاء المقربين، الذين كانوا، دائماً، بجانبي؛ لتقديم النصائح والتشجيع. هذا الدعم الجماعي كان المحرك الأساسي، الذي منحني الثقة؛ لأواصل السعي نحو تحقيق أحلامي في عالم الطهي.
أخبرنا عن مشروعك الأول «ليتس»، وافتتاحك مشروعين آخرين في عالم المأكولات!
بدأت رحلتي بمشروع بسيط عبر الإنترنت، أطلقت عليه اسم «ليتس بريوش»، فلاقى صدى واسعاً، ونجاحاً كبيراً. هذا النجاح دفعني إلى افتتاح «كوفي شوب» باسم «ليتس» (Let’s)، وحاز لقب «أفضل كافيه في أبوظبي» لعامين متتاليين، من مجلة «تايم أوت»، فهو مقهى عائلي، يقدم أكلات عالمية بنكهات إماراتية. كما افتتحت كافيه «أوش»، الذي يعتمد على مبدأ «Grab and Go»، وهو موجه إلى موظفي المكاتب، والراغبين في تناول الأكل بمنازلهم، أو أثناء توجههم إلى العمل. بعد ذلك، انتقلت إلى مرحلة جديدة، وافتتحت مطعم «ريبا»، المتخصص في المأكولات البحرية، والذي حصل على جائزة «أفضل مطعم للمأكولات البحرية» من مجلة «فاكت»، وتوِّج أخيراً بجائزتين مرموقتين من دليل «ميشلان».
ما قصة الأسماء المبتكرة لمشاريعك هذه؟ بالنسبة إلى «كافيه أوش»، استوحيت الاسم من «عوشة»، ابنة شريكي، التي تحب إطلاق اسم «أوش» عليها. أما مطعم «ريبا»، فعندما كنت في روسيا، كنت أسمع كلمة «ريبا» بشكل متكرر، وعندما سألت عن معناها، اكتشفت أنها تعني «السمك»؛ فأعجبني الاسم، ووجدت أنه يعبر عن طابع المطعم، الذي يمزج النكهات الإماراتية بالعالمية، ويقدم أطباق ثمار البحر، فاخترته لتميزه.
أطباق فريدة
ما الذي يميز الأطباق التي تقدمها، وكيف تجسد فكرة دمج الثقافات فيها؟
في «ليتس»، أحرص على تقديم أطباق، تمثل تلاقياً فريداً بين المطبخ الإماراتي والنكهات العالمية، ومن أبرزها طبق «ريزوتو صالونة الدجاج»، الذي يعكس هذا المزيج المميز. إن نجاح «ليتس»، و«ريبا»، دليل على جاذبية وتفرد المذاقات الإماراتية الأصيلة. وتتميز أطباقي باستخدامي مكونات عالية الجودة، مثل: البهارات الإماراتية، التي تعدها «عمتي» في المنزل، والسمن الذي أختاره بعناية من مزارع إماراتية، ما يضفي طابعاً مميزاً واستثنائياً عليها. كما أن «الجامي تشيز»، الذي أجلبه من مزارع العين، يساهم في تعزيز تلك النكهات الغنية. فأنا أعتمد على السوق المحلي؛ لضمان أصالة وجودة مكوناتي. وكذلك، أعتبر «الليمون المجفف» (اللومي) بصمتي الخاصة، التي تميز أطباقي، وتمنحها نكهة فريدة.
