#ثقافة وفنون
لاما عزت 9 سبتمبر 2024
نشعر بسحر المدن، من خلال معالمها العمرانية الشهيرة، فالعمارة ليست مجرد بناء، فهي سجل حي للتاريخ والإنجازات البشرية. وفي عالم العمارة، اليوم، نشاهد نساء دخلن هذا المجال بخطى الواثق، فتركن بصماتهن الخاصة به. واحدة من هؤلاء الرائدات، المهندسة المعمارية المصرية شهيرة فهمي، التي تجسد بتصاميمها مزيجاً من الحداثة والتراث، وقد أضافت إليها موهبتها في الفن التشكيلي بُعداً جمالياً فريداً. وشهيرة فهمي، الحائزة اعترافاً دولياً، وزمالات من جامعات مرموقة مثل «هارفارد»، درّست في أعرق الجامعات العالمية مثل كولومبيا، ونجحت في تنفيذ مشاريع رائدة بالشرق الأوسط وأوروبا ولندن، ونالت جوائز من مؤسسات عالمية، مثل: «RIBA»، و«اليونسكو».. «زهرة الخليج» تستضيفها في حوارٍ ملهمٍ؛ لنطلع على مسيرتها المهنية، التي تجمع بين عبق التراث، وحداثة الابتكار:
تصاميمك المعمارية تجمع بين الجماليات الحديثة والتراث الثقافي.. كيف توازنين بين الابتكار والتقاليد؟
أن ندخل عالم العمران والهندسة المعمارية يعني أن نطل على الثقافة والتراث والتاريخ، وربما ما يقف وراء كل هذا من فلسفة تحمل روح الاستدامة. سأبدأ من مدينة العلا؛ لأشير قليلاً إلى العلاقة بين البيئة وفن العمارة، بين المكان والسياحة، وأبدأ من مشروع دار طنطورة «ذا هاوس هوتيل»، البلدة القديمة في العلا، وهي موقع يدمج الإرث الثقافي للبلدة القديمة في فخامة التصميم المعاصر. ويستمد مشروع «دار طنطورة» اسمه من المزولة الشمسية التقليدية، الموجودة عند مدخل الفندق، التي كانت ضابطاً للوقت لقرون عدة، حيث حددت وتيرة الحياة اليومية والإيقاع الثقافي للبلدة القديمة. الجميل في هذا، أن نستعيد هذا الموقع التاريخي، الذي يعود إلى القرن الثاني عشر، بروح معاصرة دون أن يفقد هويته. وتشكل الرؤية المعاصرة، التي كان لي شرف العمل عليها في هذا المشروع، سعينا إلى تحقيق التوازن بين الإبداع والتقاليد في تصاميمنا المعمارية. انطلقنا في هذا المشروع من فهم عميق للتراث الثقافي والأهمية التاريخية للموقع. وتضمن هذا بحثاً مكثفاً في الأنماط المعمارية، والخامات والتقنيات المستخدمة في الموقع، لدمج التراث بالمعاصرة من خلال تصاميم مبتكرة، ففلسفتنا ليست فقط الحفاظ على التاريخ، بل تأكيد دور العمارة في صون المشهد الثقافي بطريقة فعّالة، تنسجم مع الرؤية العامة، والخطط المرسومة.
تجربة ثقافية
لو عدنا إلى تجربتك وثقافتك.. مَنْ المهندس الذي أثّر في فلسفتك المعمارية؟
في هذه اللحظة، أردد ما زرعه معلمي وأستاذي بداخلي، الفنان المعماري الراحل عبد الحليم إبراهيم، بأن «الجمال سينقذ العالم»، فهو مرشدي ومرجعي دائماً، وأعتبر نفسي محظوظة جداً؛ لأنني التقيته في التاسعة عشرة من عمري. وقد أثرت إرشاداته وأفكاره وممارساته في طريقة عملي، فهو الذي كتب عن «جدوى الجمال في مواجهة القبح».. ألا يكفي أن نلتفت إلى البيئة، ونوظف ما فيها بالعمارة؟!
