#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 5 يونيو 2022
لأنني صرت أكره شكل يدي القديم!
وشوشتني صديقتي التي خانها زوجها؛ عندما رأت نظراتي المتعجبة إلى كفيها المخضبين بالحناء، وقد صارت مهووسة بصبغتهما وطلاء أظافرهما بلون داكن.. لتردف بين حسرة وتهكم: «خدعوكِ فقالوا إن اليد خمس أصابع.. هأنذا أشعر وكأنني قطعتها جميعاً؛ عقاباً لها على تشبثها بمن أفلتها.. لكل (مسكة يد) شفرة خاصة لا تطابق نظيرتها؛ فلا تتشبثي بقواعد الحساب!».. نظرة شاردة تنقش غيومها في عيني، وأنا أحاول تطبيق نصيحتها أفكر:
هذه يد «أم» مفرودة.. دوماً مفرودة بالعطاء كأنما لا تعرف معنى أن تنقبض! ترسم خيوط راحتها قصوراً وحدائق وأنهاراً لا تجف منابعها أبداً.. يصارعها العمر فتصرعه، ولا يناله منها سوى مجرد رعشة تتملك الأصابع الواهنة أحياناً، لكنها لاتزال تؤدي طقوس عهدها.. مفرودة.. دوماً مفرودة!
هذه من الأصابع (خمس) تساوي.. ما لا نهاية!
هذه يد «أب» دوماً ندية بالعرق.. غائرة العروق كأنما تضخم دمها بمزيج المسؤولية والحب.. خيوط راحتها ترسم سلماً.. تمهد طريقاً.. تحفر بئراً.. تصنع درعاً.. تحمل مظلة، وقد تنبأ ذكاؤها بميعاد المطر.. وترفع راية نصر بيضاء تنتظر في آخر الطريق.
هذه من الأصابع (خمس) تساوي.. بوصلة!
وهذه يد «حبيب» تجيد البحث عن شبيهتها؛ حتى إذا ما وجدتها لا تفلتها.. تتعانق الأصابع معاً.. تنسجم.. تمتزج.. تلتحم.. فمن ذا القادر على فك تشابكهما؟! خيوط راحتيهما معاً صارت أشبه بجذور شجرتين تشابكتا معاً تحت الأرض فصار تشابكهما فوقها أقوى.. بعد عمرٍ ما لا يمكن الفصل بين أصابعهما إلى أي يد تنتمي..
إقرأ أيضاً: لولوة المنصوري تكتب: الروحانية المادية
هذه من الأصابع (عشر) صارت تساوي في وحدتها.. خمساً!
هذه يد «صديق» تجيد التنقل على مواقع خريطة احتياجاتنا.. فتارة تربت على الكتف حانية.. وتارة تسند الظهر دافعة.. وتارة تدعم الصدر حامية.. وأخرى تصفع الرأس بخفة عاتبة..
هذه من الأصابع (خمس) تساوي.. جيشاً!
هذه يد «ابن» تجيد التراقص بحركاتها على بلاط قصور القلوب.. عندما يحلق إبهامه وسبابته في وضع استحسان.. عندما تلامس أنامله شفتيه في قبلة طائرة.. عندما يقلد (الكبار) فتلاعب أصابعه شعري كي أنام.. وعندما يصر رغم قدرته على المشي وحيداً أن يشبك يده في يدي..
هذه من الأصابع (خمس) تساوي.. ألف غد!
أبتسم للصديقة المغدورة، وأنا أنحني لأطبع أثر كفي على رمال الشاطئ فتفعل المثل.. نسمة باردة تصافح وجنتَيْنا في اللحظة نفسها، وتقذف إلينا بالخاطر نفسه..
ترى كم من الأيادي «البيضاء» غيرها كنا محظوظين بها؟!.. وكم من الأيادي الملطخة بالخذلان والغدر تحوي الأصابع الخمس نفسها، وبينهما.. كم بينهما؟!
خمس؟! ما عدت أثق حقاً في «جدوى العدد».. إنما في «حسن الأثر».