ما أهمية أن يطلع الشيف على ثقافات طهي متنوعة؟
يعد الاطلاع على ثقافات الطهي المختلفة بوابة الشيف إلى الإبداع والتميز، فلطالما كان الطعام جسراً بين الشعوب على مر الزمن. والمطبخ الإماراتي، مثلاً، تأثر بالتعامل التجاري بين الشعوب، فوصلت إليه التوابل والزعفران، ما أضفى عليه اليوم غنى وتنوعاً؛ فدمج الثقافات في الأطباق ليس تجربة ممتعة فحسب، بل أيضاً وسيلة لتعزيز المذاق، وتقديم لمسة مبتكرة، تجعل الأطباق تتحدث لغة عالمية، تصل إلى قلوب الجميع. وأذكر أنه في إحدى مشاركاتي بالقمة الحكومية، حرصت على إيصال «رسالة سلام» من خلال طبق جمع بين الفلافل والطحينية والليمون اليابس، ممزوجة بالتوابل الإماراتية. هذا الطبق لاقى إعجاباً كبيراً؛ لتجسيده إيماني العميق بأن دمج الثقافة المحلية مع العالمية السبيل المثلى؛ للوصول إلى قلوب الناس.
ما مقومات نجاح أي مطعم، أو «كافيه»؟
النجاح في عالم المطاعم والكافيهات يعتمد على تقديم تجربة متكاملة للضيف. والأمر يبدأ من لحظة دخول الزائر، فالاهتمام بالتفاصيل، مثل: الخدمة الممتازة، والنظافة، وجودة المكونات، والديكور المتقن، يصنع الفارق. فالديكور يلعب دوراً جوهرياً، لأنه يمنح الانطباع الأول، وكما يُقال: «العين تأكل قبل الفم». في مطعمي «ريبا»، سعيت لإنشاء تجربة بصرية فريدة، مستوحاة من البيئة الإماراتية، فالأرضية تشبه الرمال، والسقف يحاكي أمواج البحر، والثريات مستوحاة من القراقير الإماراتية، وشجرة الزيتون تتوسط المكان؛ كرمز للترابط مع ثقافة الشرق الأوسط. كل تلك العناصر تضيف لمسة من الأصالة والتميز إلى المطعم، وتقييم «ميشلان» يشدد على هذه التفاصيل في تصنيفاته.
كشيف إماراتي.. ما نصيحتك لعشاق الطعام؛ ليحظوا بتجربة تذوق غنية، ومتكاملة؟
أن يأخذ الشخص الوقت الكافي؛ لفهم الطبق الذي أمامه، وأن يقرأ مكوناته جيداً؛ ليعرف ما الذي يجعله مميزًا. وعندما يعي تفاصيل المكونات المستخدمة، ويشعر بتناغم النكهات، سيعيش تجربة تذوق مختلفة، وأكثر عمقًا. كما يجب ألا يتردد الضيف في التحدث مع الشيف، وسؤاله عن مكونات الأطباق المقدمة، وطريقة تحضيرها، فالشيف لا ينزعج من هذه المحادثات، بل على العكس يفرح بها، ويعتبرها فرصة لتعزيز تجربة الزبون، وإثراء معرفته بالطعام.
ما الرسالة التي تسعى لإيصالها إلى العالم، وماذا تقول للشباب الإماراتي الراغب في دخول مجال الطهي؟
خلال حفل توزيع جوائز «ميشلان»، أكدت أن رسالتي - كشيف إماراتي - هي إيصال المطبخ الإماراتي إلى الساحة العالمية. ما يحزنني أن أطباقنا لم تحظَ، حتى الآن، بالشهرة التي تستحقها، وهذا ما يجب علينا تغييره. فالأكل الإماراتي غني، ومتعدد النكهات، وليس محصورًا فقط في أطباق، مثل: الهريس، والثريد، والمجبوس، كما يعتقد البعض. كما أن لديَّ شغفاً بمزج النكهات، وابتكار أطباق تعكس تراثنا بلمسة عصرية، تجمع ثقافات عدة، وهذا ما أسعى لنشره عالميًا. أتمنى أن أرى المزيد من أبناء الإمارات يدخلون هذا المجال، وينافسون فيه بجدارة، وأقول للشباب: لا شيء مستحيلاً، فنحن قادرون على تحقيق أحلامنا!