ما دور المهندسين المعماريين في الحفاظ على التراث الثقافي مع تعزيز التطور المعاصر؟
رغم أن العمارة تتحدّث عن زمانها ومكانها، إلا أنها تتوق إلى الخلود، فهي «أم الفنون»، ومن دونها تختفي روح حضارتنا. في بداية المشروع، وخلال مراحل تقدمه، يكون تركيزك على التعلم والحوار، بدلاً من تقديم خبرتك فقط. ولكن في مشروع «دار طنطورة» (ذا هاوس هوتيل)، البلدة القديمة في العلا، تطلب الأمر درجة معينة من الوعي الذاتي أثناء التنقل في بيئة غنية بطبقاتها التاريخية، وإعادة تخيل بنيتها الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية. فعند زيارة الموقع، سيدهشك كيف يبدو ككتلة متماسكة من الطوب الطيني، تشكل منطقة متكاملة، لكنها في الوقت نفسه مفتوحة لتكوّن شوارعها وساحاتها، وإضاءاتها ونوافذها وبواباتها. قد يبدو الأمر كما لو أنه تم استخراجها من الأرض، أو تم نحتها لتشكيل فراغاتها، بدلاً من بنائها بالطوب الطيني، وجذوع أشجار النخيل.
كيف تصفين تجربتك في العمل على مشروع «دار طنطورة» (ذا هاوس هوتيل)، وما أبرز التحديات التي واجهتك في استعادة مباني القرن الثاني عشر؟
لقد تمّ تكليفنا بمهمة كشف الطبقات الاجتماعية والثقافية المعقدة داخل هذه المتاهة من الآثار، وكان التحدي الذي واجهناه هو دمج العناصر الملموسة وغير الملموسة لهذا الموقع التاريخي بسلاسة. وقد تطلب هذا تخطيطًا دقيقًا وبحثًا مكثفًا، بالإضافة إلى التعاون مع خبراء محليين؛ لضمان احترام كل جزء من أجزاء المشروع لتراث الموقع. قمنا بجمع معلومات عن المنازل التاريخية في البلدة القديمة، وقائمة خصائصها وأنماطها وعناصرها، مثل: الأبواب والنوافذ، من حيث حجمها ونوعها. ومن خلال هذه الآثار، قمنا بتجميع العناصر، وتبني التقنيات، ووضع الخطط. وإذا أردنا أن يكون «دار طنطورة» (ذا هاوس هوتيل)، البلدة القديمة في العلا، فندقاً أصيلاً، فإننا بحاجة إلى أن نكون دقيقين في بحثنا، وفهمنا للخامات، التي صنعت منها منازل البلدة القديمة، وكيفية تنظيمها وتجميعها، وأشكالها الأساسية.
منهج تصميمي
شاركتِ في مشاريع بقارات مختلفة.. كيف يؤثر العمل بسياقات ثقافية متنوعة في منهجك التصميمي؟
نهجنا يعتمد على التصميم القائم على البحث، حيث نخصص وقتاً كافياً لدراسة البيئة المحيطة، وكل التفاصيل المرتبطة بالمشروع. بدأت مسيرتي المهنية كمسّاح، فكان لدراسة البيئة المحيطة تأثير كبير في سنواتي الأولى، خلال رحلتي المعمارية؛ فقد تعلمت أهمية الوقت، والتحلي بالصبر؛ للوصول إلى النتيجة المرجوة.
ما الاتجاهات أو الابتكارات، التي ترين أنها ستشكل مستقبل الهندسة المعمارية.. خاصة في الشرق الأوسط؟
أن تكون أكثر محليةً، وأكثر ارتباطاً بالبيئة المحيطة، وكل ما هو حولك، وأن تركز أكثر على خصوصية المكان، مع كل ما تحمله هذه الفكرة من معلومات، وإعلانات، وتحديات، وإلهام.
الاستدامة قضية حيوية اليوم، فكيف تدمجينها في تصاميمك المعمارية، وما الذي يمكن فعله أكثر؛ لتعزيز الاستدامة في هذا المجال؟
دمج الممارسات المستدامة في التصاميم المعمارية أمر مهم في التصدي للتحديات البيئية، التي نواجهها اليوم. فالاستدامة ليست مجرد فكرة ثانوية، بل هي مبدأ توجيهي، من التصميم إلى الإنجاز. فمن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة في التصاميم المعمارية، وتبني نهج شامل يأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، يمكننا إنشاء المباني والمجتمعات، التي لا تقلل من الأثر البيئي فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز نوعية الحياة للأجيال الحالية، والمستقبلية.
ما النصيحة، التي تقدمينها إلى النساء الشابات، اللواتي يطمحن إلى دخول «الهندسة المعمارية»؟
من خلال عملنا، نحاول أن نقدم مسرحاً يجعل الناس من دون قيود، لنسمح لهم بالتساؤل والتأمل. نصيحتي للشابات اللواتي يطمحن إلى دخول مجال الهندسة المعمارية، خاصة المليئات بالشغف والطموح منهن، أن يتابعن مسيرتهن نحو هذا الهدف، فكل تحدٍّ فرصة للتعلم والنمو، وكل خطوة تقربنا من تحقيق الحلم والهدف.